غزة ليست محاصرة .. المحاصر هو حركة حماس .. التي اختطفت غزة واخذت الشعب الفلسطيني من سكان القطاع رهائن تساوم على جوعهم وفقرهم ومعاناتهم لتحقيق اهدافها السياسية .. فالمتباكون على الاحوال في غزة عليهم ان يطالبوا حماس بتخليها عن مشروعها الطالباني .. واذا ما تخلت عن احلامها باقامة امارة اسلامية في القطاع ، كمرحلة للتوسع في الضفة الغربية، فسوف يرفع الحصار في اليوم التالي .. فكفى تجارة بمعاناة الناس البسطاء من اهل غزة الذين وجدوا انفسهم رهائن لا حول ولا قوة لهم .. تحت حراب القوة التنفيذية لحركة حماس.
وكفوا عن الاوهام فان مصر لن تسمح مهما كلف الامر بالسماح لحركة الاخوان المسلمين فرع فلسطين ان تقيم امارة اسلامية على حدودها الغربية ، حتى لو تطلب ذلك استخدام قوتها العسكرية والاستعانة بكل الحلفاء وغير الحلفاء.. وتساندها في ذلك غالبية الدول العربية باستثناء نظام البعث في دمشق، وذلك ليس لان دمشق تعشق الاخوان المسلمين فتاريخها معروف .. ولكن لان لها مشروع مشترك مع طهران لاقامة نظام شرق اوسط جديد بالمفهوم الايراني.
فالمصريون لا يحاصروا غزة .. وهم يعاونوا سياسيا واخلاقيا ربما اد من معاناة اهل غزة، لان حماس تمنعهم من تقديم المساعدة .. والمساندة للسكان الا بما يؤدي الى ترسيخ امارتها.. وذلك من خلال اصرارها على اعتبار نفسها السلطة الشرعية التي على الجميع التعامل معها .. مما يجعل فتح معبر رفح حتى وان كان فتحه قرارا مصريا خالصا هو بمثابة الاعتراف بسلطة الامارة الاسلامية التابعة للاخوان المسلمين الذين لا يخفون اطماعهم واهدافهم السياسية بالسيطرة على السلطة في مصر.
ان الكلام العاطفي الذي يردده البعض .. في تصريحات ومقالات وبيانات .. لاتنطلي الاعلى الناس البسطاء .. ولكن ليس كلهم .. فالكثير من ابناء الشعب الفلسطيني بدأوا يدركوا الحقيقة .. وباتوا يعرفوا ان الطلب من أهل غزة العيش بالظلام وبالجوع والبرد ودون توفر فرص العمل او العلاج ليس الا لتحقيق اهداف حماس وبرنامجها لاقامة دولتها الطالبانية المستقلة .. وانكشف الاباطيل والاكاذيب التي تتحدث عن المقاومة والتحرير ، بعد الهدنة المذلة التي عقدتها مع العدو . والاستجداء الذي تبذله حاليا لتمديدها .
المصريون لا يحاصروا قطاع غزة .. بل هم مثل سكانه ضحية الطموح السياسي للاخوان المسلمين، فمصر لا يمكنها التعامل الا مع السلطة الوطنية الفلسطينية وهي السلطة الشرعية المعترف بها على مستوى العالم ، ومتى عاد رجالها الى الحدود، فان الحدود سوف تتفتح بشكل اعتيادي، لكنها وعلى لسان مسؤوليها وعبر الرسائل العلنية وغير العلنية تؤكد انها لا يمكن ان تتعامل مع سلطة غير شرعية .. مع سلطة انقلبت على السلطة الشرعية ودمرت مؤسساتها وقتلت ومثلت برجالها وقادتها.
وبالاضافة الى الخطر الكبير الذي سوف يترتب على نجاح فرع الاخوان المسلمين الفلسطيني (حركة حماس) باقامة قاعدة مسلحة على شكل دولة اسلامية لها علاقات وثيقة بالاخوان فرع مصر او بمعنى أدق لها علاقة بقيادتها بمصر.. فان هناك تهديد اخر لا يقل خطورة عن التهديد الذي تمثله جماعات الاخوان المسلمين، وهو ان حماس ومن منطلق براغماتي نفعي انتهازي اصبحت جزء من حلف سوري ايراني له اطماع سياسية كبيرة في المنطقة كلها .
وبدت هذه المخاوف واضحة في الخطاب الاعلامي المصري مؤخرا، حيث أتهمت قوي واطرافا لم تسمها بالسعي الي تصفية خلافاتها علي المسرح العربي، محذرة من ان الوضع الاقليمي مليئ بالتوتر.
وجاء هذا الموقف ردا على حديث الرئيسين الايراني محمود نجاد والسوري بشار الاسد عن رغبتهما في اقامة شرق اوسط جديد !! .
وفي ذلك اجابة على استغراب كثيرين من الناس البسطاء .. وايضا ردا على اقطاب حركة حماس وزعامات فروع الاخوان ان كان في مصر او الاردن او غيرها من البلدان.
نعم ان المسؤولية الوطنية والقومية والامن القومي المصري يفرض على الحكومة المصرية ان لا تلتفت للدعوات السياسية المغلفة بمعاناة الناس، وهي ستغلق الحدود تماما، وربما تضطر امام صلف قيادة حماس، وتعنتها، ان تدمر الانفاق التي يستخدمها هؤلاء ومحازبيهم من التجار للاثراء غير المشروع على حساب ابسط الاحتياجات المعيشية للسكان – الرهائن – .
وبدون تردد وبدون أي التفات للنعيق والانتقاد والاتهامات المسبقة التي سوف يوجهها الموغلون بالوهم، والمفرطون بالخيالات .. فان المطلوب ليس رفع الحصار عن غزة ( بما يعنيه حصارا لحماس) بل المطلوب تحرير غزة من هيمنة حماس.. وتخليص شعبها من الرهن .. ورفع السيف المسلط على رقاب الناس هناك..
ومصر مدعوة بالا تسمح بدخول المساعدات مهما كان نوعها، حتى لو علبة حليب، الا اذا كانت ستسلم للسلطة الشرعية الفلسطينية أي السلطة الوطنية الي يرأسها الرئيس محمود عباس، وممثلي الحكومة الشرعية التي يرأاسها سلام فياض.
واي تساهل في هذا الامر يمثل نوعا من الدعم لاطالة عمر الامارة التي تحاول فرض نفسها كسلطة أمر واقع .. ومن حق السلطات المصرية مراقبة حدودها معغزة وتحديد من يدخل بلادها او لا يدخل، ومن حقها ان تبني سورا مكهربا من الأسلاك الشائكة بطول الحدود ، لتحمي بلادها من الخطر القادم الذي تخطط له جماعات الاخوان المسلمين بالمنطقة. بالتحالف مع دمشق وطهران.
لقد اعلن السيد وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط بشكل لا يقبل الجدل بان حماس لا ترغب بمصالحة تعيد الشرعية الى قطاع غزة، وكان وكيل الوزارة محمد الفقي اكثر وضوحا بقوله ان مصر لن تسمح باي حال من الاحوال باقامة امارة للاخوان المسلمين على حدودها، حتى المؤسسة الدينية الرسمية في مصر وعلى لسان المفتى العام الشيخ الطنطاوي تتجه لتعرية الموقف الحماسي امام الجماهير المصرية.
ولان حماس هي المحاصرة . ولانه يجب محاصرتها وانهاكها وتحجيمها ، ولان المشكلة هي سياسية بالكامل، فانه لن يفيد اللجوء للمؤسسات الانسانية ومنظمات حقوق الانسان ، فالمشكلة ليست انسانية على الاطلاق .. وليس الامر قصور في امكانيات الحكومات العربية .. فدولة الامارات كثر الله خيرها تبرعت بنصف مليون طن من القمح لسوريا، حليفة حماس لتطعم شعبها خلال الاشهر المقبلة.
ولن يغير من الامر شيئا قيام نشطاء الاخوان المسلمين بتحريك منظمات مثل المنظمة العربية لحقوق الانسان، او اتحاد الجمعيات الاهلية المصرية، او حتى منظمة العفو الدولة .. ومنظمات الاغاثة وغيرها .. فمهما بذل الاخوان المسلمين في غزة من جهود فلن تفلح بتحقيق أي نصر سياسي، ومهما على صراخ قادتهم، أومندوبيهم وممثليهم بوسائل الاعلام ومن صغار الكتبة والكسبة، فلن يسمح مطلقا لمشروعهم السياسي بالنجاح.
كما لن تفيدها بعض البواخر الصغيرة التي لا يمكن لها الوصول الى شواطيء غزة الا باشراف السلطات الاسرائيلية وتحت رقابها .. ولن تفيدها سفينة الرئيس القذافي ، او سفينة الاخوان المسلمين في الاردن الذين ينوون كما اعلن منذ ايام عن ارسالهم سفينة تحمل بعض المساعدات.
وقد سبق وقلنا لحماس من عدة اشهر ان الحل .. موجود برام الله على طاولة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وليس عند الرئيس بشار الاسد .. او عند ايات الله في طهران.. ويمكنك ان تغادروا من رام الله الى القاهرة والى الرياض .. والى كل عواصم العرب .. هذا ما اقره وزراء الخارجية العرب باجتماعهم الاخير .. فكفى تطاولا من الصغار على مصر وحكومتها . وعيب عليكم ان يصل تطاولكم الى الرياض التي شربتم حليب الطفولة من خيرها ، وكان بامكانكم ان تظل الرياض سندا، لولا ارتباطكم المشبوه مع طهران.
ان الشعب الفلسطيني في غزة مطالب بالتحرك.. مطالب بتشكيل لجان اهلية وشعبية تسند لها مسؤولية توزيع المساعادات والاعانات ، واذا تمكنت من خلق هذه المؤسسات، فان بالامكان ايصال كل انواع المساعدات للشعب مباشرة، وباستطاعة الشعب الفلسطيني في غزة ان يطلب من السلطة الفلسطينية الشرعية ان تتحمل مسؤولياتها وان يقف الشعب الى جانب سلطته الشرعية، وعندها لن يتوقف سيل المواد الغذائية والطبية والاستهلاكية وغيرها .. لكن لا يمكن شيئا من هذا ان يتحقق طالما يقدم خدمة لحماس ويساعدها على تثبيت اركان دولتها الاخوانية.
ابراهيم علاء الدين