عبد النبي حجازي
في هذه الأيام والألسنة تلوك (حقوق الإنسان) والسواد يخيم على بقاع منهزمة مغلوبة على أمرها ، وعلى بقاع منتصرة بوحشية وسفاهة , فلايجد المرء أمامه سوى حالين: الأولى تتجلى في الصمت العربي المطبق حتى أصبحنا كما يقول المثل الشعبي (كمن ضيّع جحشة خاله إن وجدها غنى وإن فقدها غنى) والحال الثانية أن هذه المترادفات (اسرائيل , الصهيونية , اليهود , المحافظون الجدد , جورج دبليوبوش) تتطابق مع هذه المترادفات (التلوث ، الوحشية , الدمار , المصائب ، الكوارث) ومن أراد التفريق بين الصهيونية واليهود حتى يبدو (عِلمانياً!) بذريعة أن ثمة أصواتاً يهودية (معتدلة) لاتؤمن بالصهيونية كإديولوجية عنصرية عدوانية فأذكر له هذه الطرفة الشعبية: اشترى بدوي سلة تين وحملها متجهاً إلى ربعه ، وفي الطريق أحسّ بالتعب ، فوضعها جانباً وابتغى أن يستريح فأصابها برشاشٍ من (بوله) عن غير قصد ، ثم مالبث أن أحسّ بالجوع فأخذ يدقق في حبات التين حبة حبة ، يلتقط إحداها ويقول “هذي دناها” فيضعها جانباً ويأكل التي تراءت له نظيفة وهكذا حتى أتى عليها كلها .
قال (تيودور هرتزل) بعد انعقاد مؤتمر (بال) في سويسرا عام 1897 “لوطلب إليّ تلخيص أعمال المؤتمر أنادي على مسمع الجميع أنني قد أسستُ الدولة اليهودية” وكانت إقامة دولة إسرائيل في العام 1948 وانهزام العرب هي الخطوة الأولى عززها شعار الصهيونية (من النيل إلى الفرات).
أذاع أولمرت إعلانين الأول أن إسرائيل تكتفي بحدودها الحالية (مع الجولان والضفة الغربية طبعاً) بغاية طمأنة العرب أو (تنويمهم) أنها لا تطمع بأراض أخرى وعلى الخصوص المعاهدين المعلنين ، والمعاهدين المخفيين (المعتدلين).
وكان إعلانه الثاني أن إسرائيل دولة يهودية فضرب به عصفورين بحجر واحد الأول: تحريض يهود العالم على مؤازرة إسرائيل أكثر! لأن اليهود لايشبعون ، والثاني: تمهيد لما أعلنته تسيبني ليفني مؤخراً عن تهجير عرب 1948إلى الضفة والقطاع حتى تكون
إسرائيل (يهودية خالصة) في خطوة عنصرية جديدة موغلة في التمادي .
ورغم أن ضمير العالم بدأ يصحو لمحاسبة (دبليوبوش) والمحافظين الجدد وإسرائيل , بما فيه من نُخبٍ أمريكية كانت تبدو كمن خرج عن السرب فأصبحت هي السرب وأصبح بوش وأتباعه هم الخارجين عنه . من هذه الصحوة محاسبة الذين مارسوا أنواعاً من التعذيب فاقت كل أنواع الوحشية واللإنسانية أمثال (وليم رامزفيلد) وزير الدفاع الأمريكي السابق. وبدأت الأصوات تستنكر التلوث البيئي في فلسطين والعراق ولبنان والبلاد المجاورة وانتشار السرطانات والآفات الخطيرة فيها جراء الأطنان من القذائف (الذكية) و(الغبية) والقنابل (العنقودية) التي أطلقتها إسرائيل وأمريكا .
أقول ورغم هذا .. فقد أخذنا نحن العرب نمسد لحى أشدِّ أعدائنا قساوة ولؤماً بمؤتمر (حوار الأديان) أو بدسائس (أفاقين في لبنان) يعاف اللسان أن يلهج بأسمائهم ، أونخوة عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب العراقي علي الدباغ يطالب أمريكا أن تبقى في العراق عشر سنوات أخرى , أو وزير خارجية البحرين يطالب بعقد مؤتمر عربي للسلام و(محاربة الإرهاب!) تدعى إليه إسرائيل! . أما إذا أردنا أن نتفاءل بالشعوب فنتساءل كيف تتنفس هذه الشعوب وأصحاب الأمر والنهي يجثمون على صدورها ؟