فَضَحَ شريط جديد يُعْرَضُ حاليًا على الموقع العالمي “اليوتيوب” لصاحبه الذي لَقَّبَ نفسه “قناص السجون” أوضاعًا مُزْرِيَةً في أحد السجون بالمغرب، قال: إنه “سجن بولمهراز بمراكش”، بثَّ فيه صورًا تُظْهِرُ رواج تجارة المخدرات فيه، وصورًا أخرى لتعذيب نزلاء السجن والمسّ بكرامتهم.
واعتبر حقوقي مغربي أنَّهُ بِغَضِّ النَّظَرِ عن اسم السجن المصور في الشريط، فإن واقع السجون بالبلاد “مُؤْلِمٌ جدًّا”، وتحدُث فيه ممارسات لا إنسانية، في حين أكَّد خبيرٌ إعلاميٌّ أنَّ هذا الشريط يبقى نقطةً في بحر الفساد والإفساد بالمغرب، ولا يعكس إلا النَّزْرَ القليل من مكنونات هذا البحر..
مخدرات وشذوذ
وجاء الشريط الجديد بعد أن أثارت أشرطة قناص “تارجيست” الرأي العام المغربي والخارجي السنة الماضية، والذي فضح فيها تصرفاتِ بعض رجال الدرك، وهم يتلقون رشاوى في الشارع العام في مناطق مختلفة من البلاد.
وسجَّلَ الشريط الذي جاء تحت عنوان “الدليل القاطع، والبرهان الساطع، على وجود تجارة مخدرات منظمة داخل السجن” صُوَرًا متحركة، وأخرى ثابتة، تُظْهِرُ لفائف مخدرات من مختلف الأصناف، وبجانبها مبالغ مالية في بعض غرف السجن.
وتفصل بين الصور عناوين فرعية من قبيل :”أُسَرٌ تُبْتَزُّ وسجناء يُبادون”، و “تغذية تعافها الحيوانات”، و”دوس على الآدمية”..
ممارسات لا إنسانية
ووصف المحامي والحقوقي عبد المالك زعزاع نائب رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، واقع السجون بالمغرب، بأنَّهُ واقع “مؤلم جدا”، وبأنَّ التعذيب ما زال يُمارَسُ على السجناء في بعض السجون.
وأشار زعزاع إلى واقعة نقل مدير سجن “أغادير” جنوب المغرب إلى سجن طنجة (شمال) بسبب ممارسات التعذيب في السجن، والقيام بممارسات غير قانونية، في حق مجموعةٍ من المعتقلين الذين اشتكوا من ذلك المدير.
وقال الحقوقي المغربي: إنه بغض النظر عن صحة شريط “قناص السجون” وتصويره في سجن مراكش أو غيره، فالأكيد أن السجون بالمغرب تقع فيها فعلا ممارسات لا إنسانية، يَمُجُّها القانون تماما.
وأضاف زعزاع قائلًا: إن إدارة السجون الحالية بالمغرب نَهَجَتْ مُقَارَبَةً أَمْنِيَّةً في تدبير قضايا وحقوق السجناء: “نحن كحقوقيين ضد هذه المقاربة الأمنية لحل مشاكل السجون في المغرب؛ لأنها مقاربة قاصرة، فالأجدر هو نهج مقاربةٍ شاملةٍ تَجْمَعُ ما بين ما هو أمني وما هو اجتماعي”.
الحذر من “القنص”
وأكد الخبير الإعلامي المغربي يحيى اليحياوي أنّ هذا الشريط وبعض ما تم بثه في “اليوتيوب” والمدونات والمواقع بشبكة الإنترنت صار منذ مدةٍ أداةً ناجعةً، يتم توظيفها لِفَضْحِ هذا السلوك أو ذاك، مُضِيفًا أنه ثمة سوابق بالمغرب، كان لها مفعول حقيقي في فَضْحِ بعض الممارسات المشينة، أو التي يُجَرِّمُها القانون، كالرشوة والابتزاز وما سواها، ويعتبر قناص تارغيست مثالًا معروفًا في ذلك.
وزاد اليحياوي بأنّ ما يمكن أن نسميه “القنص بالشبكة” هو بالأساس عملٌ تطوُّعِيٌّ وفردي في الغالب الأعم، ويراهن على الصدفة لاقتناص هذا “الهدف” أو ذاك، سواء بالفضاء العام المباشر أو بالفضاءات المغلقة، كالسجون، أو المخابرات، أو عالم المخدرات، وتبييض الأموال وما سواها.
وقال الخبير المغربي: إن القناص هنا لا يخلق الحالة، بل هو يلتقطها ويعمل على وَضْعِهَا في الشبكة؛ لضمان رواجها على نطاق واسع، وتسريع وصولها للقارئ، متجاوزًا بذلك على الرقابة، وعلى وسائل الإعلام التقليدية المحافظة بطبعها.
وأضاف المتحدث: بأنه بصرف النظر عما يقال من نَجَاعَةِ ذلك، فإنه يبقى نقطةً ببحر الفساد والإفساد، ولا يعكس إلا النزر القليل من مكنونات هذا البحر، مستشهدًا بقناص بغداد الشهير، فهو لا يستطيع هزم أمريكا، لكنه يزرع الرعب في جنودها.
وقال اليحياوي: ” الكل هنا يضاعف من منسوب حذره وحيطته، خشيةً من القنص، كي لا يسقط في الشباك، وهذا بحد ذاته عنصر نفسي وبيداغوجي، لا يُستهان به، في زمن انفتاح السماوات، والتنقل الواسع للرموز والصور”.
استفحال لظاهرة القنص
واعتبر مصطفى حيران- إعلاميٌّ مغربي مهتم بفن التصوير- أنّ ما تشهده ساحة “القنص” عبر كاميرات التصوير بشتى أنواعها لمختلف زوايا الحياة الْمُعْتِمة بالمغرب، ليست سوى بداية البدايات، مُضِيفًا أن وسيلة التذييع بالصورة والصوت، عبر الإنترنت، ما زالت في طور “الحضانة”، فالخبراء في هذا المجال، يؤكدون أنّ الآتي أعظم، باعتبار حداثة اكتشاف الانترنيت.
وتوقع حيران أنه في مُقبل الأيام، سيعرف المغرب وغيره من بلدان العالم العربي استفحالًا لظاهِرَةِ قَنْصِ “الأسرار”، باعتبار تَحَجُّر الأنظمة السياسية والاجتماعية، وطابعها الزجري الترويعي، مُقابِلَ تَوَفُّرِ الوسائل الإليكترونية المتطورة التي تَكْفُلُ نِسْبِيًّا، لحدِّ الآن، لمُستخدميها الأذكياء، إمكانيةَ إجراء إدانات مُدوية، عبر الإنترنت لفساد السلطة والْمُجتمع، دون أن تطالهم أيدي البطش..
وقال حيران: إن أحد مؤسسي موقع “اليوتوب” وَعَدَ مُؤَخَّرًا بالكثير من إنجازات تطوير خدمات الموقع المذكور، مما يعني أنَّ أياما كثيرة “سوداء” موعودةٌ للسلطات والمجتمعات في البلدان المتحجرة، ومنها المغرب بطبيعة الحال.
وأردف المتحدث بأنَّ قضية “قناص السجون” ليست سوى خطوةٍ أخرى أولية، بعد تلك التي بدأها “قناص تارجيست”، والآتي سيكون أكثر وأفدح.
المصدر: الإسلام اليوم