احمد النعيمي
الصراع بين الحق والباطل بين الخير والشر ؛ باق ٍ إلى يوم القيامة مستمرٌ ما دامت الحياة الدنيا الفانية مستمرة ، وعبر هذا الصراع تجد أناس ارتفع بهم إيمانهم إلى أعلى عليين ، وسقط أناس فهوت بهم شهواتهم إلى أسفل سافلين .
أناس سُطرت مواقفهم بماء الذهب فهموا حقيقة هذا الصراع الأزلي فأبوا إلا أن يرتفعوا بنفوسهم ، وآخرين تاهوا وحاروا جمعوا المتناقضات رأوا الليل نهاراً والحق باطلاً فما عاد مهماً بنظرهم أية معاني ، وسقطوا في هذا الاختبار ..
فقد قال عز وجل : (( مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) آل عمران 179 .
(( لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )) الأنفال 37 .
(( الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )) العنكبوت 1 – 3 .
وان المتتبع لتاريخ البشرية يجد أن الله قد أرسل رسلاً من عنده ليبنوا للناس طريق الحق ويبعدونهم عن طريق الباطل ويخرجونهم من الظلمات إلى النور فيمز الله الطيب من الخبيث ، وترتفع بالمؤمنين نفوسهم ويأبون إلا أن يرتقوا مرتقاً عظيماً ، وأما الخونة والكفرة فتأبى عليهم نفوسهم إلا الذل والهوان والانكسار يخدعهم في هذا كثرة الخبيث ويذهب بهم اعتقادهم وسوء نواياهم والعياذ بالله إلى أن يزين لهم الشيطان أعمالهم فيظنون بالله الظنون ويسيرون في درب الباطل ..
ويوضح لنا سيد قطب – رحمه الله – حقيقة إرسال الرسل والصراع القائم بين الحق والباطل ، فيقول :
” إن موكب الإيمان منذ فجر التاريخ الإنساني موكب واحد موصول ، يقوده رسل الله الكرام ، داعين بحقيقة واحدة ، جاهرين بدعوة واحدة ، سائرين على منهج واحد . . كلهم يدعو إلى ألوهية واحدة ، وربوبية واحدة ، وكلهم لا يدعو مع الله أحداً ، ولا يتوكل على أحد غيره ، ولا يلجأ إلى ملجأ سواه ، ولا يعرف له سنداً إلا إياه .
هذا الموكب الكريم من الرسل واجه البشرية الضالة بدعوة واحدة ، وعقيدة واحدة . وكذلك واجهت الجاهلية ذلك الموكب الكريم ، وهذه الدعوة الواحدة بالعقيدة الواحدة ، مواجهة واحدة كما يعرضها السياق القرآني مغضياً عن الزمان والمكان ، مبرزاً للحقيقة الواحدة الموصولة من وراء الزمان والمكان وكما أن دعوة الرسل لم تتبدل ، فكذلك مواجهة الجاهلية لم تتبدل!
إنها حقيقة تستوقف النظر حقاً! .. إن الجاهلية هي الجاهلية على مدار الزمان .. إن الجاهلية ليست فترة تاريخية ؛ ولكنها وضع واعتقاد وتصور وتجمع عضوي على أساس هذه المقومات ..
والجاهلية تقوم ابتداء على أساس من دينونة العباد للعباد ؛ ومن تأليه غير الله . أو من ربوبية غير الله وكلاهما سواء في إنشاء الجاهلية فسواءً كان الاعتقاد قائماً على تعدد الآلهة ؛ أو كان قائماً على توحيد الإله مع تعدد الأرباب أي المتسلطين فهو ينشئ الجاهلية بكل خصائصها الثانوية الأخرى! “
ثم يؤكد عدم استحالة التعايش بين الحق والباطل وعبثية الجمع بينهما بأي حال من الأحوال ، فيقول :
” إنها معركة بين وجودين لا يمكن أن يكون بينهما تعايش أو سلام! المعركة بين تجمعين عضويين كل منهما يقوم على قاعدة مناقضة تماماً للقاعدة التي يقوم عليها التجمع الآخر . فالتجمع الجاهلي يقوم على قاعدة تعدد الآلهة ، أو تعدد الأرباب ، ومن ثم يدين فيه العباد للعباد . والتجمع الإسلامي يقوم على قاعدة وحدانية الألوهية ووحدانية الربوبية ؛ ومن ثم لا يمكن فيه دينونة العباد للعباد .. “
ويخلص بعدها سيد – رحمه الله – إلى أن التمكين لأهل الحق لن يكون ما داموا مبتعدين عن شرع الله ، وأن التمكين لن يكون إلا بالعودة الصادقة إلى الله ، فيقول :
” ثم تبقى الحقيقة القدرية التي ينبغي ألا يغفل عنها الدعاة إلى الله في جميع الأحوال . وهي أن تحقيق وعد الله لأوليائه بالنصر والتمكين ؛ والفصل بينهم وبين قومهم بالحق ، لا يقع ولا يكون ، إلا بعد تميز أصحاب الدعوة وتحيزهم ؛ وإلا بعد مفاصلتهم لقومهم على الحق الذي معهم .. فذلك الفصل من الله لا يقع وأصحاب الدعوة متميعون في المجتمع الجاهلي ، ذائبون في أوضاعه عاملون في تشكيلاته .. وكل فترة تميع على هذا النحو هي فترة تأخير وتأجيل لوعد الله بالنصر والتمكين .. وهي تبعة ضخمة هائلة يجب أن يتدبرها أصحاب الدعوة إلى الله ، وهم واعون مقدرون .. “
وإذا حققنا هذا في أنفسنا والتزمنا شرع الله وما أراده منا عندها وعندها فقط يتحقق فينا وعد الله تعالى (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) النور 55 .
ولقد كان لرسل الله – عليهم أفضل الصلاة والتسليم – ومن تبعهم أسوة حسنة لنا ، فقد نصرهم الله على من عاداهم ومكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، عندما انقادوا لله واسلموا أمورهم له سبحانه ، فتحقق فيهم قوله عز وجل : (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ )) الروم 47 ، فسهل الله الأمر لرسوله – صلى الله عليه وسلم – وصحابته من بعده ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فنشروا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وكانت لهم الغلبة ما داموا سائرين على شرع الله تعالى وسنة رسوله ..
وتمر الأيام وتعيد سيرتها ، ويستمر التمحيص في العباد ما دامت السماوات والأرض ، فها هو الناصر إسماعيل الأيوبي في دمشق يتحالف مع الصليبين ويسلم لهم بعض القلاع والمدن ويسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والتجهز بالمؤن مقابل الاستعانة بهم على قتال الملك الصالح أيوب في مصر . فوقفت دمشق بوجه هذا الخائن وعلى رأسهم الإمام العز بن عبد السلام الذي خطب خطبة عصماء ذم فيها موالاة أعداء الله وأفتى بحرمة بيع السلاح أو المئونة لهم وقطع للناصر إسماعيل الخطبة في دمشق واختتم بقوله : ” اللهم ابرم لهذه الأمة إبرام رشد تعز به أوليائك ويعمل به بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك ” .
وكأن تلك الخطبة إعلان من الإمام التقي بأن لا سمع ولا طاعة لخائن ، وأن الوالي متى خان الأمانة التي استودعه الله إياها في عباده فلا شرعية له وليس بولي أمر للمسلمين هو .
وسجن بعدها هذا العالم الجليل ، إلا أن سخر الله الملك الصالح وهزمهم جميعا ثم رحل بعدها إلى مصر وعلى يدي هذا العالم سخر الله المظفر قطز والمماليك فقاموا برد هجمات المغول التي كادت أن تقضي على البلاد الإسلامية ، ومن بعدها تم تطهير أراضي المسلمين من باقي الصليبين .
وعاد الحق إلى أهله ونصر الله عباده المؤمنين ، ثم مرت فترات ضعف بأمتنا الإسلامية كان سببها ابتعادنا من جديد عن شرع الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – فسلط الله علينا الأمم من كل حدب وصوب .
ودخل المحتلون الأمريكان أفغانستان التي لم تكد تخرج من المحتل الشيوعي حتى ابتلاها الله بمحتل آخر ، وانقسم المسلمون إلى فسطاطين .. فسطاط الحق الذي قاوم المحتل وأعوانه فسطاط طالبان وحكميتار – الذي طرده الإيرانيون بعد أن أعلن وقوفه إلى جانب المقاومة – .
والفسطاط الآخر فسطاط العمالة والخيانة فسطاط الناصر إسماعيل فسطاط قرضاي ورباني وسياف .
وتكرر الأمر نفسه في العراق المحتل ، كما هي سنة الله في خلقه (( وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ )) العنكبوت 11 .
والآن مشهد آخر من هذه المشاهد نفسها يريد أن يعيد التجربة نفسها والخيانة نفسها والدور نفسه ، فها هو شيخ شريف الذي كان سابقا رئيسا للمحاكم الإسلامية في الصومال وخرج منها إلى جيبوتي عام 2006م بعد دخول القوات الأثيوبية المحتلة إليها ليشكل تحالف إعادة تحرير الصومال جناح جيبوتي ، وفي بداية مشواره هناك كان يرفض أي تحاور بينه وبين المحتل ، وإذ بنا نفاجأ بمشاركته في اتفاق جيبوتي مع الحكومة العميلة التي أقامها المحتل برئاسة عبد الله يوسف وبرعاية الأمم المتحدة .. وكان من بنود هذه الاتفاقية خروج القوات المحتلة من الصومال نهاية هذا الشهر وزيادة أعضاء البرلمان إلى 550 ، يحظى تحالف سيخ شريف ب 200 عضو منهم .. ثم تم وصف جناحه بالاعتدال بينما بقي جناح اسمرا في لائحة وقوائم الجماعات الإسلامية الإرهابية ! ، وفي بداية شهر تشرين الثاني زار مدينة جوهر شمال البلاد ، وفي العاشر من كانون الأول بدأ زيارة لمقديشو افتتحها بدعوة الفصائل إلى التهدئة في دعوة مشابهة سبقه بها سلفيه .. رباني الذي دعا طالبان إلى إلقاء سلاحها وعبد الكريم السامرائي من الحزب الإسلامي العراقي الذي دعا الفصائل إلى ترك السلاح !!
بينما أعلنت قوات الاحتلال الأثيوبية إرجاء سحب قواتها الذي كان من المفترض أن يتم نهاية هذا الشهر ، وهذه النغمة ذاتها التي ما زلنا نسمعها منذ دخول قوات الاحتلال الأمريكية إلى العراق ، بأنهم سيخرجون منها ، وصار لها الآن خمس سنوات ولا زالت النغمة هي نفسها والكذبة ذاتها ، ونحن نقول أن الغزاة لن يخرجوا إلا أذلاء وعلى يد عباد الله المخلصين ، وأن مسالة خروجهم وتحديد وقت لها فلن يتم أبداً ، فهم لن يتخلوا عن فريستهم بسهولة إلا أن يضرب عليهم بيد من حديد .
وتوالت ردود الأفعال من الفصائل القتالية في الصومال فقد أعلنت المحاكم الإسلامية عزل شيخ شريف من منصبة كرئيس لها ، كما صرح الشيخ حسن أويس قائد جناح اسمرا من أن شيخ شريف ما كان ليدخل مقديشو لولا أنه يحظى برضا العدو ويتحالف معه ، ثم بين موقفه من شيخ شريف عبر الجزيرة ، فقال : “ أن القيام باتفاقيات سهل وببساطه وهم يطلبون منا ذلك طول الوقت ويعرضون الأموال والمساعدات ، ولكن هذا الاتفاق الفاشل ليس نصراً بل هزيمة والجلوس مع الغزاة والخونة هي خيانة بحد ذاتها .. فكما جاءوا سيخرجون وسيخرج معهم الخونة ” .
وعلى لسان المتحدث باسمها الشيخ إسماعيل حاج علي أعلنت أن الاتفاقية تسبب المزيد من التعقيدات حول تحقيق الأمن والاستقرار بالبلاد .
كما حذر رئيس مجلس الشورى للمحاكم الإسلامية في ” إقليم هيران ” الشيخ احمد علي ، شيخ شريف من زيارة الإقليم .
ونقول إلى متى سنبقى هكذا نحن المسلمون ، نرى هؤلاء الخونة يسرحون ويمرحون بيننا ويبيعون دماءنا بعرض من الدنيا قليل ونسكت عنهم ؟ متى سننتهي من هذه النماذج الخائنة التي تخدم أعدائنا وتبذل جهوداً أكثر مما يبذله العدو نفسه ؟
وانصح هذا الذي يدعي أنه شريف وكل من سار في هذا الطريق من قبله واذكرهم بالله واحذرهم من أن يكونوا سبباً في إعانة الكفرة على إخوتهم ووان يكونوا سبباً في إراقة الدماء المسلمة التي سقطت وما زالت تسقط ، وادعوهم إلى أن ينفضوا عنهم لباس الخيانة ويعودوا إلى إخوتهم وما هم عليه ويكفيهم شرفاً أن تلصق بهم تهمة الإرهاب ، فكل مسلم شريف في نظر أعداء الله إرهابياً .
فقد كان الأولى بشيخ شريف احمد أن يكون صلباً يرفض دخول الصومال قبل أن يخرج منها آخر محتل إثيوبي كما وكان موقف طالبان المشرف الحاسم أمام أعداء الله . وما دام أنه قد اخطأ ودخلها ، فادعوه الآن أن يعود إلى إخوته في اسمرا ، هذا إذا كان قد بقي في ضميره بقية من حياة .
وأخيراً اذكر الرجل الذي كنا نحسبه على خير أن يتقي الله وأن يذكر أن هذه الدنيا إلى زوال وأن دماء المسلمين التي ستسقط ستكون في رقبته يوم القيامة وندعوه أن يعود إلى رشده ولا يكون من الذين ذكرهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذين يعملون بعمل أهل الجنة ثم ما يكون بينهم وبينها إلا ذراع فيعملون بعمل أهل النار فيدخلونه
ا .
ا .
وختاماً اسأل الله العلي العظيم مقلب القلوب أن يثبت قلوبنا على دينه ، وأن يحسن خاتمتنا ويتوفنا مسلمين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
احمد النعيمي