د محمد احمد النابلسي
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية
ان ديمقراطيتنا مدمرة للذات, لأنها تسيء استخدام حق الحرية والمساواة, ولانها تعلم الناس ان الطيش هو حق وان عدم الشرعية هو حرية, وان الفظاظة مثل المساواة وان الفوضى مثل السعادة.
خطيب اغريقي
هذه الديمقراطية الفاسدة هي عينها ديمقراطية بوش المصدرة الى الشرق الاوسط وهي ذاتها التي حولته الى ما يسميه الاميركيون ب “الفوضى البناءة” التي حولت مجتمعاتنا الى مجتمعات غائبة عن الوعي يحكمها كرزايات متنوعي الاحجام والقياسات وفق معايير قادة المجتمع الاميركي. وشروط التحول الى قواد على الطريقة الاميركية سهلة ويسيرة تختصرها كلمة واحدة هي “النسيان”.
لقد نسيت ديمقراطية محدثي النعمة والسياسة كل القضايا التي كانت يوماً ما وطنية. فمن هو الطفل محمد الدرة الذي بكاه العالم قتيلاً بين ذراعي والده؟. ومن هم الفلسطينيون المحاصرون وراء جدار اسمنتي استنكره العالم؟. ومن هم المقاومون والوطنيون ومن هي الزعامات الوطنية والتاريخية ومن هم الشبان المتحمسون لقضايا أوطانهم وكراماتهم؟.
لقد محا بوش وكرزاياته العرب كل هذه الذكريات لغاية يوم الاحد 14/12/08 اي قبل 36 على رحيل بوش. ففي هذا التاريخ تلقى بوش حذائين (كندرتين) لمالكهما مراسل قناة البغدادية المدعو منتظر الزيدي. ويبدو ان ضرب بوش بالحذاء خلق صدمة أيقظت النائمين تحت تراب فساد ثورات ديمقراطية بوش. وذلك بدليل إرتفاع سعر حذاء منتظر الزيدي في المزاد على الأنترنيت من مائة ألف دولار الى 500 الف دولار في منافسات داخل الشبكة العنكبوتية وهذه أول مرة يجري فيها مزاد على شيء غير ملموس أنما مجرد صورة الزيدي وهو يقذف حذاءه على الرئيس بوش والأخير يتحاشى الحذاء الطائر وراءه. وتفيد الأخبار أن الحذاء اصبح الآن لدى المخابرات الأمريكية لفحصه والتحقق من مكوناته ووضعه بالمتحف ليصبح اشهر من مداس ابو القاسم الطنبوري.
وننتهز فرصة التقدير الذي يحظى به حذاء الزيدي لنذكر الغارقين في غرام كرزاي عربي ما بأن ياسر عرفات ،أبو عمار ما غيره، قتل مسموماً على يد اسرائيلية اميركية ليؤتى ببديله على شاكلة كرزاي فلسطيني أشعل الحرب الاهلية الفلسطينية ويعمل على اشعالها مجدداً بعد رحيل بوش. والى مغرمي بوش العرب حديث عن ملابسات عملية إعدام صدام حسين فجرت هيئة الدفاع عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مفاجأة من العيار الثقيل عندما أكدت أن عملية إعدامه والتي تمت قبل عامين كانت صورية وأنه اعدم فيما بعد طعناً في منزل رئيس الوزراء نوري المالكي. وأصدرت الهيئة بيانا في الذكرى السنوية الثانية لإعدامه قالت فيه أن الرئيس السابق لم يمت بعد “إعدامه” مباشرة كما ظهر في شريط فيديو قام بتصويره بعض الأشخاص الذين حضروا عملية الإعدام. وأضاف البيان انه قد تم وضع مادة الرصاص في قدمي الرئيس صدام بوزن يصل إلى 50 كيلو جرام، كما تم وضع حبل المشنقة بشكل خاطئ ومقصود بحيث يؤدي ذلك إلى كسر العظم ، وان هذه الطريقة لا تؤدي إلى الوفاة ”بل تؤدي إلى دخول الشخص في حالة غيبوبة وتستمر تروية الأوكسجين إلى الدماغ مما يعني أن الرئيس لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى بل دخل في حالة غيبوبة بسبب سرعة ارتطام جسده في الأرض وبسبب وضع الحبل بطريقة مقصوده أن يتم وضعه بهذا الشكل.
والآن وبعد ان تلقى بوش الحذاء الذي يستأهله هل ننظر حولنا لاحصاء اعداد الاحذية اللازمة للكرزايات الذين زرعهم لنا بوش قبل رحيله.
بعض هؤلاء الكرزايات يراهن على امكانية استمرار تأثير ديمقراطية الدمى والقره غوزات وهو رهان قد ينجح في البلدان التي تستعجل انتخاباتها كي تستثمر ما تبقى من طاعون ديمقراطية بوش وثوراته المفخخة بالعار. وعلى هؤلاء ان يدركوا ان النجاح اصعب أحياناً من الفشل وليسألوا بوش في ذلك. فهم سيتعرضون آجلاً أو لاحقاً لحذاء ما؟!.
كان على بوش واتباعه وحواريه وخدمه وكرزاياته أن يدركوا إستحالة أن تنزع عن الجماعة تراثها بابطاله وشخصياته ومثله وقناعاته. وقدر العرب ان يعاودوا تذكر محمد الدرة طالما بقي طفل عربي منتهك الطفولة على يد اسرائيلي أو اي اجنبي او اي جهة أخرى.
على هؤلاء ان يدركوا ان بسالة المقاومين العراقيين تأتي من قناعتهم بقضيتهم التي يقاتلوا من أجلها. وبانهم لا يملكون قضية يقدمونها للشباب المضلل الذي يوظفونه. فالمبدأ الاساسي لثورات بوش في المنطقة والعالم هو اغتيال القضايا واستبدالها بفوضى تشبه السعادة وبعدم شرعية يشبه الحرية وبشخوص يشبهون الرجال.