صاحب الحذاء وأهله بحاجة لحماية
مصطفى إنشاصي
إن ما قام به البطل الشهم منتظر الزيدي هو عمل عظيم. وإنه منذ أن تجرأ ذلك البطل ورجم الرئيس الأمريكي التوراتي بوش بفردتي حذائه حتى لحظة كتابتي هذه المقالة وإلى أمد قادم كتبت وستكتب عشرات المقالات، وقد يصبح عمله العظيم هذا مثلاً كما طلب أحد الكتاب بأن نستبدل المثل العربي (عاد بخفي حنين) بـ(عاد بخفي منتظر)، ولكن تلك المقالات والقصائد التي كتبت تمجد ذلك العمل العظيم لا ولن تفي لا العمل ولا صاحب العمل حقه، ولن تنزله منزلته الحقيقية، لأن ما فعله أعظم ممن الكلمات وأبلغ من القصائد، إنه حقاً أبلغ تحقير على الطريقة العربية لِمَنْ يستحق ما هو أكثر من ذلك، وإن كان في قيمنا نعم قيمنا وتراثنا الشعبي لا يوجد أبلغ من ذلك، فعندما يريد إنسان أن يعبر عن مدى ما يعتمل في قلبه من كراهية واحتقار لشخص ما، يقول: (سأضربه بالقندرة أو الجزمة أو البلغة وبالإجمال باللي في رجلي أياً كان نوعها).
وذلك ما حدث من منتظر، إنه فعل تلقائي لعربي مسلم حر تعتمل في قلبه كل جراحات وآلام ليس العراقيين وحدهم بل الأمة جميعاً مما فعلته بهم سياسة بوش الخرقاء من احتلال وتدمير للعراق لا تحرير، ومن انتهاك لكرامة الإنسان العراقي في أبو غريب وكل مكان من العراق لا احترام حقوق الإنسان، ومن إشاعة للقتل والفوضى الخلاقة والتشريد والتهجير لا إرساء للاستقرار وقيم الديمقراطية الكاذبة، ومن تهجير وتشريد وتقسيم وتفريق للوطن وأهله لا إعادة بناء وإعمار وتوحيد، ومن نهب وسرقه لمليارات النفط العراقي لا عدالة توزيع للثروة كما زعم، وكثير مما ارتكبه بوش في العراق وغيره من أقطار الوطن. نعم إنه فعل تلقائي لعربي مسلم حر تجاه ذلك المجرم المعتوه والمريض النفسي والمهووس التوراتي، الذي ارتكب جميع جرائمه بنفس المبرر الذي أباد به أسلافه من المغتصبين المجرمين عشرات الملايين من الهنود الحمر، وهم إن كانوا تمثلوا في أنفسهم تلك الأساطير والخرافات التوراتية ورأوا في أنفسهم أنهم بني إسرائيل الذين نجاهم الله مع موسى عليه السلام، ورأوا في الهنود الحمر القبائل العربية التي كانت تسكن فلسطين آنذاك، وان الرب المزعوم لهم “يهوه” قد أمرهم باستئصالها والقضاء عليها وإلا سيستأصلهم ويبيدهم إن لم ينفذوا أوامره، فإن ذلك المهووس بتلك الخرافات لم يكف عن الزعم حتى وهو يودع البيت الأسود بأن الله أمره بكل تلك الجرائم والحروب التي ارتكبها، حتى وهو يناقض نفسه ويعترف أن غزوه للعراق تم بناء على تقارير كاذبة وأن العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل ولا غيرها من الخزعبلات التي لم يكن لها نصيب من الحقيقة إلا في عقله وعقل فريق عمله وإدارته! إن ما فعله منتظر هو السلوك الطبيعي لرجل شهم وحر تجاه رئيس استهتر بكل القيم والمبادئ الإنسانية، وتعامل مع المسلمين والعرب وكأنهم ليسوا من درجة البشر.
وبناء على ما يعتمل في قلوب كل أحرار وشرفاء الأمة من جراح وآلام من سياسة الغطرسة الأمريكية تجاه الأمة والوطن، وخاصة رئيسها بوش، فإن معظم ما كُتب عن ذلك العمل العظيم لمنتظر الزيدي جاء تعبيراً وصدى طبيعي لذلك العمل العظيم، جاء ابتهاجاً به وكأن كل واحد منا هو الذي فعل ذلك، جاء ليعبر عما في قلوبنا ونفوسنا من كراهية وحقد ورغبة في إشفاء غليل قلوبنا مَمَنْ استهان بالأمة واستهتر بالقيم، وضربه بالقندرة. وكم كانت رغبتي في الكتابة بعد عودتي إلى البيت آخر الليل وسماعي الخبر ومشاهدتي للصور، لولا أني كنت متعب، وفي الصباح خرجت وعدت لأفتح البريد فوجدت مقالة حول الموضوع مرسلة من كاتب أستاذ كريم، وكنت أظن أنها قد تكون الوحيدة أو من المقالات القليلة التي كتبت ولم أعلم أن هناك عشرات المقالات كتبت طوال الليل من شدة الفرح والابتهاج بهذا العمل العظيم إلا بعد أن فتحت بعض المواقع الالكترونية، وقد أرسلت لكاتب المقالة بعض التعليقات عليها المؤيدة لِما جاء فيها ومنها:
سلمت يدا منتظر الزيدي فهكذا رئيس وهكذا حضارة يليق بها هكذا رد وهو قليل وليت كان الحذاء أعزك الله قديم وبالي فسيكون أبلغ، وإن كان فعل منتظر العظيم كتعبير رمزي له دلالات عظيمة بعظمة منتظر إنها أبلغ ملايين المرات من الرصاص.
المهم الآن هو التداعي لتشكيل رأي عام ضاغط على ذلك النظام التابع العميل في العراق للحفاظ على حياة منتظر، فهي الآن أصبحت أثمن من السابق ويجب الحفاظ عليه كرمز للشهامة والرجولة العربية في وجه غطرسة الكاوبوي الأمريكي، يجب متابعة
مصيره بين يدي زبانية أمريكا في العراق، وتشكيل لجنة دفاع عنه وفضح أي ممارسات بربرية ضده في السجن.
مصيره بين يدي زبانية أمريكا في العراق، وتشكيل لجنة دفاع عنه وفضح أي ممارسات بربرية ضده في السجن.
ذلك ما كتبته؛ أما الآن وبعد ما جاء على لسان شقيق منتظر الذي أكد في اتصال هاتفي مع قناة الجزيرة أن السلطات العراقية أبلغته بأن ينسى شقيقه وينسى اسمه من الوجود، وأكد أن عائلته باتت مهدده بالتصفية وأنها ستتعرض إلى اعتقالات ومداهمات لمنازلها. بالإضافة إلى ما أكدته بعض المواقع الإخبارية العراقية أن الزيدي معتقل في المنطقة الخضراء وأنه قد يتعرض للتصفية وإذا حوكم فان محاكمته لن تكون علنية.
الآن يجب أن ننحي جانباً حالة الفرح والابتهاج التي عشناها ونعيشها ونكف قليلاً عن التمجيد بالعمل العظيم الذي قام به منتظر الزيدي، وأن نهتم في كيفية التفكير في الحفاظ على حياة أهله وحمايتهم، من نظام يمتلك من المليشيا باسم الشرطة ورجال الأمن والجيش الوطني وهم عصابات بلا ضمير ولا أخلاق، ولا تتورع عن ارتكاب أي فعل انتقامي من العراقيين العاديين فما بالنا بمثل منتظر وأسرته التي ربته وعلمته وأرضعته الرجولة والشهامة كما رأينا؟!.
على كل واحد ممن أثلج صدره ما قام به منتظر الزيدي أن يفكر بأهل منتظر ووسائل توفير الحماية لهم من جلادي النظام العميل، ولا أجد في ذهني أقرب من أن يشكل شرفاء بغداد من نفس الحي والأحياء المجاورة لهم دروع بشرية تتصدى لأي متلصص ومتسلل من تلك العصابات للنيل منهم. كما على لجنة الدفاع عن منتظر التي تشكلت من محامين شرفاء ووطنيين أن تهتم أكثر بالحفاظ على حياته من التصفية غدراً في سجون زبانية الاحتلال إلى جانب اهتمامها بتبرئته من التهم التي ستوجه إليه، أو تخفيف الحكم ضده.
ذلك ما رغبت في لفت الانتباه له في غمرة الاندفاع في الكتابة والفرحة باستردادنا ولو جزئياً لكرامتنا المجروحة من خلال العمل الجليل الذي قام به منتظر، وننسى ما علينا من واجب نحوه ونحو أهله، وإن كان قتله غدراً أو بمحاكمة صورية هو شرف له وشهادة يتمناها كل حر.