د. محمد صالح المسفر
(1) وقف الرئيس بوش الابن في بغداد يوم الأحد مزهوا بكل الجرائم التي ارتكبها وجنده في العراق وتقدم مضيفيه أو أتباعه من الذين عينهم لحكم العراق إلى منصة إلقاء كلمته الأخير قبل أفول نجمه، وقال انه حقق انتصارات وحرر العراق وأقام ديمقراطية فيه، كان الجواب حذاء انصب عليه أمام كاميرات التصوير العالمية من مواطن عراقي لم يجد إلا حذاءه ليقذف به الرئيس الأمريكي جورج بوش. انه ابلغ واقوى وأعمق فعلا احتجاجيا واجهه بوش وزمرته في بغداد، في الغرب اعتاد المتظاهرون والمحتجون رشق الرؤساء بالبيض والبندورة ــ الطماطم ــ لكن أقذر واشد ألما واحتقار أن ترشق عدوك بالحذاء إذا تعذر عليك سحله .
لقد دخل بوش الابن العراق متسللا ليلا عن طريق الجو ولم يبلغ احداً في بغداد إلا بعد وصوله ودخوله احد القصور الرئاسية التي كانوا يعيرون بها الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله، كان هدف زيارته التوقيع على نصيبه الشخصي وحقوقه في الثروة القومية العراقية مكافأة له على تسليم العراق لتلك الحفنة الغادرة، لكنه لم يهن بذلك الحفل وانسل متسللا من العراق إلى أفغانستان وقد يلاقي قدره هناك، وهذه نهاية الطغاة عبر التاريخ.
( 2 ) في البحرين عقد مؤتمر حوار المنامة حول امن الخليج شارك فيه إلى جانب أصحاب الشأن وهم دول مجلس التعاون الخليجي، ممثلون عن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وقادة حلف الناتو، وأعضاء من الكونغرس الأمريكي وعدد من الدول الغربية بما في ذلك ألمانيا، وغيرهم من الصغار والكبار. تضمن جدول أعماله إلى جانب أمور أخرى القرصنة وعرجوا على الأزمة المالية .
المعروف أن كل الدول الخليجية موقعة اتفاقيات أمنية منفردة مع أمريكا، وبها قواعد عسكرية أمريكية باقية لآجال طويلة. ولست اعلم ما هي الضرورة إلى عقد مثل هذه الاجتماعات المكلفة ماليا ـــ في الوقت الذي يئن مواطنو دول المنطقة من إعصار التضخم الجامح والندرة المالية والبطالة المتصاعدة ـــ طالما لدينا اتفاقيات أمنية مع أكثر وأبشع واخطر الدول طمعا فيما نملك على سطح الأرض وما في باطنها وهي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وقف وزير الدفاع الأمريكي في مؤتمر المنامة يؤلب الخليجيين أولا والعالم ثانيا ضد إيران وسورية. تحدث الوزير الأمريكي أكثر من ثلاثين دقيقة معظم خطابه كان عن أفغانستان وما يجري على أرضها ضد قوات الاحتلال الأمريكي والاوروبي، وتحدث عن العراق وأصر على انضمام العراق إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي. وكأن لسان حاله يقول: ما فيه حدا أحسن من حدا، انتم الخليجيون حلفاؤنا ومحمياتنا، والعراقيون أعواننا ويجب ان تقبلوا العراق عضوا في ناديكم، لكن دول الخليج رفضت ذلك المنطق الأمريكي الأهوج. ثم راح الوزير الأمريكي يخوف الخليجيين من خطر إيراني محدق بالمنطقة، وانه يتوجب مواجهتها كما فعلوا بالعراق حصارا، ثم تجويعا، ثم استعداء العالم على إيران، ثم الانقضاض عليها، ولكن أدرك نادي الأغنياء الخليجي خطورة الموقف فآثروا الصمت .
الغريب أن المشاركين الخليجيين والدولة المضيفة لم يحتج احدهم على الوزير الأمريكي لتجاهله المسألة الفلسطينية والتي تمثل جوهر وقلب الصراع في الشرق الأوسط وبدون حلها لن يستتب امن هذه المنطقة من العالم، انه لم يقل كلمة عن الحصار الظالم المفروض على غزة من قبل الثالوث الملعون، لم يقل كلمة عن الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، ولم يقل كلمة عن حقوق الإنسان الفلسطيني التي تنتهكها إسرائيل في كل دقيقة، في اليوم الذي يحتفل العالم بمرور ستين عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم تذكر معاناة الشعب الفلسطيني والعراقي والسوداني والصومالي.
لقد راحوا يبحثون في امن البحار اي ‘القرصنة في بحر العرب’ أمام السواحل الصومالية، والغريب أن المتحدثين عن هذه الظاهرة لم يستدعوا من ملفاتهم أو ذاكرتهم ‘ إرهاب الألغام في البحر الأحمر في أواخر الثمانينات من القرن الماضي التي بموجبها استنزفت أموال المنطقة لمواجهة تلك المقولة وفي النهاية اكتشفوا أنها أكذوبة أمريكية .
اليوم يمارس نفس اللعبة قراصنة مدربون ومسلحون بأحدث الأسلحة ووسائل اتصال متقدمة ويعترضون أضخم ناقلات النفط العابرة في تلك المنطقة وهم على مقربة من الأسطول الخامس الأمريكي الذي يرصد حركة حتى أفاعي وعقارب أدغال أفريقيا، وكذلك قوات بحرية من الدول الغربية وفوق هذا يريدون تعاونا دوليا. سؤال ألا تستطيع التكنولوجيا الحديثة أن تكتشف تحركات القراصنة إن صدقوا؟
ألا يستطيعون تضليل اتصالات القراصنة ليوقعوهم في المصيدة؟
اجزم القول أن حاميها حراميها كما يقول المثل العربي.