جهاد نصره
لم يسبق أن تحدث فقيهٌ معاصر واحد عن مرجعية الحج التاريخية ولا عن الكثير من الطقوس والعادات التي كانت رائجة في أوساط القبائل المستقرة والعشائر المتنقلة في أنحاء الجزيرة العربية، تلك الطقوس التي استمر أغلبها كما كانت عليه بعد بدء دعوة ـ محمد ـ ص إلى الدين الجديد مع قليل من التعديلات التي أجراها على بعضها كي تتوافق مع مضامين دعوته التوحيدية الجديدة..!؟
لقد أبقى ـ محمد ـ ص على موضوعة الحج بكلِّ تفاصيله ومن المعروف تاريخياً أن عرب ما قبل الإسلام بمن فيهم المتهودين والمتنصرين كانوا يحجون إلى / 21 / كعبة منتشرة في أنحاء الجزيرة العربية غير أن كعبة مكة حظيت بمكانة طاغية نظراً لموقعها الجغرافي من جهة ولمكانة الأصنام الموجودة فيها من جهة أخرى إضافةً إلى ارتباط موسم الحج الموسمي مع الأنشطة التجارية والثقافية حيث كانت تقام أسواق للبيع والشراء وللتعارف وإلقاء الشعر وقد عرف منها سوق ـ مَجَنّة ـ وسوق ـ عكاظ ـ وـ سوق ذى المجاز ـ وقد أبقى ـ محمد ـ ص على هذه الكعبة وحدها نظراً لمكانتها التاريخية منهياً بذلك ظاهرة تعدد الآلهة التي استوجبت وجود أكثر من كعبة..!؟
يقوم هذه الأيام ملايين المسلمين بالطواف بين الصفا ومروة وهم يفعلون ذلك خلال حجهم كل عام تماماً كما كان يفعل عرب ما قبل الإسلام من دون زيادة ولا نقصان إلا فيما خص مسألة التوجه الجماعي نحو إله واحد بعد انتصار الديانة التوحيدية الجديدة..! ومسألة خلق الآلهة منذ بدأت ووصولاً إلى الديانات التوحيدية تعكس إشكالية استسلام العقل الإنساني الباحث عن أجوبة لم تقدمها الحياة بعد ولا تقتصر على شعب أو عرق أو دين..!؟ ونعود إلى أصل حكاية الطواف:
لقد بدأت الحكاية بغرام فتى يدعى ـ إساف ـ بفتاة تدعى ـ نائلة ـ ثم اشتد لهيب العشق بينهما وهما في الكعبة فمارسا الزنا فيها فعاقبهما الإله بمسخهما صنمين ووضع الصنم ـ إساف ـ على جبل الصفا والصنم ـ نائلة ـ على جبل المروة وذلك كي يصبحا عبرة للناس الذين يحجون إلى الكعبة غير أن الزمن كان كفيلاً بأن يجري تحوير وتطوير لحكاية العشق هذه فتحول الصنمان إلى إلهين يعبدهما الحجاج الذين يسعون ويطوفون ويتمسحون بهما وقد حافظ ـ محمد ـ على هذه الشعيرة كما حافظ على باقي المناسك بعد تبديل بعض العبارات غير التوحيدية كالتلبية واستمر المسلمون يطوفون بين الجبلين إلى اليوم كما كان يطوف أسلافهم قبل الإسلام.!؟
لقد كان عرب ما قبل الإسلام يقدِّسون الكعبة ويؤدون شعيرة العمرة ويقدِّسون شهر رمضان وعندهم الأشهر الحرم ويحرمون الربا ولحم الخنزير والزنا والسرقة وقد أبقى ـ محمد ـ ص كل ذلك وكثير غيره في مضامين دعوته وهاهم المسلمون يسعون اليوم بين الصفا ومروة فهل يدري أحدٌ منهم أصل هذا السعي وفصله…!؟