د. فايز أبو شمالة
لا يقل حذاء منتظر الزيدي أهمية عن خنجر سليمان الحلبي، فكلا الرجلين قد أشفيا صدور قوم مؤمنين، وإذا كان تاريخ 14يونيو 1800م، ذلك اليوم العربي الذي استل فيه الشهيد سليمان الحلبي خنجره وطعن الجنرال الفرنسي “كليبر” أربع طعنات قاتله، فإن تاريخ 14 ديسمبر 2008م، اليوم الذي استل فيه منتظر الزيدي حذاءه ليطعن كرامة المحتل “جورج بوش” طعنتين قاتلتين؛ الأولى أصابت رأس عقلية الهيمنة، والتسلط، وبسط النفوذ بالقوة، والثانية طعنت وجدان المحتل، وأعوانه الذين طالما استخفوا بشهامة العرب، وتاريخهم المقاوم للظلم، والعدوان منذ الحملة الفرنسية على مصر، وحتى تاريخ الهجمة الأمريكية على العراق، وما بينهما من استعمار لكل البلاد العربية، واحتلال للتاريخ الإسلامي، واغتصاب لفلسطين، وإشغال للعقل العربي بعيداً عن أهداف الأمة.
رغم تعدد أسماء الغزاة للمنطقة العربية فإن هدفهم واحد، وأسلوبهم في السيطرة يبدأ بتكسير روح الانتماء للوطن، والاستخفاف بالتضحية، وإضعاف الثقة بالنفس، وزعزعة القدرة على البناء، والتطوير، وعدم السماح للعرب بمواكبة التقدم العلمي، والسير في ركب الحضارة، بل وتحنيط للكرامة العربية لئلا تثور لواقعها المر، وليس بعيداً عن ذلل متحف التاريخ الطبيعي (أنفاليد) في باريس، حيث تعرض جمجمة الشهيد العربي سليمان الحلبي هنالك، وقد كتب تحتها كلمة “إرهابي” ، منذ 16يونيو 1800م، تاريخ الحكم الصادر عن محكمة الاحتلال الفرنسي على سليمان الحلبي بقطع زنده حرقاً، وخوزقته علناً، لقد انتهى الاحتلال الفرنسي للأرض المصرية سنة 1801م، ولكن لم ينته الاحتلال الفرنسي للوجدان العربي وهو يعرض في متاحفه حتى يومنا هذا جمجمة الحلبي تحت مسمى إرهابي.
كما انتهى الاحتلال الفرنسي، وغيره، سينتهي الاحتلال الأمريكي للعراق، وينتهي أعوان الاحتلال، ولكن هذا لا يعني نهاية استهداف المنطقة العربية بالنهب، والهوان، واستهداف وجدان الأمة بالكسر، والإذلال، لئلا يظهر فيها من يفكر برد الضيم ولو بالحذاء، لذا سيكون منتظر الزيدي مستهدفاً، وهذا يفرض على شرفاء العراق، والأمة العربية تشكيل لجنة قانونية عربية، ودولية تتابع قضيته، وأحواله في السجن، وتصر على تحريره الفوري، ومعاملته بالشكل الإنساني الذي يليق بحر النفس، كريم الطبع.
كان على سليمان الحلبي أن يمر بمدينة غزة قبل وصوله إلى مصر، وكان على منتظر الزيدي أن يمر بوجدانه على غزة التي خرجت في اليوم نفسه لتقول: لا للحصار، نعم للمقاومة، نعم للجوع، ولا للركوع.
وإذا كان الفرنسيون قد احتفظوا بالخنجر الذي طعن الجنرال المحتل “كليبر” في متاحفهم حتى يومنا هذا، فعلى الأمة العربية عدم التفريط بحذاء منتظر الزيدي، بعد أن أصبح الحذاء رمزاً للكرامة العربية.