لابد من شرح للعنوان هذه المرة ،وما أقصده ،لأسهل على القارئ محتوى المقال.
المداد :هو الحبرْ، وأعني به المعلومات،والأقلام الجافة :أعني بها الكُتّاب الذين لاشخصية لهم فيكتبون وفق رغبات أصحاب المداد “المخابرات”.
لقد حاول قلم المخابرات المسكين جمال لعلامي ،الذي يكتبُ عادة على صحيفة الشروق، بكل ما أوتي من مكر ومن خداع، أن يربط كلّ ما يحدث في الجزائر بالقاعدة ،بل وصل الأمر به في أحد المرّات ،في شهر رمضان ،شهر الصيام والقيام ،أن يقول قول الزّور واختار عنوانا مثيرا ،سمّاه “من تورابورا إلى بغداد” ومع ذلك، لم يشفع له ضرب الشيتة والتملّق ومغازلة قادة الغرب لأسياده ،فوجد نفسه يكتب هذه المرة مرغما أوطوعاً على مدير جريدته الذي يشرف عليه “علي فوضيل” ويشرح طريقة استجوابه من طرف المخابرات البريطانية ،كيف تستجوبه و تُذله وتسوقه إلى أحد مكاتبها؟ ويظهره لنا عن طريق خربشاته كأنه شخصية وطنية ،ولربما كان ينتظرهذا المسكين أن ينزلوه على البساط الأحمر، ويخصصّون له طائرة تنقله جزاءً وفاقاً، كما فعل النظام بنقل المغنيين والمغنيات الذين خدموه وأحيوا السهرات بالمليارات، الشعب بحاجة إليها ،وفي وقت كان الناس يلهثون عطشاً،لكن علي فوضيل وجد نفسه ماشيا على الأرض راكبا قطاراً مثل مايركبه جنرالات ووزراء الغرب، فلا فرق بينهم وبين عامة الشعب في المال العام إلا بالعمل الصالح.
لقد حاول علي فوضيل بعد اعتقاله استثارة الرأي العام للتعاطف مع قضيته ، لبيع نسخ أخرى لجريدته ، أو تناول خبر اعتقاله كأولوية من الأولويات أو مسألة تطرح على الرأي العام كما طُرحت قضية الدبلماسي المتهم بقتل المحامي في فرنسا ،مثلا ،لكن الأمر ليس كما كان يتمناه ،وهنا علينا الإشارة كذكرى للذّاكرين أن فرنسا يوم اعتقال ابنيها كريستيان شينوا وجون مالبرينو استثارات حينها العالم العربي والإسلامي ،وهذا لما يتمتع مواطنوها من قيمة إنسانية ووجد المشرفون على مسجد باريس أنفسهم في بغداد رغم حرّ الحرب .
لم يفلح سي علي ، ونسي مصير نزّار كيف هرب في جنح من الّليل ومن بعده العربي بلخير الذي أخرجوه وهو مطوي على الطاولة في مستشفى فال دوقراس ،خوفا من أن يُطلب للتحقيق حول اغتيال المحامي مسيلي. نزار والعربي بلخير المُنقلبين على إرادة الشعب يوماً، والعاملين في الجيش الفرنسي كصفّ ضُبّاط ، الأول ،كان وزيرا للدّفاع ،والثاني، كان وزيرا للداخلية أيام الإنقلاب على الشاذلي بن جديد وعلى الإرادة الشعبية.
كان على هؤلاء المرتزقة والأقلام المأجورة أن يعرفوا قدرهم وأن يعوا مثل هذه الدروس قبل فوات الأوان ،فإن كان هذا مصيرهم في الدنيا ،فكيف سيكون مصيرهم في الآخرة أمام الذين قُتلوا، وعٌذّبوا ،واختُطفوا، واغتُصبوا، ويُتّموا ،وشُرّدوا…وكيف يكون جوابهم أمام كتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلاّ أحصاها ،وأمام رب الأرباب ؟.
إن الغرب بمختلف أطيافه يعمل بعقيدة الثالوث ،فالثلاثة واحدٌ عندهم ْ،والواحدُ عندهم ثلاثة،والجزائريون والمسلمون عموما ينتمون إلى عقيدة التوحيد حتى وإن اختلفوا فيما بينهم ،فالواحد عندهم هو الواحد والكل واحد ،وأعني هنا بأن الغرب له حرية التنوع لكن في الأخير هذه الحرية تصب في مصب واحد بينما الجزائريون الذين نعنيهم في هذا المقال ، مطعمون بالرأي الواحد والنتيجة الحتمية الواحدة ،ولكل وجهة بين الطرفين هو موليها.
لا فرق عند الغرب بين مُلتح وصاحب ربطة عنق،ولابين صحفي ومدير ،أو شعبي أو وزير وجنرال،فتكفي الصلاة أو الصوم ،بل الإنتماء إلى البلد والتحدث باللغة العربية أن تجعل أي متحدث معك،يضعك موضع رقابة وشك ،ولاتهمُّه حركاتك وشطحاتك ،فالمهم هو ماتقدمه لهم من مصلحة ومن معلومات يستعملونها ضدك حينما يأتي وقتها ،وعندما تنتهي مهمتك فستُغير كما تُغير قطع الغيار ،وتدخل الأرشيف بالتسلسل المُرَقّم.
على الكاتب أن يكتب بمداده، وبأفكاره ،لا أن يكون صاحب قلم جاف، يُحملُ فيُكتبَ به ويحمّلَ المسئولية من بعدها،
كما وقع لعلي فوضيل ومن سيأتي من بعده من الذين خدموا النظام ولم يخدموا الشعب،بل تواطئوا على إرادة الشعب وأطالوا الأزمة فلولا تحريفهم للحقائق والتدليس على الناس ،لسقطت العصابة التي تتحكم في رقاب الأمة ذاك العام ولخمدت نيران الفتنة التي أصبحوا يرتزقون بها.
في النهاية يجب أن يعلم كل كاتب وصحفي ،أن دوام الحال من المحال، فلابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر، فياسعادة من عرف قدره ،وكان مُحقا فيما يكتب وفيما يقول، فلاتنفعه الألقاب ولاالفضائيات،ولاالنظام، ولاالمعلومات التي تحصل عليها ،ولاالسبق الإخباري،ولا المحسوبية ،ولاالجاه والسلطان ،ولاالشعب كلّه لو شهد ببراءته.
يوم يوضع في القبر ويُحملَ على الأكتاف،فسيدخل لوحده في قبر مُظلم إن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فلايلومن إلا نفسه.
كما وقع لعلي فوضيل ومن سيأتي من بعده من الذين خدموا النظام ولم يخدموا الشعب،بل تواطئوا على إرادة الشعب وأطالوا الأزمة فلولا تحريفهم للحقائق والتدليس على الناس ،لسقطت العصابة التي تتحكم في رقاب الأمة ذاك العام ولخمدت نيران الفتنة التي أصبحوا يرتزقون بها.
في النهاية يجب أن يعلم كل كاتب وصحفي ،أن دوام الحال من المحال، فلابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر، فياسعادة من عرف قدره ،وكان مُحقا فيما يكتب وفيما يقول، فلاتنفعه الألقاب ولاالفضائيات،ولاالنظام، ولاالمعلومات التي تحصل عليها ،ولاالسبق الإخباري،ولا المحسوبية ،ولاالجاه والسلطان ،ولاالشعب كلّه لو شهد ببراءته.
يوم يوضع في القبر ويُحملَ على الأكتاف،فسيدخل لوحده في قبر مُظلم إن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فلايلومن إلا نفسه.