جهاد نصره
يحاول الفقهاء المعاصرون ومعهم معظم المفكرين الإسلاميين إبقاء الكثير من الحقائق المرتبطة بحياة الرسول وصحابته بعيداً عن عامة المسلمين، وعندما بدأ بعض المفكرين النقديين في نبش المسكوت عنه في تاريخ المسلمين الأوائل معتمدين في أبحاثهم على ما ورد في أمهات المراجع الفقهية، استنكر الجميع وفي المقدمة مؤسسات الإسلام الرسمي، فعلتهم، وقد نظِّم الفقهاء بمختلف رتبهم المشيخية حملات التكفير والترهيب من أجل إسكاتهم معتمدين في هجمتهم على جهل العامة فيما خص الموضوعات الحساسة المثارة والتي كانت طي الكتمان وجاء اليوم على حين غرة من يخرجها إلى العلن..!؟ المفارقة في هذه المسألة الشائكة تكمن في أن هذه المؤسسات الفقهية وأولئك المشايخ يتهربون حين يشنون معارك التكفير والتحريض من الحديث عن الفقهاء الأولين الذين سطروا المراجع المعتمدة..! فإذا كان مثلاً ما سيتم إيراده من معلومات في هذا المقال يعتبر في نظر فقهاء التكفير والتحريض عملٌ سلبيٌ فيه إساءة للدين ورعاته الأولين، فإن المطلوب منهم بدواعي المصداقية الدينية والأخلاقية أن يشملوا بغضبتهم أيضاً أصحاب المراجع المعتمدة في استخلاص المعلومات فيكفِّرونهم أيضاً، ويحرِّضون عليهم، ويحرِّمون مؤلفاتهم الفقهية هذه…! ومنها على سبيل المثال المراجع التالية التي اعتمدناها في مقالنا هذا:
ـ السيرة النبوية لابن كثير.
2ـ السيرة النبوية للذهبي.
3ـ السيرة النبوية لابن هشام.
4ـ تاريخ الملوك للطبري.
5ـ نساء النبي لعائشة عبد الرحمن.
6ـ مختصر سيرة الرسول لمحمد حامد الفقي.
7ـ نساء النبي لأبي حسن الندوي.
قد يكون من بديهيات الأمور القول: إن التعدد في الحياة ظاهرة طبيعية مرتبطة بالتنوع لكن الدين الإسلامي جبَّ ما قبله لاغياً ما عداه ( إن الدين عند الله الإسلام ) واللافت في هذا السياق الالغائي المحافظة على رخصة التعدد في علاقة الذكر مع الأنثى فقد ثبَّت ـ محمد ـ ص ـ هذه الرخصة بيد المسلم حين أباح له الحرية في الزواج كيفما شاء بشرط العدل والذكور ـ وحدهم الذين يملكون ميزان العدل ـ وإن عاد فقنن عدد الزوجات عند أربع مشترطاً تسريح واحدة عند كل زواج جديد من مسلمة تحديداً ( للتأكيد على نفي مفهوم التعددية بتشريطها…!؟ ) وذلك بسبب ما لاحظه من تراكم متفاقم لمشاكل يسببها الزواج المفتوح السقف عددياً الأمر الذي يعيق عملية نمو التشكل الاجتماعي الجديد وأساسه القصر الأحادي المطلق المغطى قرآنياً…!؟
من المعروف أن الفقهاء الأوائل لم يختلفوا في مسألة بقاء ـ خديجة ـ زوجةً وحيدة بلا ضرة…! وهم زادوا على ذلك فاتفقوا على أنها بقيت زوجةً مدللة مغناج عند ـ محمد ـ ص إلى أن توفيت الأمر الذي يعكس إخلاصه لها، ووفاءه المديد لأفضالها السابقة عليه..!؟ ومن هذه اللحظة، لحظة موت خديجة، بدأ الخلاف على أشده بين السادة أصحاب ـ محمد ـ صلعم، ثمَّ بين كتاب السير، والفقهاء، وأصحاب المشايخ والطرق وغيرهم من السابقين واللاحقين العاملين في مضمار الدين بكافة فروعه، لقد كان موضوع استراتيجية النكاح وتكتيكه و تسلسل الزوجات المحظوظات عند ـ محمد ـ ص وترتيب دخوله الشريف بهنَّ من أكثر الموضوعات المختلف عليها فمنهم من قال: كانت التي بدأ بنكاحها بعد خديجة قبل غيرها عائشة بنت أبي بكر ومنهم من قال: بل كانت سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر..! وكان أصحاب الرأي الأول يدافعون عن رأيهم بالقول: إن عائشة يوم تزوجها كانت صغيرة لا تصلح للجماع أما سودة فإنها كانت ثيباً قد كان لها زوج اسمه السكران بن عمرو بن عبد شمس..! وبعد الأخذ والرد اتفق الجميع على أن ـ محمد ـ ص تزوج عائشة قبل سودة ولكنه نكح،
وبنى، ودخل، على ـ سودة ـ قبلها، بسبب تعذر مضاجعتها لأنها لا تزال طفلة صغيرة لا تعرف طاها من ماها..!؟ ومن المتفق عليه أن ـ محمد ـ ص كان شاهد ـ عائشة ـ عندما كانت في السادسة مرتين وأنه أعجب بها وقيل له منذ ذلك الحين: هذه امرأتك..! وقد روت ـ عائشة ـ حكاية زواجها فقالت: جاء رسول اللـه فدخل بيتنا فجاءتني أمي وأنا في أرجوحة بين عذقين يُرجَّح بي فأنزلتني ومسحت وجهي بشيء من الماء وقادتني حتى إذا كنت عند الباب وقفت حتى ذهب بعض نفَسي ثم أُدخلت ورسول اللـه جالسٌ على سرير في بيتنا قالت: فأجلستني في حجره فقالت: هؤلاء أهلك فبارك اللـه لك فيهنّ وبارك لهنّ فيك فخرج المتواجدون من الرجال والنساء فبنى بي (( نكحني )) في بيتي وعلى سريري وأنا يومئذ ابنة تسع سنين وكانت البكر الوحيدة التي تزوجها من بين جميع زوجاته..! وقد توفي وهي لا تزال في الثامنة عشر من عمرها..! ثم تزوج هند بنت أبي أمية بن المغيرة ( أم سلمة ) وكانت قبله عند أبي سلمة ابن عبد الأسد الذي أنجب منها أربعة أطفال ومات في يوم أُحد.. بعدها تزوج جويرية بنت الحارث وكانت قبله عند مالك بن صفوان ولم يكن عندها أطفال.. ثم تزوج أمّ حبيبة وكانت عند عبيد اللـه بن جحش في الحبشة فبعث من يعيدها من هناك بعد أن مات زوجها وكان قد تنصّر بعد الهجرة إلى الحبشة.. ثم تزوج زينب بنت جحش وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة فلم تلد له شيئا وكانت الوحيدة التي أشرف على زواجها الملاك جبريل شخصياً لذلك كانت تتفاخر على بقية الزوجات وتقول لهن: أنا أكرمكنّ وليِّاً وأكرمكنّ سفيراً..! ثم تزوج صفية بنت حُيىّ بن أخطب وكانت تحت سلام بن مشكم بن الحكم وبعده كنانة بن الربيع الذي قتله محمد بن مسلمة بأمرٍ مباشرٍ من الرسول.. ثم تزوج ميمونة بنت الحارث وكانت قبله تحت عمير بن عمرو وكانت بلا أطفال.. ثم تزوج النشاة بنت رفاعة ولكنها ماتت قبل أن ينكحها.. ثم تزوج الشنباء بنت عمرو وطلقها ـ محمد ـ ص قبل أن ينكحها حيث دخلت عليه وهي حائض وقبل أن تنقضي مدة الدورة الشهرية وينقطع دمها وقد توفي ـ إبراهيم ـ الذي أنجبته له مارية القبطية وكان ـ محمد ـ ص متعلقاً به بشدة يومها قالت الحائضة الشنباء: (( لو كان ـ محمد ـ ص نبيًِّا ما مات أحبُّ الناس إليه )) فسرَّحها على الفور..!؟
ثم تزوج غَزِية بنت جابر بن كلاب وكانت فاتنة الجمال ولكنه لم ينكحها لأنها فاجأته بقولها حين جلبوها إليه: (( إني لم أُستأمر في نفسي إني أعوذ باللـه منك )) فردّها إلى أهلها على ( الحارك )..! ثم تزوج أسماء بنت النعمان ولما دخل لينكحها وجد بها بياضاً فردها إلى أهلها..! ثم تزوج ريحانة وبعدها تزوج مارية القبطية التي أهداها إليه صاحب الإسكندرية المقوقس.. ثم تزوج زينب بنت خزيمة التي يقال لها: أم المساكين وكانت قبله تحت الطفيل بن الحارث.. ثم تزوج العالية بنت ظبيان وطلقها.. وتزوج شَرَاف بنت خليفة الكلبي.. ثم تزوج قُتيلة بنت قيس لكنه توفي قبل أن ينكحها.. ثم تزوج غَزِيَّة بنت جابر ولم ينكحها لأنه وجدها عجوزاً طاعنةً في السن.. ثم تزوج خولة بنت الهُذيل بن الحارث وليلى بنت الخطيم وعمرة بنت يزيد..أما اللواتي خطبهنَّ ولم ينكحهنَّ فهنَّ: أم هانئ وضباعة بنت عامر وصفية بنت بشامة العنبري وأم حبيب بنت العباس وجمرة بنت الحارث.
وهكذا يكون الرسول الكريم المستنفر نهاراً وليلاًً لتلقي ما يوحى إليه من قرآن قد وجد الوقت الكافي ليتزوج من غير حسد بخمس عشرة امرأة، دخل فعلياً بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، وتوفي عن تسع زوجات…! إذن: لقد كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزَّى الزوجة الأولى وتزوجها في العشرينات من عمره وكانت أرملة لعتيق بن عابد بن مخزوم ومن بعده لأبي هالة بن زرارة فكان ـ محمد ـ ص هو الثالث في حياتها وقد أنجبت له ثمانية أطفال: القاسم، والطيّب، والطاهر، وعبد اللـه، وزينب، ورقية، وأمّ كلثوم، وفاطمة.
وهكذا، فقد اقتصرت الإباحة في التعدد على الزواج والنكاح والمعاشرة لأن ذلك لا يضير دين ـ محمد ـ ص في شيء بل على العكس من ذلك فإن هذه الإباحة التعددية النكاحية ضرورية لاجتذاب الذكور إلى الدعوة الجديدة من حيث أنها تسمح ببقاء عرف يهواه الذكور في تلك البيئة المقفرة…!؟ أما إباحة التعدد في الرأي والعقيدة والفكر فإنها قد تضرب أس دعوة التوحيد وركيزتها الأولى القائمة على نفي التعدد ـ تعدد الآلهة والعقائد والأديان ـ في مقتل..! أو تعيق انتشارها وتوسعّها في كل اتجاه.!؟
لقد تمسك الفحول الإسلاميون بهذه السنة النبوية بل عضوا عليها بأسنانهم..! ولما لم تشمل الإباحة مسألة تعدد الآراء والعقائد فإنهم لفظوا ذلك بكل ضراوة ولا زالوا يفعلون…!؟