بعد ساعات قلائل من تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي الذي يحث على استمرارية عملية ما يسمى بالسلام في منطقة الشرق الأوسط وامتناع الجماهيرية الليبية عن التصويت على القرار باسمها وباسم المجموعة العربية ، أعلن أحمد قريع أبو علاء عن موافقته على القرار واعتبره خطوة إيجابية للأمام .
لم تكن هذه المرة الوحيدة التي تمتنع فيها ليبيا عن التصويت في مثل هذه القرارات المجحفة بالحق الفلسطيني ، بل قدمت عدة مبادرات ومشروعات هي ودولة قطر لفك الحصار عن غزة ، ولم تكتفي ليبيا وقطر بتقديم عدة اقتراحات إلى مجلس الأمن ومشروع قرار بل خطت كل من الدولتين خطوات فعالة لفضح الموقف اللاانساني للإحتلال الصهيوني في فلسطين وحصاره لغزة ، فكانت سفينة الإمداد الإنساني التي اتجهت إلى غزة واعترضتها أسلحة القرصنة الصهيونية ، وأعلنت قطر عن نيتها في إرسال سفينة من مثل هذا النوع إلى سواحل غزة ، وأعلنت عدة دول عربية أخرى عن نيتها في إرسال مثل هذه السفن لإختراق الحصار على المستوى السياسي والأمني والإنساني .
ولكن الغريب أن يهاجم الرئيس عباس السفن التي تتجه إلى غزة ، فهل فعلا هذا غريب من الرئيس الفلسطيني وعجلته الدبلوماسية ؟ .. إننا نقول من خلال المنظور السياسي لبرنامج رئيس السلطة التي تنتهي صلاحياته بعد أيام أن هذا ليس بغريب ، ولو بالحد الأدنى ، بل ذهبت سياسة رئيس السلطة إلى أيعد من ذلك وهي التحريض المباشر لدفع الدول العربية لأن تعلن ولاءها الصارخ للبرنامج الأمريكي الذي يطلب مزيدا من الحصار على غزة ، وأن تعلن الجامعة العربية والدول العربية عن مسؤولية حماس عن تعطيل ما يسمى بالحوار الوطني في ظل عدمية في الإتفاق بين برنامجين ، برنامج تنازلي استسلامي مستسلم لإرادة وبرنامج إسرائيل وأميركا وبرنامج مقاوم وهذه المقاومة ليست مقتصرة على حماس فقط كما تدعي أجهزة السلطة وتريد أن تحصر الممانعة الفلسطينية في فصيل واحد ، بل عدة فصائل وتشكيلات ممانعة ، وليست كلها ذات طابع برمجي إسلامي ، فبالإضافة إلى كتائب القسام هناك سرايا القدس وبعض الفصائل العلمانية مثل كتائب أبو علي مصطفى وكتائب شهداء الأقصى بأجنحتهم السرية وليست كتائب الأقصى وليدة أروقة الأمن الفلسطينية .
قام أبو علاء قريع وبشكل سريع ليعلن ولاءه وانحيازه لوجهة مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بوش الذي ضرب بالحذاء من أحد الشرفاء في الساحة العربية ويقوم بإدلاء تصريح بأن القرار الذي تم التصويت عليه هو خطوة إيجابية نحو السلام ، لم ينتبه السيد قريع أو ربما كان لديه كم من التركيز والإنتباه لمحتويات المشروع الأمريكي الهلامية التي تخدم زمنيا سياسة العجلة الصهيونية في فلسطين من استيطان وأكل الأرض وحصار وتهويد للقدس والخليل ، هذا القرار الذي أتى بقرار 242 و 338 وخارطة الطريق كأهم مرتكزات للعملية السلمية الأمريكية ، ولم يحتوي القرار على قرار 194 بكل ردائته واعترافه بالكيان الصهيوني كدولة على أرض فلسطين ، أي تناسى القرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين وحق تقرير المصير ، بالإضافة إلى وصف المقاومة من خلال تشريع أممي دولي بالإرهاب وهو يسحب مادة من مواد اعترف بها المجتمع الدولي بحق الشعوب في المقاومة واستخدام كافة الأساليب المتاحة ، بل ركز القرار على استمرارية التفاوض بدون ركائز أساسية وبدون محوريات فاعلة تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلت عام 1967 بل ترك الأمر للمتفاوضين لتحديد ماهية حدود الدولة وتبادلية أي بمنظور حوار القوي مع الضعيف .
ومن هنا أهمل القرار ما تردده السلطة من موافقتها ومساندتها للمبادرة العربية التي هي في الأساس مبادرة إعترافية بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين ، من هنا كان هذا الموقف مشجعا لأن تعلن كونداليزا رايس أكثر من مرة على أن تبادر الدول العربية في عملية التطبيع وتبادل الخبرات مع الكيان الصهيوني تحت مسمى عملية السلام التي تخوض فيها الأطراف مفاوضات مبهمة وفي ظل ضعف مستند إلى عوامل قوة إقليمية ودولية داعمة للسلطة الفلسطينية .
القرار الذي صوت عليه مجلس الأمن لتنشيط عملية السلام واستمراريتها بعد نهاية الهالك بوش يكاد يكون خطاب إعلامي وخطاب يأخذ بخاطر بوش المنهزم بعد نهاية ولايته بعد أن فشلت سياسته في تحقيق إعلان مبادئ قبل نهاية ولايته بين الدولة العبرية والسلطة الفلسطينية في رام الله ، وهو عملية حفظ ماء الوجه بعد ما فقد بوش كل الدم الذي يجري في عروقه خوفا من حذاء الزيدي وربما الرئيس عباس في زيارته القادمة يوم الجمعة القادم إلى أميركا ربما يطلب الرئيس الأمريكي المنخلع من عباس أن يعلن ورقة سياسية بينه وبين الدولة العبرية على غرار قرار مجلس الأمن ، ولكن نسي بوش وعباس أن منطقة الفعل في الساحة الفلسطينية على المستوى السياسي والأمني قد خرجت من بين يديه في ظل عدم إمكانية استدراج حماس وفصائل المقاومة إلى خندق السلطة في رام الله ومسؤولياتها الأمنية التي تحدثت عنها كونداليزا رايس من خلال خارطة الطريق ، وبالتالي يصبح الحديث عن عملية السلام هو مجرد خطاب إعلامي لا تتوفر شروط تنفيذه دبلوماسيا وسياسيا وأمنيا وجغرافيا .
السلطة التي أعلنت ترحيبها بقرار مجلس الأمن خرجت عن منظور الجامعة العربية والدول العربية في ال
أمم المتحدة وكما قلت ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي تقف فيها السلطة بعيدا عن تحركات وأنشطة الدول العربية في مجلس الأمن ، بل هناك في رسالة سابقة من الرئيس الفلسطيني عباس وموجهة لمندوب السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة بأن يتعاون مع ممثل الجانب الإسرائيلي والجانب الأمريكي داخل أروقة مجلس الأمن ، بل هناك رسالة لتعاون السفراء مع سفراء الدولة العبرية في الدول التي لها تمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ربما التوافق في المواقف والتحرك له خلفية أن السلطة وكيانيتها وتشكيلها يعتمد وجودها على برنامجها المرتبط بالعجلة الأمريكية والرباعية بالتحديد ، وفي ظل تخوف من سيطرة حماس على الضفة الغربية ، وهذا ما أعلن عنه مسؤولي الأمن الإسرائيليين أكثر من مرة الذين عبروا عن رأيهم في عملية الإنسحاب من الضفة قائلين إذا انسحبنا من الضفة فإن حماس ستستولي على الحكم فيها ، وهي ذريعة لبقاء الإحتلال وبقاء الإستيطان والأنشطة الأمنية ، وكذلك بقاء الإحتلال يخدم أركان السلطة الفلسطينية في الضفة وبدون خلخلة وهذا ما ذهبت إليه حكومة المالكي في عقد الإتفاقية الأمنية مع الإحتلال الأمريكي لضمان بقائها أيضا ، فهي تمثل خارطة طريق كما تنفذها السلطة الفلسطينية بشقها الأمني في الضفة .
ليست المرة الأولى التي تخرج فيها مجموع تيار أوسلو عن السرب العربي واثقة بمدى الدعم والتعويض المعنوي والمادي من أميركا ومن أصدقائهم في تل أبيب ، فقد خرجوا عن السرب العربي منذ اتفاقية أسولو في أوائل التسعينات وأداروا ظهورهم لأي نوايا عربية لوحدة الصف الفلسطيني منفذين البرنامج الأمريكي ومن هنا نقول ليس غريبا أن يخرج ابو علاء قريع رئيس الوفد المفاوض الفلسطيني مع الجانب العبري بهذا الموقف وبهذا التصريح الخارج عن رؤية المجموعة العربية في مجلس الأمن .
بقلم / سميح خلف
للسلطة الفلسطينية … موقف مختلف…!!!!!