القرصنة الميلشياوية والقرصنة الدولية وما بينهما
بقلم : زياد ابوشاويش
مرة أخرى وعاشرة يعود عنوان القرصنة لواجهة الأحداث بعد أن أفرج القراصنة عن سفينة الشحن اليمنية دون أن يدفع مالكوا السفينة الفدية المنطلوبة في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بدء النشاط الكبير لقراصنة الصومال وخليج عدن قبل حوالي عامين.
وربما يلعب حدث القرصنة في حد ذاته وفي ظل الحديث المتكرر عن القانون والنظام والشرعية الدولية وامتلاك الدول أساطيل بحرية ضخمة من سفن وحاملات طائرات وغيرها من وسائل تقنية متطورة للغاية لمنع هكذا عمليات، قلنا ربما يلعب الحدث في ظل هذه المعطيات دوراً كبيراً في إثارة إهتمام وسائل الاعلام المختلفة بما في ذلك الانترنت، كما أن فيه نوع من المغامرة المحببة للبعض، لكن الشيء المهم هنا هو أي نوع من القرصنة هو الأكثر خطورة وأكثر تأثيراً في علاقات الدول والسلوك الرسمي للبلدان تجاه بعضها البعض والأخطر على صيرورة السلام والهدوء الذي يبحث عنه الجميع تحت راية الحق والعدل؟. إن التفحص الدقيق للأمر يلغي كل الآمال المعلقة على تضافر خير لجهود الدول في الدرجة الأولى والمنظمات المحلية والدولية في الدرجة الثانية من أجل وقف كل أشكال القرصنة، ولا يوتوبيا أو حتى بعضها ممكنة التشكل على سطح الأرض مهما حاول مسوقوا نهاية التاريخ ترويجه حول عدالة نظامهم الليبرالي القادر على فعل ذلك، بل إن العكس هو الذي يحدث اليوم، ولا شك أن القرصنة هي أحد وجوه الأزمة العالمية التي يمر بها الاقتصاد في مختلف الدول الرأسمالية الكبرى وانعكاساتها على واقع الصراع السياسي في كل مكان.
إن تحرير السفينة اليمنية من أيدي القراصنة عن طريق تدخل قبلي موصوف يعني أن هناك مرجعية ما لهؤلاء وليسوا مفلوتين على هواهم كما كان يعتقد البعض، وهذا يدخلنا مباشرة في القرصنة الدولية ومرجعياتها ناهيك عن مفاهيم تتعلق بمستقبل البشرية في ظل البحث الامبراطوري لبعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت حتى الأمس القريب جداً القطب الوحيد المتحكم في مسار التاريخ السياسي لعالم ما بعد الحرب الباردة.
وفي إطار البحث عن المفاهيم لتظهير قيم الحق والعدل فإن غزو العراق واحتلاله قبل خمسة أعوام وتسعة أشهر كان عملاً قرصنياً من الدرجة الأولى، وليست تصريحات كولن باول حول الموضوع وشعوره بالخزي نتيجة الكذب والخداع الذي مارسته ادارة المحافظين الجدد لاحتلال بلد عربي غني بالنفط وذا مكانة مميزة ومحورية في توازن القوة والردع مع اسرائيل إلا رأس جبل الحقيقة الكامنة في النزعة القرصنية ذات الصبغة الامبراطورية لمجموعة من المشعوذين في ادارة رجل كبوش يعتقد أن الوحي يأتيه لإصلاح العالم بالقوة. إن ما يعزز هذا التوصيف تصريح بوش الإبن نفسه قبل أيام بأنه متأسف ونادم لغزو العراق كونه اعتمد في تسويغ ذلك على معلومات كاذبة من المخابرات المركزية الامريكية. إذن ما دام الأمر اتضح لهذه الادارة منذ عدة أعوام وليس الآن فبماذا نسمي استمرار احتلال العراق؟ وكيف لنا أن نلوم القراصنة الميليشياويين على ما يقومون به وهناك دولة عظمى صاحبة حق النقض ومفترض أنها تحترم القانون والشرعية الدولية تقوم بما قامت به أمريكا ومعها كل من ساندها سواء بالقتال المباشر معها أو بتسهيل مرور القوات في أراضيه ومنح القواعد له أو تزويد طائراته القاذفة بالوقود لفعل ما فعلته بمدن العراق ومعالمه الحضرية والحضارية؟.
وإذا كان النموذج الأمريكي شديد الوضوح على ما سميناه القرصنة الدولية فإن هناك نماذج أخرى تتغطى ليس بالأكاذيب فقط بل وبادعاء الحق التاريخي أو الإلاهي للاستيلاء على حقوق الآخرين وممتلكاتهم وأوطانهم كما فعلت وتفعل اسرائيل اليوم ومنذ ستين عاماً وهي ليست صدفة أن يكون أصحاب النموذج الأول هم الحليف الأوثق والحامي لأصحاب النموذج الثاني.
أما الصنف أو النوع الثالث من أنواع القرصنة الدولية فهو يتمثل في دولة كأرتيريا وذريعتها حماية مياهها الإقليمية عبر الاستيلاء على سفن الصيد اليمنية وقوارب الصيادين اليمنيين تحت حجة أنهم يصطادون في مياهها الإقليمية في الوقت الذي يؤكد هؤلاء جميعاً أنهم لم يفعلوا هذا، وبمراجعة سريعة لما قامت به أرتيريا خلال الأعو
ام الثلاثة الماضية سنجد أن عشرات سفن الصيد والقوارب تم حجزها في أرتيريا وقدمت مكافئات من الحكومة الأريتيرية لمن قام بعمليات القرصنة ضدها وسوقها للمياه الإقليمية لهذه الدولة المتعاونة الى أقصى الحدود مع اسرائيل في مجالات عديدة ويكفي أن نعلم أن 103 سفن وقوارب صيد استولت عليها ارتيريا في عام 2006 و50 أخرى عام 2007 وأكثر منها هذا العام لندرك حجم الجريمة القرصنية التي تقوم بها أرتيريا في نموذجها الفريد.
إن المعلومات التي تتسرب هنا وهناك عن تقديم اسرائيل مساعدات من نوع ما للقراصنة له ظل في الواقع وقد تحدثنا في السابق عن محاولات الاستيلاء على البحر الأحمر وتقطيع أوصال الوطن العربي عبر خنق اليمن وبسط الهيمنة العسكرية على مياه البحر الأحمر وترك الحبل على الغارب للقرصنة في خليج عدن.
إن عمليات القرصنة بكل أصنافها تعطي الذريعة والمثل السيء على عالم لا قوانين تحكمه ولا احترام لمؤسساته الدولية وعليه فإن دولاً تطل على الخليج العربي كإيران على سبيل المثال يمكنها أن تستغل الأمر لتعزيز نفوذها في المنطقة تحت نفس غطاء الاستيلاء على البحر الأحمر وليس نموذج أريتيريا نادر الوجود في هذا الزمان الرديء لأمة العرب…… وماذا بعد؟
هل تترك الأمور كما هي ونحن نرى حجم الخطر المحدق بالجميع؟ وهل نداءاتنا السابقة لم تجد من يتفهمها أم ماذا؟ وهل يجب أن يصل الحريق لذقن هذا الزعيم أو ذاك الرئيس أو الملك ليبدأ العمل من أجل إطفائه ودفع الخطر عن أمته؟ نعيد النداء مرة أخرى وعاشرة إنتبهوا أيها العرب وإلا…..!
زياد ابوشاويش