فائز الحداد
ظلت إشكالية التجيل الشاغل المأساوي الكبير للواهمين نقديا بتقديم المنجز الأدبي وفق منظور زمني ، أساسه العقد المجدول حسابيا بمقيدات مؤرخنة لمبدعين يعرفون نقديا بأسم ( الجيل ) إذ هذا لا يتصل حركيا بالشعر الا بدالات الشكل كفعل مظهري عام ، يلحق بالشعر وبالشعراء أذى تناظري كبير يتحمله النقد حصرا كمرافع عاجز وقاضي جائر _ربما_ تبوأ ما ليس له ، فارتد لعدم الكفاءة كومبارسا أو أدنى في دائرة الضوء .
وتبرز هذه الإشكالية بأفق أوسع وبذات الوهم عند المنحدرين الى ساحة الادب من ضروب معرفية أخرى ، الذين أضافوا للعلة عللا جديدة أكثر أذى من التجيل بإعلاء شان الضروب الوافدة تناقديا كسجون مبتكرة ظاهرها ثقافي وخافيها إجهاضي لممكنات النص ومضامينه الثرة ، فعضدوا المأساة وعمقوا التشويه في التعامل مع المنجز الشعري كدارج كتابي حياتي عند البعض أو كعارض مرضي عند نقاد مدارس ”علم النفس ” ، لايجوز تخطيه أو تماثله كي ينصرف النظر إلى الشعراء كعينات لعدوى مضرة ينبغي اتقاءها والحد من طغيانها ربما ” بالحجر الوقائي النفسي ” ، وهنا تكمن عقدة الضعف التشخيصي والاحاطي ونخرة الفشل للمصابين بوهم المعرفة ، والجاهلين بالشعر تماما ككائن متجاوزا لكل المحددات والاحالات المفترضة وأولها القيود المقيدة والمقرونة بالعصر أو الجيل ، وثانيها ذلك الغامط لما بعض المقاصد الظاهرة والمفضية إلى جمالية متجددة ذات عوالم تأويلية منفتحة ومفتوحة .
فاصطلاح الجيل إذن كرهن اعتقالي عقدي لايمثل إلا مهمازا سلطويا لتسيير آلية النقد لصالح الا نقد .. وهو في تقاطعه ورسالة النقد انما يعبر عن أنانية تكسبية ، سبيلها الكذب وهويتها المجاملة وهدفها التقرب إلى ( المتسيدين ) ثقافيا لهدف مدان يشي بوضوح إلى محاصرة الشعراء ومقاضاتهم ثقافيا في دكاكين التثاقف ، لتبنى الشواذ المشروط بالعناوين وفرض الأستذة بواقع الارهاب الثقافي والخوف .
ومن جبة هذا الضياع خرج الحداثيون بمعطف الشعر كشهداء لطيش عاهرتين آكلتين للحياة ، وتحت خيمة محكومة بالموت نما خطابهم الشعري ، تلك التي أقامتها قوى شيطانية ترى في الموت ابتكارا حضاريا ينسجم وتطلعات هذا العالم الهمجي المحكوم بالحروب .
لقد خرجت القصيدة الحديثة كنخلة من نار تعانق السماء بعناق ازرق .. وحين تسوس النجوم خيولا بوجه غادر للريح فإنها تساقط البروق ككرات من وجد قرمزي فوق صدر الأرض المليء بالجراح ،
لقد واكب الشاعرالحداثي الموت عنادا وعرف كيف يبصم بالحياة ما بعد خرافة التراب ، وقد عبرت نوارسه اسوار جهنم صوب جنائن شتى لاتدركها الامشيئة الشعر … ولك أن تتصور حجم الكارثة لنبؤة الذين حملوا راية القصيدة الحديثة مؤمنين بقدرية الشعر في الخلق وصيروها خطابا يليق بقدسية الحرف كفاتح جديد .
لقد تقاصر النقد هكذا في ظل سطوع التجربة وتجابن إزاء التقولات وهلامات العناوين وعيون الرقابة ودكاكين التخوين ولسان التصحيف ووكالات النعي وأسواق التخريد الثقافي .. لكن هذا الخطاب ظل ومن خلال مبدعيه مميزا في جل الشعرية اولها في منجزات بعض رموزه كشواهد جديرة وراكزة ، على سبيل التأكيد الدلالي لابداع هؤلاء والكفيلة بالرد على الألسن المكسورة والأفواه ذوات اللثغ المشين والمعكر لصفوة الشعرية الحقة .
لقد فات على (الشيوخ ) ذوي القلاع العالية إدراك لعنة الشعر بلسان واخز للهجاء كي يتعلموا من الشباب ما فاتهم . فالشعر ساحة معركة دائما تستقطب الفرسان والهواة وتغري الغواة والمرتزقين ، لكن الفراسة غير الارتزاق المستحلب من كعكة الدماء .. لأنها _ أي المعركة _ تعرف البطولة تبدأ بقدم واثقة وتنتهي بسارية آسرة للأعالي ترفعها اكف واثقة إلى الأمام دائما .
فهل من المعيب أن يقود الشباب الشيوخ ، وقد خربش المجيل وجه القبر الشائخ ، ولم تعد الشوارع الثقافية صالحة للانطلاق . . ؟
الصائل دائما يقاس بالصولة التي تحقق أنانياتها المشروعة رغم الصروف والخطوب ، ومن يدرك جذوة النار لإيابه بالثلوج بل وفي جذوتها يحقق ذاته ويتآلف معها كما تألفت العديد من المنجزات وبمحصلات شعرية امتلكت التسبيب ألقرائي وخلقته بتجاوز ركامات
النقد الرديء ، كخلف كليل لخليفة متخلف .. ذلك الذي يأخذ بأسباب الوراثة العمياء كأبوة مشروخة على حساب مدلولات الوعي المعاصر وآفاق النضوج .
النقد الرديء ، كخلف كليل لخليفة متخلف .. ذلك الذي يأخذ بأسباب الوراثة العمياء كأبوة مشروخة على حساب مدلولات الوعي المعاصر وآفاق النضوج .
فالذين انغمسوا بمستوردات الأحكام الجاهزة وقوانين القراءة الساذجة ، ساقوا بجارية الجهالة والجهل وعدمية الإحاطة أحكاما ظالمة بحق تجارب مهمة لاتزال اضرارها باقية في ظلالا ت الكتب ، ومرارتها أنكى من الزعاف في الحلقوم .. وهم أنفسهم من ركعوا للشواخص المتهاوية كنظام أشاري ذي اطلاقات طلاسمية فابتلينا بنقودهم الضعيفة سجينة المظهر الإنشائي لجهالة واضحة . . ولو عادوا إلى رشدهم والى أدواتهم القديمة وسبلهم المسطرية في ظل أنظمة الحاسوب يجدون كوارث الهزائم تتعقبهم في نظام مروري عسير ، ألغى الضوء كإشارة مؤسسة لصالح اللا ضوء المتخارج على وحدانية القمر كآله للجمال . . بمعنى اللا أوحدية لكهنوت ولا تعرّش لجنس او معصومات لمقنن .
فالنص المتلبس بالنضوج غير محكوم إلزاما ببدعة العصر أو الجيل أو مجزؤات المعومين بالعروض الطويلة ولأشان له بأكاديميات التنظير الفراغي لتدجين مرؤته أو تخنيثه بمصول العلوم الواردة اليه من الخارج .
فكفى الشعر طامة من حسبوا عليه بالتبعية أو بأحالات التنقيد ألسريري أو العكسرتارية الثقافية .. كفى كل هذا التسطيح والانتهاك بهدف الإرضاء والمجاملة المجافية للقيم والموضوعية ، ولنا أن نعترف بكل آصرات الإيثار .. بأن الكثير من الضياعات كانت لأسباب شتى أهمها إقطاعيات التصرف (البرجوا_ ثقافي) وما يحسب عليه من تبعات ، فقد بات مهما الآن ودون تأجيل .. أن تقوم نقدية حقيقية صرفة يكون أساسها الشعراء لتضطلع برسالة النقد النزيه دون شك أو إتهام ، ذلك لان ( آبابيل ) الشعراء فوق روؤس جيوش إبرهة وعليه ترك البيت لأهله فهم أولى في رسم معالمه الثرة ..