عن انتخابات الليكود ……..والقرار الوزاري الأوروبي ….والسلام المنشود….؟؟!!
انتهت قبل عدة أيام قلائل الانتخابات الداخلية لحزب “الليكود” الاسرائيلي لاختيار قائمة مرشحيه لإنتخابات الكنيست القادمة،بفوز الجناح الأكثر تطرفاً في “الليكود”،وما ان أعلنت النتائج حتى بدت بوادر”الخير” تهل على الفلسطينيين فعضو “الليكود موشية فيغلين” ،يطالب بضم الضفة الغربية وترحيل الفلسطينيين منها،ودفع مبلغ 250 ألف دولار لكل من يتركها،وكذلك طالب بمنع عرب 1948 من المشاركة في الانتخابات الاسرائيلية، ودعا الى قطع الماء والكهرباء عن الفلسطينيين في الضفة والقطاع.
وتصريحات “فيغلين” هذه نموذجاً للسياسة التي سينتهجها “الليكود” تجاه العرب عامة والفلسطينيين خاصة،حيث أن كل استطلاعات الرأي تقول بفوز “الليكود” في الانتخابات الاسرائيلية والتي ستجري في شهر شباط من العام القادم،وسيعود زعيم حزب “الليكود” الحالي “بنيامين نتينياهو” الى رئاسة الحكومة،هذا الزعيم الذي جاء على أنقاض أوسلو ورفض تنفيذ تلك الاتفاقية،رغم ما حملته وتضمنته من سوء وتجاوز وانتقاص وقفز عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وأعاد فتح الاتفاقية من جديد،وأصبح كل بند فيها بحاجة لاتفاق جديد.
واذا كانت القيادة الاسرائيلية الحالية والتي راهن عليها فريق الاعتدال العربي والفلسطيني لم تمنحهم شيئاً،حتى اتفاق رف أو اعلان مباديء يحفظ لها ماء الوجه،رغم الصخب الاعلامي والتطبيل والتزمير لمؤتمر أنابولس “للسلام” والنتائج التي سيتمخض عنها،حتى أن البعض فلسطينياً وعربياً أفاض وأسهب في شرح النتائح الايجابية والثمار التي سيجنيها العرب والفلسطينيين من هذا المؤتمر،ولنكتشف لاحقاً أن قرارات هذا المؤتمر والنتائج المتمخضة عنه لم تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به،فالاستيطان الذي دعا هذا المؤتمر الى تجميده،تضاعف عشر مرات،وما يسمى برؤية الراحل بوش للسلام دولتين لشعبين رحل ورحلت معه،ولم نترك نحن العرب والفلسطينيين محفلاً دينياً أو أكاديمياً أو سياسياً،إلا وذهبنا اليه مستجدين وراكعين،وحتى عندما كان”الحاخام بيرس” فيما يسمى بحوار الأديان يلقي علينا مواعظه وترانيمه كنا سجداً وركوعاً له ،حتى أن أعلى سلطة دينية اسلامية عندنا هرعت لمصافحته وشكره على هذه الموعظة،ولكن كل ذلك لم يقنع حكام اسرائيل بقبول المبادرة العربية للسلام،حتى بعد تعديلها واعتراضاتها عليها .
وفي القريب المنظور عندما يتولى قادة المستوطنين واليمين والتطرف السلطة في اسرائيل،والذين رؤيتهم تقوم على الطرد والترحيل والتطهير العرقي،وهي ما عبر عنها صراحة عضو “الليكود موشيه فيغلين”،ويعبر عنها زعيم “الليكود” الحالي”بنيامين نتينياهو” فهو صاحب نظرية الأمن مقابل السلام،ورؤيته للسلام تقوم على أساس سلام اقتصادي،مع سيطرة أمنية اسرائيلية على كامل فلسطين التاريخية،أي تشريع الاحتلال والضم والطرد والتطهير العرقي.
وازاء ذلك ماذا يمكن للعرب والفلسطينيين من قوى الاعتدال أن يفعلوا،وهم الذين لا يملكون من مقومات القوة والرد أي شيء،فهم تخلوا وأسقطوا خيار النضال والمقاومة،بل لعبوا دوراً بارزاً في التآمر على أصحابه والقائلين به،ورهنوا ارادتهم وقراراتهم السياسية الى قوى خارجية،هي التي تقرر وتحكم حتى في شأنهم الداخلي،وعسكرياً فهذا الخيار تم خصيه من مرحلة”كامب ديفيد”.
باختصار ما ستكون عليه الصورة هو المزيد من التراجع والتنازلات والتسليم بالشروط الأمريكية- الاسرائيلية لما يسمى بالسلام،واستمرار في مفاوضات عبثية ومارثونية،تحفظ للبعض مصالحه ومواقعه .
أما فيما يتعلق بالقرار الأوروبي الخاص برفع التعاون مع اسرائيل ،من خلال الحق لها في الاطلالة والمشاركة في قرارات الاتحاد الأوروبي ،وحتى تعديلها والاعتراض عليها،فنحمد الله أن ظهرت أوروبا عارية على حقيقتها،والتي طالما البعض عربياً وفلسطينياً تغنى بمواقفها واستقلاليتها ودعمها للحقوق العربية والفلسطينية المشروعة،وهم يعرفون حقيقة الغرب الأوروبي الاستعماري وحقيقة مواقفه،ولكنهم
يريدون أن يقنعوا أنفسهم ويقنعونا على غرار المثل الشعبي”عنزة ولو طارت” بعدم تماهي الموقف الأوروبي الغربي مع الموقف الأمريكي في القضايا العربية،وذلك من خلال ما يحولون أن يظهروا عليه من انسانية من خلال تقديم حفنة من المساعدات الانسانية الدوائية والغذائية،ناهيك عن الدعم للعديد من المؤسسات غير الحكومية بمال موجه وذو أهداف مشبوهة سياسياً واٌقتصادياً،
وأوروبا هذه لمن لا يعرفها من العرب العاربة والمستعربة ومن المسلمين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم،هم أصحاب اتفاقيات”سايكس بيكو” و”سان ريمو” لتقسيم الوطن العربي وتشظيته وتجزئته،فهم الذين قسموا بلاد الشام،وسلخوا اقليم الاسكندرونة عن سوريا،والكويت عن العراق واليمن جعلوه يمنين،وهم الذين قتلوا أكثر من مليون جزائري.
أما مآثر أوروبا الحديثة فهم أول المشاركين في ضرب العراق ودعم احتلاله،وهم الذين وجهوا أصابع الاتهام الى سوريا في قضية رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري،وهم الذين رفضوا الاعتراف بشرعية الانتخابات التشريعية الفلسطينية ويشاركون في فرض الحصار على غزة،وهم الذين أرسلوا لنا المجرم”توني بلير” رئيس الوزراء البريطاني السابق،لكي يكون مندوب سلام،وهم يعرفون حقيقته وحقيقة مواقفه،ناهيك عن المشاركة في احتلال افغانستان والمشاركة في فرض العقوبات على ايران و”مأثر” أوروبا الغربية بحقنا كعرب ومسلمين بحاجة الى مجلدات حتى توافيها حقها.
وبعد كل هذه التوضيحات يستغرب البعض فلسطينياً وعربياً حقيقة المواقف الأوروبية،ويقول أنها تشكل دعماً للمواقف الاسرائيلية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني،وكأن أوروبا محايدة في الصراع وليست جزء منه، فالعرب والفلسطينيين الذين تعشعش في رؤوسهم الأوهام،بأن أوروبا معنية بقيام دولة فلسطينية عليهم أن يدركوا أن من قسم فلسطين وشارك في تهجير سكانها لن يكون معنياً بقيام دولة فلسطينية،وهنا يحضرني قرار القاضية الاسرائيلية “ملكا” في قضية المستوطن الذي أطلق النار على أحد السكان الفلسطينيين في الخليل من نقطة الصفر بقصد القتل العمد،عندما أمرت بإطلاق سراحه،لأن الفلسطيني عندما أطلق عليه الرصاص نهض ورمي حجراً على قاتله بدل أن يلقي عليه وردة،فالعرب والسلطة الفلسطينية يستغربون الموقف الأوروبي هذا،والذي يشكل مكافأة لها على جرائمها وحصارها للشعب الفلسطيني،بدلاً من الضغط عليها لفك الحصار والإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وأنا أقول لماذا هذا الاستغراب ونحن ندرك ونعي جيداً أن من قسم وأحتل الوطن العربي وشرد شعب فلسطين وزرع اسرائيل في قلب المنطقة ،غير معني بإقامة دولة فلسطينية.؟
وفي ضوء ذلك مع قدوم حزب “الليكود” للسلطة في اسرائيل وقرار الاتحاد الأوروبي برفع سقف التعاون مع اسرائيل،علينا كعرب وفلسطينيين أن نغادر أوهام المفاوضات العبثية الى البحث عن خيارات أخرى أثبتت قدرتها وصحتها في الميدان،خيارات اختبرتها المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية،وأثبتت أنها هي التي بمقدورها فرض الشروط في ساحات التفاوض،فالحق يجب أن يدعم بالقوة وبدون ذلك يبقى حبراً على ورق.
راسم عبيدات
القدس – فلسطين
12/11/2008