د/ نصار عبدالله – الكثيرون من المصريين لم يصدقوا الرواية الرسمية التى أعلنتها وزارة الداخلية عن كيفية اكتشاف الجانى فى حادثة مقتل: هبة ونادين فى حى الندى بالشيخ زايد ، .. رغم أن الرواية الرسمية ـ فى هذه المرة على الأقل ـ كانت قوية ومنطقة ومتماسكة، ومعززة بالعديد من الشواهد والبراهين التى ترجح ( إلى حد يقرب من اليقين) أن المتهم هو مرتكب الجريمة بالفعل !!! ومع هذا، ورغم كل الشواهد والأدلة والبراهين المنشورة والمذاعة بالصوت والصورة فقد ظل الكثيرون من المصريين لا يصدقون أن القاتل هو مجرد حداد معوز تسلل إلى شقة القتيلتين بقصد السرقة، ثم تورط بعد ذلك إلى حد القتل!! … مازال الكثيرون من المصريين متمسكين بتكذيبهم لما تقوله وزارة الداخلية !! (وهو ما يتضح من تعليقاتهم المنشورة فى الطبعات الإليكترونية لبعض الصحف اليومية )… لماذا لم يصدق المصريون الرواية الرسمية رغم وجاهتها ومنطقيتها؟ ولماذا ما زال بعضهم يتمسكون بسيناريوهات بديلة لا تستند إلى أى سند مقنع من الحقيقة والواقع ؟؟…. الجواب على هذا التساؤل…هو أن المصريين لا يصدقون الحكومة لأنهم أولا لم يتعودوا منها غير الكذب ، ولهذا السبب فإن من الطبيعى جدا أن يكذبوها كلما تكلمت حتى لو تصادف فى إحدى المرات أنها تقول الحقيقة !!! وثانيا لأن المصريين فى السنوات الأخيرة قد أصابهم قدر كبير من الملل : الملل من نفس الوجوه ومن نفس الأحوال التى لا تتغير إلا إلى الأسوأ ، وفى ظال حالة الملل تلك فإن المصريين يحتاجون إلى قدر من الإثارة التى خيل إليهم أنهم قد عثروا عليها بالفعل عندما أعلن عن مقتل فتاتين فى شقة فاخرة بمدينة راقية ، وعندما روجت بعض وسائل الإعلام لأن الفتاتين ربما كانت لهما علاقاتهما العاطفية بعلية القوم وأن الجريمة ربما كان وراءها ـ كما فى حالة قاتل المطربة اللبنانية ـ دافع الإنتقام … أغلب الظن أن الكثيرين من المصريين كانوا يمنون أنفسهم بفصول قادمة ومكثفة من الإثارة التى تفوق الأفلام الهندية والتركية والمكسيكية ،!!… أغلب الظن أنهم كانوا يشتهون أن يكون القاتل واحدا من مجموعة بعينها من قيادات الحزب الحاكم أو مأجورا من أحد تلك القيادات لكى يقوم بنحر الفتاتين وبهذا تكتمل عناصر الإثارة التقليدية: الجنس والفن والسياسة ، وبهذا أيضا ( وهذا سبب ثالث يضاف إلى السببين السابقين ) ..بهذا تكتمل عناصر الشماتة فى تلك القيادات التى لم يعد يحبها أحد ولم يعد يحترمها أحد ، لكنها رغم كل ما تحظى به من مشاعر الكراهية ما زالت باقية فى أماكنها جاثمة على صدور الناس الذين لم يعودوا يملكون سوى أن يتشفوا فيها كلما وقعت كارثة أو فاجعة أو فضيحة، وكانت لها صلة بها أو ضلع فيها . .. أغلب الظن أن الكثيرين كانوا يحلمون بأن تتحول دراما حى الندى إلى دراما أخرى تتفوق على دراما ذبيحة دبى ، لكن مشاعرهم وأحلامهم قد أحبطت عندما تبين لهم أن القاتل محض شاب لا يختلف كثيرا عن ملايين المصريين الذين هم فى سن العمل لكنهم لا يجدون فرصة للعيش حتى لو كان الواحد منهم صاحب حرفة ، شعر المصريون بالإحباط عندما تبين لهم أن القاتل ينتمى إليهم هم أنفسهم بأكثر مما ينتمى إلى قيادات الحزب الوطنى ، وأنه ينتمى إلى معاناتهم وآلامهم بأكثر مما ينتمى إلى فسادات الفاسدين من تلك القيادات ( وما أكثرها )… أحبطت أحلامهم عندما ذكرتهم الحقيقة المفزعة بما يحاولون أن يتناسوه ، وهو أنهم كتلة هائلة من البؤس والفقر الذى قد يدفع بالبعض منهم إلى الجريمة، وأنهم فى الوقت ذاته كتلة هائلة من العجز التى لم تعد تملك سوى أن تتشفى فى القيادات المفروضة عليها فرضا ، لهذا السبب فقد كان من الصعب عليهم أن يصدقوا … وهذه هى على أية حال ، هذه هى الطبيعة البشرية التى تدفع بالإنسان فى كل مكان وزمان أن يصدق بسهولة ما يتسق مع أمنياته وأحلامه ، وأن يكذب ما يتصادم معها ، هذه هى حال الطبيعة البشرية التى تدفع المرء أن يصدق بسهولة ما له ، وأن لا يصدق بنفس القدر من السهولة ما عليه