جهاد نصره
من المسائل التي اختلف حولها السلف الصالح وغير الصالح من الفقهاء الذين يطلق عليهم العامة لقب العلماء، حكاية النبي ـ يونس ـ الذي كلفه اللـه بمهمة إبلاغ أهل ( نينوى ) من قرى الموصل الذين كانوا يعبدون الأصنام بموعد العذاب الذي قرر إنزاله بهم..!؟ فلما سارع يونس يبحث عن حمار أو بغل يقله إلى ( نينوى ) خاطبه اللـه جلَّ جلاله: الأمر مستعجل يا يونس، والموعد أزف، وليس أمامك وقت لتبحث فيه عن مركوب فأجابه ـ يونس ـ: المسافة طويلة سألتمس حذاء فقال اللـه عزّ وجلّ: الأمر أعجل من ذلك يا يونس..! فغضب ـ يونس ـ وانطلق حانقاً إلى السفينة النهرية فركبها غير أن السفينة لم تتمكن بعد صعود ـ يونس ـ إليها من الحركة فأرسل اللـه المنقذ له حوتاً أقله إلى ( نينوى ) فاجتمع إلى أهلها وبلغّهم رسالة الرب وموعد العذاب القادم بعد ثلاثة أيام لكنهم كذَّبوه، وضحكوا عليه، فغادرهم على عجل مكفِّهرا فلما كانت الليلة التي وُعدوا بالعذاب في صبيحتها اجتمعوا خارج القرية فاستغفروا الربّ وجأروا إليه ودعوه مخلصين له الدين أن يغفر لهم وأن يكشف عنهم العذاب وأن يرجع إليهم رسوله يونس (( فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخِزِي في الحياة الدنيا ومتَّعناهم إلى حين )) من سورة يونس.. ثم انتظر ـ يونس ـ بعيداً ليرى مصير قومه في الموعد المنتظر وإذ مرَّ به راعٍ فاستفسر منه عن أحوال الجماعة وما حلَّ بهم ففوجئ بالخبر: لقد كذَّبه الرب ولم يلحق الأذى بقريته…!؟ فغضب، وهاج، وماج، وصرخ قائلاً: واللـه لا أعود إليها كذاباً أبداً وعدهم الرب بالعذاب ثم لم يفعل وانطلق ـ يونس ـ عاتباً على الرب الذي خذله وقد قرر الانتحار فرمى نفسه في البحر تحت جنح الظلام فابتلعه الحوت وما أن داهمته ظلمات الليل، والبحر، وهو في بطن الحوت، حتى ندم وراح يستغفر ربه (( فنادى في الظلمات )) من سورة الصافات..! عن عبد اللـه بن رافع مولى رسول اللـه قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال الرسول: لما أراد اللـه حبس ـ يونس ـ في بطن الحوت أوحى اللـه إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر عظماً فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع ـ يونس ـ حساً فقال في نفسه: ما هذا ؟ فأوحى اللـه إليه وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دواب البحر قال: فسبَّح ـ يونس ـ وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا لنسمع صوتاً ضعيفاً بأرضٍ غريبة فأجاب اللـه: ذلك عبدي ـ يونس ـ عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر فشفعوا له وقدموا الرجاء فاستجاب الرب وأمر الحوت بالصعود إلى اليابسة وإعادة ـ يونس ـ إلى الأرض فسارع الحوت إلى قذفه على الشاطئ (( فلولا أنه كان من المسبِّحين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون )) وقد كان في حالة يرثى لها مثل أي سجين خرج من زنزانة موحشة (( فَنَبذْناهُ بالعراء وهو سقيم )) من سورة الصافات ولأنه كان جائعاً عطشاناً أنبت اللـه فوق رأسه شجرة من اليقطين ـ القرع ـ البلدي صارت تقطِّر في فمه حليب نيدو كامل الدسم إلى أن استعاد قوته فقام متعافياً وانطلق نشيطاً ثم عاد بعد أن جاع وعطش فوجد أمه شجرة اليقطين قد يبست فحزن وبكى عليها فعاتبه اللـه قائلاً: أحزنت على شجرة وبكيت عليها وكنت تريد هلاك مائة ألف وهم كامل سكان ( نينوى ) وهؤلاء هم كل من بقي على قيد الحياة وفق إحصاء الوريث صدام حسين ( الذي يعتبره بعض الكتاب الفطاحل نكاية بأمريكا شهيد العروبة والإسلام )..؟ (( وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون فآمنوا فمتعَّناهم إلى حين )) من سورة الصافات.
وأخيراً ولأن الله عزَّ وجلَ واسع الرحمة غفار الذنوب فقد اجتبى ـ يونس ـ من الضلالة وجعله من الصالحين فعاد إلى قومه صافي يا لبن ويكون بذلك قد اكتمل هذا المشهد القرآني القصصي الموثَّق…!؟ أما المؤسف في الأمر فهو أن المسلمين الأفاضل لا زالوا ينظرون بعين الازدراء إلى ثقافات وأديان الشعوب غير الإسلامية نقطة أول السطر.
1 ـ سورة يونس.
2 ـ سورة الصافات.
3 ـ سورة الأنبياء.
4 ـ تفسير الجلالين للحلي والسيوطي.
5 – تاريخ الأمم والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري.