أفردت وسائل الإعلام الأمريكية مساحات واسعة من إصداراتها اليوم الإثنين لواقعة قذف صحفي عراقي الرئيس الأمريكي جورج بوش بالحذاء، واصفة إياها بأنها “أكبر إهانة” يمكن أن يتعرض لها شخص في البلدان العربية، واعتبرتها دليلا على “هشاشة الأمن الأمريكي” في العراق؛ “حيث تغلب الحذاء العراقي على جميع التحصينات والأسلحة الأمريكية التي أحاطت ببوش”.
ومن اللافت أن مواقع الصحف وشبكات التلفزة الأمريكية على الإنترنت التي أوردت الخبر خلت تقريبا من أي انتقاد لتصرف الصحفي العراقي، بينما تفاوتت ردود الفعل عربيا، فرغم احتفاء معظمها بالواقعة فقد اعتبر بعضها أنه “لا يجب أن نقابل الإساءات الأمريكية التي ننتقدها في العراق بإساءة مماثلة تعطي صورة غير حضارية عن العرب للأمريكيين”.
وحرصت وسائل الإعلام الأمريكية على تقديم الحدث بجميع تفاصيله مدعوما بالصور والفيديو، وأبرزته على ما عداه من أنباء زيارة بوش المفاجئة للعراق مساء أمس الأحد، وفيها توقيعه للاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية، والتي يراها “رمز النصر” الأمريكي في العراق بنهاية ولايته.
“واشنطن بوست” اعتبرت أن بوش “ذاق برمية الحذاء بعضا من النقمة العارمة التي تغلي بها صدور العراقيين على احتلاله لبلدهم وممارسات الجيش الأمريكي هناك”، وكان اللافت أن فيديو الحادث الذي نشره موقع الصحيفة احتوى على إعلان لإحدى شركات السيارات قبل عرض الفيديو فيما يبدو أنها إشارة للإقبال الكبير على من يرغبون في مشاهدة رمي الرئيس بالحذاء.
وقالت الصحيفة: إن رمي الأحذية يعتبر في نظر العراقيين “أسوأ إهانة يتعرض لها أحد، وتعني ضياع احترامه”، كما أشارت إلى استطلاعات الرأي التي أظهرت أن معظم الأمريكيين يعتبرون أن غزو العراق كان قرارا خاطئا.
وبالتفصيل تناولت شبكة “سي إن إن” على موقعها الإلكتروني الحادث، مشيرة أيضا إلى أن رمي شخص ما بالحذاء يعد “رمزا لإهانة بالغة في ثقافة المسلمين”.
وحاول بوش التشويش على حادثة الحذاء بقوله إن تصرف الصحفي “لا يمثل الشعب العراقي، ولكنه سلوك معتاد يحدث في المجتمعات الحرة عندما يسعى الناس للفت الانتباه”.
غير أن موقع ( إيه بي سي) رأت أن كلمات بوش تلك التي تندر بها على الحادثة “لم تخفِ الإهانة”.
وعلق عدد من قراء الموقع على الخبر بشكل عبر عن مشاعر قطاع كبير من الأمريكيين إزاء بوش، حيث قال من وقع باسم “جمهوري سابق” هذا الشخص (بوش) عليه أن يبقى في العراق أو أن يغادر إلى إفريقيا لأنه أسوأ رئيس في تاريخ أمريكا، فيما قال آخر: “هذا شيء جيد أن يحدث لمثل هذا المخلوق”.
وكان بوش قد تعرض للرمي بالحذاء خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مساء أمس الأحد برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حين فوجئ بمراسل قناة “البغدادية” منتظر الزيدي يرشقه بـ”فردة” حذائه الأولى التي طاشت عن هدفها؛ ما دفعه لرميه بـ”الفردة” الثانية التي اضطر بوش للانحناء لتفاديها.
وصرخ الزيدي بأعلى صوته وهو يلقي بالحذاء الأول في وجه بوش قائلا: “هذه هي قبلة وداع الشعب العراقي لك أيها الكلب”، وأضاف مع إلقائه الحذاء الثاني: “وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق”، وأصاب الحذاء هذه المرة العلم الأمريكي المعلق خلف بوش.
“لا نصر”
وكانت الدلالة الأبعد في حادثة الحذاء ما عبرت عنه شبكة “فوكس نيوز” التي اعتبرت أن توديع العراقيين لبوش بنفس الطريقة التي أسقطوا بها تمثال الرئيس الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس عام 2003 (الضرب بالحذاء) يعني أنه “لا نصر أمريكيا حقيقيا في العراق”.
وفي الجانب الأمني اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنه رغم أن بوش لم يصب مباشرة بالحذاء فإن الحادث “كان له وقع كبير عليه وعلى المحيطين به لأنه كان متلفزا”.
إضافة إلى أن الحادث كان له خطورة أمنية – وفق الصحيفة – حيث أظهر أنه بالرغم من أن المؤتمر أقيم في المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد بأحدث وسائل الحماية الأمنية، فإن كل هذا “لم يمنع الأحذية من أن تكون سلاحا في يد صحفي يستهدف به بوش”.
الانحناء للحذاء
وعربيا حفلت وسائل الإعلام بالتعليقات التي تحتفي بالواقعة الفريدة، ووصف بعضها الصحفي العراقي بـ”البطل”، واعتبر عبد الباري عطوان في صحيفة “القدس العربي” أن الرمي بالحذاء “وداع لائق بمجرم حرب”، وهو ما اتفق معه فيه الدكتور صلاح الدين سلطان على موقع “الإخوان المسلمون”.
وذهب موقع “العراق للجميع” لأبعد من ذلك حين اعتبر أن “المذلة” التي تعرض لها بوش بالحذاء أكبر من المذلة التي أذل الله بها فرعون (الغرق) وقارون (الخسف بالأرض)، حيث أجبر العراقيون بوش على “أن ينحني لحذائهم”.
غير أن العديد من الكتاب العرب لم يتفقوا مع وجهة النظر تلك، معتبرين أن تصرف الصحفي العراقي لم يكن “حضاريا”، ومن هؤلاء الكاتب المصري مكرم محمد أحمد الذي اعتبر أن هذا التصرف لم يكن “لائقا بمهنة الصحافة”، وأنه كان يجب على الصحفي أن يعبر عن غضبه بقلمه فقط.
وفي سياق متصل أعلن اتحاد المحامين العرب من جانبه على لسان أمينه العام سامح عاشور أن الاتحاد سيكلف عددا من محاميه بالدفاع عن الصحفي العراقي منتظر الزيدي حال تعرضه للاعتقال أو للمحاكمة.
كما صرح خليل الدليمي، محامي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، أن 100 محام سوف يتولون الدفاع عن منتظر.
ولم يخل الأمر في التعليقات العربية من الطرائف.. فالكاتب مصطفى بكري اعتبر أن إلقاء الحذاء على رئيس أقوى دولة في العالم ينبئ بأن الحرب العالمية المقبلة ستكون “بالأحذية”.
أما الكاتب الصحفي الساخر بلال فضل فقد أبدى إعجابه بـ”دقة تصويب” الزيدي وسرعته، معربا عن انضمامه للكثيرين الين أبدوا فرحتهم مما حدث إلا أنه أضاف: “بينما نلمس فرحا عربيا شعبيا واسعا بقذف بوش بالحذاء، فإن هؤلاء العرب أنفسهم يضربون من قبل حكامهم يوميا بالأحذية!”.