الجبهة الشعبية
بين غياب المؤسس واعتقال الأمين العام..؟؟
……….مما لا شك فيه أن الذكرى الحادية والأربعين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،تأتي هذا العام والموت غيب عدد من قياداتها المركزية،والتي كان لها بصماتها ودورها وتاريخها وصوغ رؤيتها وبرامجها وتوجهاتها الفكرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية،ويقف على رأس هذه الكوكبة المغيبة بفعل الموت الرفيق القائد والمؤسس”الحكيم”،والذي لم يكن قائداً ورمزاً جبهاوياً فقط،بل كان قائداً ورمزاً فلسطينياً وعربياً وأممياً بامتياز،وكان بمثابة البوصلة التي يسير بهديها كل المناضلين والثوريين،وكذلك الرفيق احمد المسلماني “حكيم القدس”،هذا الرفيق الذي قائداً جماهيراً بجدارة واستحقاق ،والذي أحب القدس وعشقها كما أحبته وعشقته وودعته الوداع الذي يليق به وبحبه لها يوم رحيله،أما الرفيق القائد خالد باكير”أبو جوهر”،فهو ذلك القائد الصامت ،والذي يعتبر من مؤسسي وقادة مدرسة الصمود في سجون الاحتلال،ومن الذين أرسوا دعائم العمل التنظيمي في الوطن،في حين كانت القائدة النسوية مها نصار”أم وديع”،تلك القائدة النسوية التي برز وسطع نجمها كقائدة ومناضلة ومدافعة عن حقوق المرأة الفلسطينية على مستوى الوطن،ونضالاتها والتصاقها وقربها من الجماهير مكنها من أن تكون على رأس اطار الجبهة النسوي – اتحاد لجان المرأة الفلسطينية- .
هذه خسارات نوعية وجوهرية للجبهة الشعبية وفي زمن قياسي،وهذه الخسارات يقابلها خسارات أخرى،لا تقل عنها أهمية في القيادة والدور والفعل وضرورة الوجود،والتي تغيب بفعل الأسر والاعتقال،والتي يقف على رأسها الأمين العام القائد المناضل احمد سعدات،والذي متوقع أن تنتهي مهزلة محاكمته في النصف الثاني من هذا الشهر،هذا القائد الذي جبل في النضال والثورة،أرسى قواعد جديدة في التعامل مع الاحتلال ومحاكمه،حيث رفض الاعتراف بشرعية وقانونية هذه المحاكم،ورفض التعاطي معها في كل المستويات القانونية والشرعية والعملية والاجرائية،وقال إن هذه المحاكم المتفرعة عن الجهاز القضائي الاسرائيلي،وظيفتها اضفاء الشرعية على جرائم الاحتلال وممارساته بحق شعبنا الفلسطيني،ورب من يقول أن الرفيق القائد لم يغب،بل انتقل الى ساحة نضالية أخرى ساحة السجون والمعتقلات التي يعرفها وتعرفه جيداً،وهذا قد يكون صحيحاً ولكن فضاء السجون محصور،ويحد من طاقات وابداعات ومساهمات مثل هذا القائد،والذي لا نجافي الحقيقة أن غيابه يلقي بظلاله على الجبهة الشعبية،فرغم وجود المؤسسة والهيئات،الا أن “أبو غسان”وجوده يشكل رمزاً وعنواناً ،ويري فيه الكثير من الرفاق قوة المثل وصدق الانتماء ،فهو تربى وخاض وقاد الكثير من المهام والمعارك النضالية معهم جنباً الى جنب،وهم يدركون ويعرفون تماماً،أن أبواب بيته ومكتبه المتواضعين جداً،لم توصد أمام أحد منهم ليل نهار،بموعد أو دون موعد،وكان يولي اهتمامه للصغير منهم قبل الكبير،فهو رفيق من طراز خاص بسجاياه وقربه ودفء علاقته بالرفاق وصلابة وقوة انتمائه.
نعم هذه خسارات ثقيلة وكبيرة،أجزم أنها لو أصابت بنية وجسم تنظيم آخر،ربما تفتت واندثر،ولكن رغم كل ذلك تستمر الجبهة الشعبية،مسترشدة بالقول”بأن الضربة التي لا تميتنا تزيدنا قوة،والجبهة في تاريخها ونضالاتها تعرضت لأكثر من ضربة وهزة،ولعل الجميع يذكر عام 1985،عندما شنت قوات الاحتلال حملة شعواء على الجبهة الشعبية من رفح جنوباً وحتى جنين شمالاً بهدف انهاء وجودها،ولم يمضي على تلك الحملة أكثر من عامين حتى عادت أكثر قوة وعنفوان،لتشارك بفاعلية في قيادة الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987،ومع تنامي وتصاعد دورها وفعلها الكفاحي والنضالي وحضورها الشعبي والجماهيري،عاد العدو ليشن حملة شاملة عليها في عام 1991، حملة خسرت فيها الجبهة الشعبية قائداً صلباً هو الرفيق مصطفى العكاوي الذي استشهد في زنازين تحقيق سجن الخليل في 4/2/1992 ،وفي الوقت الذي كان الاحتلال الاسرائيلي،متيقن من أن هذه الضربة أضعغت الجبهة كثيراً وقوضت جسمها وبنيتها التنظيمية،وهي ربما تصبح أكثر مطواعية وأقل تشبثاً بمواقفها ومبادئها،ولكن تأتي التطورات اللاحقة لكي تثبت فشل رهانات العدو وخطأ حساباته وتوقعاته،فقد استطاعت الجبهة الشعبية أن تستجمع قواها وتلملم جراحها وتعقد مؤترها السادس في تموز /2000 ،والذي لعب القائد الشهيد الأمين العام السابق أبو علي مصطفى دوراً بارزاً ومركزياً في عقده،وفيه انتخب أميناً عاماً للجبهة الشعبية،ولم يمضي على تسلمه مهام القيادة عام واحد ،والذي بدت فيه الجبهة الشعبية مصممة على ا
ستعادة دورها وحضورها وثقة الجماهير بها،وبدأت الجبهة حالة من النهوض والتطور في أوضاعها وتحديداً التنظيمية منها،وفي هذه الفترة تندلع الانتفاضة الثانية – انتفاضة الأقصى- وتشارك فيها الجبهة الشعبية بزخم وقوة وفاعلية،ويعلن الأمين العام القائد الشهيد أبو علي مصطفى،ان خيار الجبهة هو خيار الشعب خيار النضال والمقاومة لا المساومة،وتستشعر حكومة الاحتلال خطورة وجود مثل هذا القائد وتقدم على تصفيته في 27/8/2001،وليرث الراية من بعده،من يستحق حمل الراية والقيادة،ومن هو مشهود له بصلابته وبعمق انتماءه وصدقيته واخلاصه،القائد احمد سعدات،والذي عاهد الشهيد أبو علي على الثأر لدماءه ودماء شهداء الجبهة والثورة وفلسطين،ويفي بالوعد وتنفذ الجبهة الشعبية واحدة من العمليات النوعية والمميزة في سفر وتاريخ النضال الوطني الفلسطيني،ألا وهي تصفية الوزير اليميني المتطرف”رحبئام زئيفي”،ومن بعدها يعتقل سعدات ورفاقه في سجون السلطة،وليجري اختطافهم لاحقاً من سجن أريحا بتواطؤ أمريكي- بريطاني وموقف سلطوي فلسطيني غير مفهوم ومبرر.
ورغم كل هذه الغيابات بفعل الموت والاعتقال،تستمر الجبهة الشعبية في القيام بدورها وواجبها تجاه شعبها،وتلعب دوراً بارزاً وتبذل جهداً من أجل انهاء حالة الانقسام الفلسطيني الجغرافي والسياسي،وهي تدرك ثقل وصعوبة هذه المهمة،في تشبث كل من طرفي الصراع(فتح وحماس) بمواقفهما وتغليبهما للمصالح الفئوية على مصلحة الوطن،ومن هنا سعت الى أن يكون حجم الجهد والفعل والضغط أكثر قوة وفاعلية،من خلال السعي الى توحيد جهود كل القوى الديمقراطية،بأن تشق وتخط هذه القوى لها طريقاً ومنهجاً خاصاً في المجتمع والسياسة،وبما يعيد التوازن اليهما،ومن هنا جاء تشكيل جبهة اليسار الفلسطيني،والتي كنا وما زلنا نأمل رغم كل العثرات وتشنج هذا الطرف أو ذاك أو حساباته المصلحية والفئوية الضيقة،أن تخطو خطوات جدية نحو تعزيز وحدتها وحضورها،وبما يوحد تعبيراتها السياسية والتنظيمية،ويعيد التفاف وثقة الجماهير بها وبمواقفها وبرامجها ورؤيتها،وخصوصاً أنها لها من الأرث والتاريخ والفعل النضالي والكفاحي والتضحيات الشيء الكثير.
واليوم وفي الذكرى الحادية والأربعين للجبهة الشعبية،ورغم كل السجل الحافل بالعطاء والتضحيات،فالجبهة بحاجة الى وقفة وخلوة جادة مع ذاتها،وقفة نقد جريء ومراجعة شاملتين،تطال كل مناحي وجوانب عملها في الفكر والسياسة والتنظيم والهياكل والبنى والهيئات والشخوص،وقفة تدفع بها نحو التنظيم القائد والشريك وبما يليق بنضالاتها وتضحياتها،وقفة تبعدها عن التذيل هنا أو هناك لهذا الطرف أو ذاك،وقفة تؤمن لها العمل على أن تكون بديلاً ثورياً،وقفة تؤمن لها الاستقلالية المالية وبما لا يجعلها عرضة للإبتزاز والمزايدات.
راسم عبيدات
القدس – فلسطين
10/12/2008