ماثيو الكسندر قاد فريق المحقيين التابع لقوات المهمات الخاصة المشتركة في العراق عام 2006 الف كتابا عند عودته للولايات المتحدة الاميركية من العراق اسماه ((كيف تواجه الهجمات الارهابية.. المحققون الاميركان يستخدمون العقل لا الوحشية للامساك باكثر الرجال دموية بالعراق)) وقد استخدم الكاتب اسما مستعارا لاسباب امنية.
بدأ ماثيو الكسندر خدمته كطيار مروحية لمهمات خاصة في سلاح الجو الاميركي وشارك في عمليات البوسنة وكوسوفو واصبح عميلا في مكافحة التجسس ثم تطوع للعمل في العراق بصفة كبير للمحققين قاد اكثر من 300 عملية تحقيق واشرف على اكثر من 1000 عملية تحقيق اخرى. يقول ماثيو ما رايت في العراق ما زال يؤرقني لسببين اولهما لان ما حصل يعتبر خيانة لتقاليدنا والسبب الثاني هو ان ما حصل بدون فائدة و ليس ذو فاعلية .
وخلال الخمسة اشهر التي قضاها في العراق كان العنف في اعلى مستوياته بعد التفجيرات التي طالت مرقد الامامين في سامراء في شباط 2006 ،وكانت عمليات القتل اليومي للانتقام والتفجيرات بالسيارات المفخخة كأنها حادث سير عادي لقد كان البلد باسره يسير نحو التمزق الى اجزاء صغيرة.
وفي وسط هذه الفوضى العارمة التي كانت تعصف بالبلاد تم اختياري واربعة اخرين تابعين لسلاح الجو الاميركي لتشكيل فريق محققين للبحث عن الزرقاوي وأماكن اختبائه. يقول ماثيو ان ما اثار دهشتي وصدمني هو ان الجيش الاميركي كان ما زال يقوم بعمليات التحقيق على طراز التحقيق الذي يقوم به محققوه بمعتقل غوانتنامو فقد كان المحققون شكليا يتبعون ما هو موجود في دليل المحققين حول عمليات الاستجواب التي يعتبر دليل المحقق الاساسي في عمليات الاستجواب ذلك انهم قاموا بكل الوسائل والطرق في الحياد عن مبدئية التحقيق والانحراف بها عن الطرق الصحيحة وغالبا ما كانوا يكسرون القواعد ويتجاوزون القوانين.. لا اريد القول اكثر فالعشرات من المقالات كتبت في الصحف والفت كتب حول نتائج سوء التحقيق والاعترافات المستخلصة منها لانها اخذت نتيجة الخوف والتعذيب والاساءة.
يقول ماثيو انه رفض العمل بهذه الطريقة واتباع الاساليب التي يتبعها الجيش في التحقيق مع المشتبه بهم. ويضيف انه علّم فريق المحققين الذي يرأسه طريقة جديدة واساليب في التحقيق مع المشتبه بهم من خلال اقامة حلقة وصل مع المشتبه بهم واظهار التفهم بثقافة بلده واستخدام القدرات العقلية للمحقق في استخلاص المعلومات من المشتبه بهم. ويضيف ان الاساليب التي قام بها فريقه في التحقيق ليست اساليب جديدة او سرية او فريدة، وانما هي موجودة في الدليل التعليمي لعمليات التحقيق. وتابع يقول: كان تفكيرنا هو ان علينا ان نعرف اعدائنا فقد تعلمنا كيف نتفاوض معهم وتبنينا تقنيات التحقيق الجنائي في عملنا وقد جاءت نتيجة جهودنا بسلسلة من النجاحات تكللت بالعثور على الزرقاوي.
وبعد عمليات التحقيق المتكررة التي قمنا بها كان هناك تغير بمواقفنا تجاه المشتبه بهم فاصبحنا لا ننظر اليهم على انهم اشرار تابعين لتنظيم القاعدة وانما بدأنا ننظر اليهم على انهم عراقيين سنة. فغالبا ما كان الرجال في كل عائلة يحمون وعوائلهم من المليشيات الشيعية والتأكد من ان ممثليهم في الحكومة ما زالوا يملكون مداخل ومناصب في الحكومة للتمتع بالسلطة والثروة. ولعل ما اثار دهشتنا هو انهم يكرهون تنظيم القاعدة بقدر كرههم لنا لكن في الوقت ذاته كان الزرقاوي وعصابته من تنظيم القاعدة متلهفين لتزويدهم بالسلاح والمال.
ولعل ما يبين ان فريقي العامل كان يفكر بالشكل الصحيح هو ان العديد من هؤلاء السنة الساخطين على تنظيم القاعدة والزرقاوي كان بالامكان ابعادهم عن التنظيم وما اثبت ذلك جاء بعدها بعام حينما قام الجنرال ديفيد بيتريوس بدعم انشاء تنظيمات الصحوة بالانبار والتي انضم اليها عشرات الالاف من ابناء الانبار وبدأت بمحاربة عناصر القاعدة بالعراق مع القوات الاميركية ووضع نهاية للعنف في البلاد.
يقول ماثيو ان واحدة من الطرق الجديدة التي استخدمناها في التحقيق قادتنا الى واحدة من اكبر اختراقات الحرب فقد توصلنا الى اقناع احد مرافقي الزرقاوي بالتخلي عن القاعدة وكشف مكان الزرقاوي فكان الثامن من حزيران 2006 حينما القت طائرة قنبلة زنتها 500 باوند على البيت الذي كان يضم الزرقاوي الذي كان مجتمعا مع قادة من الارهابيين.
يقول ماثيو ان مقتل الزرقاوي لم يكن كافيا لاقناع العمليات الخاصة للقوات المشتركة بالعمل الذي اقوم به، لتغيير موقفها تجاه عمليات التحقيق اذ استمرت بانتهاج الاسلوب القديم. ويضيف: رجعت انا من العراق وانا اشعر ان مهمتي هي ابعد من ان تكتمل خاصة بعد ان سمعت، بعد عودتي بوقت قريب، ان CIA تقوم بعمليات التحقيق مستخدمة اسلوب الغمر بالماء لاستخلاص الاعترافات من المعتقلين بحجة انهم يحتاجون لفريق قوي من المحققين في التحقيق بعمليات صعبة لقتال قادة تنظيم القاعدة.
هذه الحجج ليست تكون صحيحة دائما فقد توليت وفريق التحقيق العديد من القضايا الصعبة التي تخص المقاتلين الاجانب مستخدمين فيها اساليب تقنية جديدة. فالعديد من هؤلاء ((الجهاديين)) كما يسميهم ماثيو لم يتخلوا عن قضية الجهاد ولكنهم في الوقت نفسه زودنا بمعلومات خطيرة وقيمة.
لقد تعلمت في العراق ان السبب الرئيسي في تدفق المقاتلين الاجانب هو سوء المعاملة والانتهاكات في ابو غريب وغوانتنامو، فسياسة التعذيب جندت مقاتلين بسرعة وبصورة مباشرة للانضمام الى تنظيم القاعدة في العراق والغالبية الكبيرة من التفجيرات الانتحارية لا يزال يقوم بها هؤلاء المقاتلين الاجانب وهم من يقوم بمعظم الهجمات على القوات الاميركية وقوات التحالف في العراق. وليس من قبيل المبالغة القول ان ما لا يقل عن نصف الخسائر والضحايا في العراق جاء على يد المقاتلين الاجانب الذي انضموا للقتال نتيجة برنامجنا في الاساءة الى المعتقلين. يقول ماثيو ان عدد جنودنا من الاميركان الذين قتلوا نتيجة سياستنا المتبعة في التعذيب بحق المعتقلين لا يمكن معرفتها بالضبط ولكن من الانصاف ان نقول ان عددهم هو نفس عدد اولئك الذين فقدناهم في الحادي عشر من ايلول 2001 . واتساءل ما هو عدد اولئك الذين يقولون ان التعذيب وسوء المعاملة يمكن ان يبقي الاميركيين في امان؟ الا اذا كان لا يعد الجنود الاميركين على انهم اميركان .ان الاخلاقيات الاميركية ضد عمليات التعذيب وسوء المعاملة غير مقبولة فمن الجانب العملي ان مثل هذه التصرفات من سوء المعاملة والتعذيب تكلف الاميركان حياتهم.
بعد عودتي من العراق بدأت بالكتابة عن تجربتي التي خضتها بالعراق لانني وجدت نفسي مضطرا لذلك كوني ضابط سابق في الجيش فلا يجب ان نتكلم عن الخطأ بل يجب ان نعمد الى تصحيحه وكانت صدمتي بعد ان قدمت الكتاب الذي كتبت الى وزارة الدفاع لاستحصال الموافقة على ان ما فيه لا يحوي اي معلومات سرية فما كان من المسؤولين في البنتاغون الا ان أخروا الموافقة.
يقول ماثيو ان خبراته قادته للوقوع في منتصف حرب اخرى.. حرب اكثر اهمية من الصراع في العراق حسب وجهة نظره الا وهي حرب ما بعد الحرب والسؤال الذي يطرحه ماثيو من نحن (الاميركيين)؟ فالقتلة كالزرقاوي يمكن ان تقتلنا لكنها لا يمكن ان ترغمنا على التغيير على ما نحن عليه . نحن كما نحن لا نتغير الا اذا قمنا نحن بذلك.
خاطب ماثيو الضباط الاميركيين الموجودين في الجيش الاميركي ان يقاتلوا ويكافحوا لحماية القيم ليس فقط من تنظيم القاعدة وانما من اولئك الذين من شأنهم ان يضعفوا بلاده. تجدر اليه الاشارة ان ضباط سابقين في الجيش الاميركي ومكتب التحقيق الفيدرالي ووكالة المخابرات الاميركية تحدثوا في الصيف الماضي امام الكونغرس ودانوا عمليات التعذيب واعتبروها مخاطرة شخصية لا يستهان بها.