يكشف مسؤولون إيرانيون كبار عن (لهفة) طهران للوصول الى اتفاقية شاملة مع الولايات المتحدة، تسمح لها بـ(قوة نفوذ أكبر في الشرق الأوسط) مقابل أن تتعاطى التعايش مع المصالح الأميركية، بضمنها الاعتراف باسرائيل. وقد حاول خبير أميركي متمرس من خلال مقابلات مع المسؤولين والاستراتيجيين الإيرانيين، استكشاف إمكانية (عودة البنت الضالة) منذ الثورة الإيرانية سنة 1979. ووجد الخبير أن هناك (ولعاً) إيرانياً ببدء مفاوضات، توصل الى مقتربات شاملة، وتجسد ما أسماه (روية أميركية-إيرانية) جديدة في الشرق الأوسط، يكون محورها العراق وأفغانستان، وترتكز الى (حوارات سرية) دامت سنتين في جنيف وقطعها (بوش) في ربيع سنة 2003. ولم يخف الإيرانيون في حواراتهم مع الخبير الأميركي خوفهم من عدم التزام واشنطن بتنفيذ انسحابها من العراق سنة 2011، ويؤكد (قلقهم الشديد) من القوات الأمنية والعسكرية العراقية التي أنشأتها القوات الأميركية (من الصفر) ومن المسؤولين عن هذه المؤسسات بذريعة أنهم ليسوا (أصدقاء لإيران)!.
وقد أكمل البروفيسور (غاريث بورتر) المؤرخ الأميركي، والصحفي المحقق المتخصص في شؤون الأمن القومي، توّاً زيارة استغرقت 12 يوماً الى طهران، ليتعرف الى الكيفية التي ينظر بها المسؤولون والمحللون والشخصيات السياسية الإيرانية الى إمكانية إجراء مفاوضات إيرانية مع إدارة الرئيس الجديد المنتخب (باراك أوباما). وعن ذلك كتب سلسلة تقارير، تحاول (النور) هنا أن تستطلع جزءها الرابع.
وبدء، يستشهد البروفيسور (بورتر) بـ (علي أكبر رضائي) المسؤول الكبير في الخارجية الإيرانية الذي يقول ((إن العقبة الرئيسة في طريق الاتفاق الأميركي-الإيراني ليست النزاعات على المصالح، ولكنه القلق من تعاظم دور إيران قوة كبيرة في المنطقة)).
وبرغم ذلك يتساءل (بورتر) قائلاً: هل يمكن أن تنشأ مفاوضات على اتفاقية بين إيران وإدارة (باراك أوباما) وتكون حلاً عملياً للمشكلات القائمة بين البلدين، إذا ما أرسل (أوباما) الإشارات الصحيحة الى إيران؟. إن الإجابة كما يراها البروفيسور الأميركي، قد جاءت من المسؤولين الإيرانيين، ومن مجالس خبرائهم ومحلليهم السياسيين، بصيغة: ((نعم..ولكنْ)!.
إن مؤسسة الأمن القومي الإيرانية، ولمدة طويلة –بحسب اعتقاد الخبير والمؤرخ الأميركي- يسيل لعابها لإبرام اتفاقية مع واشنطن. ولكن هناك اختلافا كبيرا بين الأفكار الإيرانية والأفكار الأميركية في ماهية هذه الاتفاقية، وما الشبيه لها في السوابق الدولية سواء بالنسبة لواشنطن أم بالنسبة لطهران.
ويرى (بورتر) أن واشنطن ثابتة على فكرة حث إيران أو “تعقيلها” من أجل أن يصل مسؤولوها الى قرار إيقاف برنامج (تخصيب اليورانيوم) أي وقف برامج صناعة ((قنبلة ذرية شيعية)) طبقاً للتسمية الرائجة في دول الخليج –ولاسيما السعودية- وأيضا في تل أبيب والقاهرة وعواصم عربية أخرى، تحث واشنطن على إحباط هذا المشروع، وتعلن رغبتها في دعم الجهد الأميركي حتى لو كان عسكرياً بهذا الاتجاه، طبقاً لما أكدته أحداث ووقائع كثيرة.
من جانب آخر، أشار مسؤولون إيرانيون ومحللون سياسيون التقاهم البروفيسور (غاريث بورتر) الى أن اتفاقية أميركية-إيرانية يمكن أن تكون ممكنة فقط إذا ما كانت تمثل ((تغييراً رئيساً في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران). والمسؤولون والمحللون الإيرانيون ينظرون الى مشكلة العلاقات بين الطرفين كشبكة غير مترابطة من القضايا يجب أن تركز الاتفاقية على حسمها والوصول الى (اتفاقات) كاملة بصددها. وعلاوةعلى القضايا الثنائية التي تتعلق بتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، فإن هؤلاء المسؤولين والمحللين الإيرانيين، يرون أن المسألة الجوهرية هو ((تأسيس فهم إيراني-أميركي جديد للشرق الأوسط)).
والمشكلة بالنسبة لإيران –يقول بورتر في تقريره الذي نشرته وكالة إنتر برس سيرفس- كما يلاحظ المحللون السياسيون الإيرانيون، أنها تشعر دائماً أنّ سياساتها في الشرق الأوسط، يجب أن تُبنى على فرضية (العداء لأميركا). وبهذا الصدد يقول (حامد رضا دهغاني) رئيس مجلس خبراء مركز الخليج والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية –وهو معهد متخصص في الدراسات الدولية والسياسية: ((طالما هناك نقص في الفهم بين الولايات المتحدة وبين إيران، فإنّ أي تحرّك من قبل واشنطن يقلقنا)).
ومن جانب آخر يبدو أن المسؤولين الإيرانيين يدركون أن الولايات المتحدة وإيران لهما “مصالح موضوعية مشتركة” في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما (معارضتهما) لتنظيمات القاعدة في العراق أو في أفغانستان، ولكل ما أسماه الخبير الأميركي ((الإرهابيين الإسلاميين المرتبطين بالقاعدة)). وعلى الرغم من السياسات الأميركية السابقة التي تهدد المصالح الإيرانية، يرى المسؤولون الإيرانيون أن هناك فرصة محتملة ومتاحة ومرحباً بها في طهران من أجل ((تعاون إيراني-أميركي في منطقة الشرق الأوسط)).
div>
وهنا يؤكد (دهغاني) قوله: ((إذا كانت هناك فرصة لإيجاد مشتركات مع الولايات المتحدة أو مقتربات في التفكير والتعاون، فإنها ستكون متعلقة بالشرق الأوسط حتماً)). ويتحدث مستشار في وزارة الخارجية الأميركية –تقول وكالة إنتر برس سيرفس إنه طلب عدم الكشف عن اسمه، لأنه غير مخول للتحدث الى صحفيين أجانب- أن “مساومة كبيرة” للوصول الى اتفاقية على جميع القضايا التي يرغب الطرفان الأميركي والإيراني بإثارتها، مسألة ممكنة، وتتأسس على الفهم المشترك لمدى ((تهديدات القاعدة)) و((المجاميع الإرهابية المرتبطة)). وأضاف المستشار الإيراني، قوله: ((إن الفهم الإيراني-الأميركي المشترك بشأن العراق وأفغانستان، سيكون مركز كل قضية في هذا الاتفاق)).
ويعتقد (بورتر) إن إيران كانت ترغب –ومنذ مدة طويلة- بصفقة مباشرة مع الولايات المتحدة، بشأن العراق وأفغانستان، لاسيما بعد أنْ شارك المسؤولون الإيرانيون في سلسلة (اجتماعات سرية) مع الدبلوماسيين الأميركان في جنيف للمدة من أواخر 2001 وحتى ربيع 2003 قبل أن يقرر الرئيس الأميركي (جورج دبليو بوش) قطعها!.
وعلى الصعيد ذاته، أوضح (دهغاني) اللهفة الإيرانية للوصول “الآن” الى صفقة مع الولايات المتحدة بشأن “العراق” تمنح القدرات الإيرانية قوة دفع أعظم نسبياً من التي تتمتع بها الآن من حيث التأثير والنفوذ. لكن المسؤولين الإيرانيين يعترفون أيضا –كما يقول بورتر- أنهم قلقون فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستلتزم بالاتفاقية الأمنية التي وقعتها مع العراق في المدة الأخيرة، وبالذات تعهدها بسحب قواتها مع نهاية سنة 2011!.
وعلى الرغم من وعود الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الجديد (أوباما) بخصوص سحب القوات، والتعهد الأميركي للعراق بالانسحاب الكلي في نهاية سنة 2011، يقول الخبير السياسي الإيراني (دهغاني): ((أنا مرتاب بهذا الشأن)). واستشهد بالعوامل التي تفضلها الولايات المتحدة لحال الانسحاب. وقال إن هناك حقيقة مؤكدة وهي أن اتفاقية الانسحاب الأميركية-العراقية فـُرضت على الحكومة الأميركية غير الراغبة بها من قبل الرأي العام العراقي. وأضاف: ثمة فئات سياسية في الحكومة العراقية، صديقة لإيران، ترفض الاتفاقية، وهي إشارة –كما يؤكد بورتر- الى أحزاب سياسية شيعية عراقية تمتعت بالرعاية الإيرانية لمدة طويلة، وهي الآن جزء من حكومة رئيس الوزراء (نوري المالكي).
والذي يقلق الاستراتيجيين الإيرانيين –كما يعتقد خبير الشؤون القومية الأميركية- هو أن عناصر النظام العراقي الحالي يبدون كأنهم “يستجيبون للمصالح الأميركية”. وعن ذلك يقول (دهغاني) وهو أحد هؤلاء الاستراتيجيين الإيرانيين: ((إن القوات العسكرية والأمنية الحكومية في العراق، كانت قد تأسست بشكل مباشر من قبل الولايات المتحدة. ورؤساء هذه المؤسسات ليسوا أصدقاء لإيران”!.
لكنّ (دهغاني) أنكر أن (إدارة بوش) تتهم إيران بأنها تفضل التعامل مع (مجموعة الميليشيات الخاصة) في العراق، بصرف النظر عن علاقتها مع الحكومة المركزية في بغداد. وقال (دهغاني): إذا ما توصلت كل من إيران والولايات المتحدة الى اتفاقية واسعة أو شاملة لكل القضايا المختلف عليها، بهدف إنهاء العداء بينهما، فإن ذلك سيجعل الانسحاب الأميركي الكامل من العراق، حال عملية وممكنة بلا ريب. وقول (دهغاني) بحسب (بورتر) فيه إشارات ضمنية الى أن المصالح الأميركية تستلزم إبقاء القوات العسكرية الأميركية الحالية في العراق بهدف احتواء النفوذ الإيراني.
وبصدد أفغانستان –يقول الخبير الأميركي- يحرص المسؤولون الإيرانيون على التذكير بـ (التعاون الأميركي-الإيراني القصير الأمد) ضد طالبان والقاعدة بعد أحداث هجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة، والذي انتهى بمبادرة من المحافظين الجدد (تيار بوش-تشيني) في واشنطن. وكتأمل لحال ما يمكن أن يجري في المستقبل، ألمح (دهغاني) الى أن إيران أكثر قلقاً من خطر (سلطة المتطرفين السنة في أفغانستان) لا من نية (أوباما) زيادة القوات الأميركية لتقوية حال المواجهة في أفغانستان. ولم يقل شيئا حيال القوات الأميركية في أفغانستان، ماعدا أنها كانت تعاني من إصابات بالغة وأكبر من تلك التي تواجهها في العراق. وبدلاً من ذلك أوضح (دهغاني) أن إيران تعارض مفاوضات سلام مع طالبان، كما يعارضها تماماً الرئيس الأفغاني (حامد كارازاي). وقال إن الدعم الأميركي لمسألة إجراء حوار مع طالبان سيكون (خطأ كبيراً)!.
ويؤكد (دهغاني) أن الأوروبيين والدول العربية قد يدعمون (عملية التهدئة) مع طالبان لكن صناع القرار الحقيقيين في الولايات المتحدة لن يفعلوا ذلك برأيه. وهو يرى –كما يروي ذلك بورتر- أن مثل هذه التهدئة مع طالبان لن تحصل على الدعم من الرأي العام الأميركي. وبهذا أشار (دهغاني) ضمناً الى أن الولايات المتحدة وإيران كلاهما يعارضان (عدواً واحداً) وهو (المتطرفون السنة) في أفغانستان، ولهذا يجب أن يتفقا على قاعدة موضوعية لمعاهدة إقليمية أوسع.
ويؤكد (غاريث بورتر) قوله: ربما تكون القضية السي
اسة الأكثرية حساسية بالنسبة لكلا الجانبين الإيراني والأميركي في أية مفاوضات ثنائية واسعة –بصرف النظر عن البرنامج النووي الإيراني- هي العلاقات الإيرانية مع حزب الله والمنظمات الأخرى المعادية لإسرائيل.
اسة الأكثرية حساسية بالنسبة لكلا الجانبين الإيراني والأميركي في أية مفاوضات ثنائية واسعة –بصرف النظر عن البرنامج النووي الإيراني- هي العلاقات الإيرانية مع حزب الله والمنظمات الأخرى المعادية لإسرائيل.
ويضيف (بورتر) قائلاً: إن (الاقتراح السري الإيراني) الذي عرضته طهران لدعم خطة الجامعة العربية المدعومة من السعودية لتحقيق السلام وإنهاء النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، والذي يؤدي الى الاعتراف الإيراني بإسرائيل، يشترط إكمال تنفيذ الخطة حتى آخر فقراتها. ولكن مكتب الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية –كما لاحظ معارضون لأي حوار مع إيران- أعرب عن شكوكه في المقترح المقدم من قبل إيران، وبأنه لا يمثل أكثر من (عمل إصلاحي) لحكومة إدارة الرئيس الإيراني (محمد خاتمي) آنذاك، والتي يعتقد على نطاق واسع في الولايات المتحدة أنها كانت ضعيفة للغاية، وعاجزة عن تنفيذ مثل هذه الاتفاقية.
ويقول الخبير السياسي الأميركي إن (أمير موهيبيان) وهو استراتيجي إيراني وصحفي محافظ –لكنه أحد الداعمين لمدة طويلة لحكمة خاتمي- هو من اقترح في مقابلة معه أن اتفاقية إيرانية-أميركية يمكن أن ((تساعد الولايات المتحدة في حل القضية الفلسطينية-الإسرائيلية)). واعترف أن إيران تنفذ بروبغندا خاصة في مخاطبة السكان العرب في أنحاء الشرق الأوسط. وقال إن السياسة الإيرانية تجاه اسرائيل يجب أن ينظر إليها من خلال عملية ذات مسارين: أولاً كشعارات، وثانياً كعمل. وقال: إننا لا يمكن أنْ نقبل اسرائيل كدولة في المنطقة، من حيث الشعارات التي نعلنها، لكنْ –عملياً- هناك موقف مختلف.
وأخيراً، يقول (بورتر): طبقاً لـ (علي أكبر رضائي) المسؤول الكبير في وزارة الخارجية الإيرانية، والمتخصص في الشؤون الأميركية، فإنّ العقبة الرئيسة لإنجاز اتفاقية إيرانية-أميركية شاملة ليس النزاع على المصالح، إنما القلق الأميركي من أن تصبح إيران قوة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا يقول (رضائي): ((إن الطريق الوحيدة للولايات المتحدة للتخلص من الدوران في هذه الحلقة المفرغة الموافقة على التعايش مع منزلة أكبر لإيران في المنطقة)). وشدّد المسؤول الإيراني على القول: ((عاجلاً أم آجلاً فإن الأميركيين سيدركون ذلك)).