عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول دخلت العلاقات الأميركية ـ السعودية مرحلة من الاضطرابات والقلاقل بعد أن أُعلن أن أغلب منفذي تلك الهجمات الإرهابية سعوديون، ثم الغزو الأميركي للعراق في مارس/آذار 2003، وما ترتب على هذا الغزو من اضطرابات وقلاقل إقليمية.
فقد أدت الحرب الأميركية في العراق إلى تزايد دور شيعة العراق وبالتبعية تزايد قوة شيعة المملكة الذين بدأوا في تهديد النظام السعودي القائم.
ويضاف إلى أسباب التوتر ارتفاع أسعار النفط بصورة خيالية إلى أن تجاوز سعر برميل النفط منتصف عام 2008 حاجز الـ 140 دولاراً للبرميل في ظل العجز السعودي، حسب الأميركيين، عن وقف هذا الارتفاع المتزايد بطرائق عدة منها ارتفاع إنتاجها وهو ما رفضه الجانب السعودي، وقيادة المملكة هذا الرفض داخل منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”.
ولم يكن هناك أحد قريب من هذا الصعود في العلاقات الأميركية ـ السعودية تارة وهبوطها تارة أخرى من الأمير بندر بن سلطان حفيد مؤسس المملكة السعودية عبد العزيز آل سعود.
ولهذا حاول “ديفيد أوتاواي” في كتابه الجديد الذي حمل عنوان “رسول الملك: الأمير بندر بن سلطان والعلاقات الأميركية المتشابكة مع المملكة العربية السعودية”، اكتشاف العلاقات الأميركية السعودية من خلال الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة في واشنطن لفترة تفوق العشرين عاماً.
وأتاواي صحفي مخضرم، فقد عمل بصحيفة الواشنطن بوست في الفترة من 1971 إلى 2006، ثم انتقل بعد ذلك إلى مركز ودرو ويلسون ويعيش حاليّاً في العاصمة الأميركية.
وهذا الكتاب لا يدخل في كتب السير الذاتية، ولكنه حسب الكاتب يركز على كيفية عمل النفط والسلاح ـ بمرور الوقت ـ على إحداث روابط قوية أو انفصام في العلاقات السعودية الأميركية.
ويقول أوتاواي إنه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لم يكن هناك اختلاف في المصالح الأميركية السعودية حيث كانت العلاقات تقوم على معادلة طرفاها ضمان استمرار تدفق النفط بأسعار منخفضة للولايات المتحدة الأميركية، وفي المقابل حماية وصيانة النظام السعودي من أعدائه الخارجيين، ولكن تلك العلاقات دخلت مرحلة من التعقيد والتأزم بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول للأسباب السابق ذكرها.
ويرى الكاتب أن الأمير بندر من سلطان من الشخصيات القلائل التي لها تأثير على الصعيد الخارجي.
وفي كتابه يتناول ديفيد مراحل صعود بندر على الساحة السياسية الدولية بداية من كونه المبعوث السابق للملك إلى سفير لبلاده بالولايات المتحدة الأميركية لما يقرب من عشرين عاماً.
وخلال تلك الفترة تعامل الأمير بندر مع خمسة رؤساء أميركيين، وعشرة وزراء للخارجية الأميركية، وأحد عشر مستشاراً لمجلس الأمن القومي، وست عشرة دورة للكونجرس الأميركي وأجهزة الإعلام الأميركية العنيدة، ومئات من السياسيين الجشعين.
ولهذا ليس هناك سياسي عربي، بل ولا أي سياسي، يضاهي تأثير الأمير بندر داخل مؤسسة صنع القرار الأميركي.
ويرى الكاتب أنه في ذروة تأثيره وسلطاته كان لا يمكن الاستغناء عنه لطرفي العلاقة، فحسب تعبير أوتاواي “رسول الملك الخاص وحامل الرسائل الشفوية للبيت الأبيض”.
ويضيف الكتاب أنه قدم في السر إمدادات مالية نقدية لمحاربة أسباب الحرب الباردة منها 32 مليون دولار لـ “الكونترا” النيكاراغويين، و10 ملايين دولار لتعزيز السياسيين المعارضين للشيوعية في إيطاليا.
ويشير الكاتب إلى عديدٍ من إنجازات الأمير بندر، والتي يرى الكاتب أنها معروفة للجميع.
فالأمير بندر مهندس أكبر صفقتين للتسلح في تاريخ المملكة العربية السعودية، كانت الأولى، والمهمة، في ثمانينيات القرن المنصرم في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، فقد ضمن الأمير بندر إمداد السلاح الجوي السعودي بطائرات الإنذار المبكر الأميركية “أواكس” رغم معارضة إسرائيل والكونجرس الأميركي في حينه، والصفقة الثانية صفقة اليمامة التي اتهم فيها بتلقي رِشا.
وعندما رفضت الولايات المتحدة الأميركية طلب أسلحة معينة، لم يعارض بندر، ولكنه اتجه إلى شراء الصورايخ من الصين مضللاً وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ومغيظاً وزارة الخارجية الأميركية.
ويقول الكاتب: إنه أغوى وأغضب عدداً من الإدارة الأميركية الناجحة، فكثيرٌ من السياسيين الذين اعتمدوا عليه فطنوا أنه شخص مراوغ وعديم الرحمة.
ويرى الكاتب أنه كان من الصعب تحديد ما إذا كان يعمل لمصلحة الأسرة الحاكمة في الرياض أو لمصلحة الولايات المتحدة أو لمصلحته الخاصة.
ويشير الكاتب إلى حادثة وقعت في فترة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر حيث لاحظت الإدارة أن الأمير بندر تعمَّد التلاعب في ترجمة الخطابات المهمة من الملك فهد للرئيس المصري الراحل أنور السادات بحيث يكون هناك اتفاق بين الرئيسين، وذلك في وقت المعارضة العربية لتوجه الرئيس المصري إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الجانب الإسرائيلي.
ويقول الكاتب: إنه كانت هناك سنوات جيدة وأخرى سيئة، فقد عمل الأمير بصورة جيدة مع الإدارات الجمهورية.
ففي عهد الرئيس الأميركي الأسبق ريغان، وصفت العلاقات الأميركية ـ السعودية بالعصر الذهبي، للتحالف القوي بين الجانب الأميركي والسعودي ضد التمدد والفكر الشيوعي.
وفي إدارة الرئيس بوش الأب كانت هناك هواجس أميركية مشتركة لا سيَّما عراق صدام حسين الذي غزا العراق في بداية التسعينيات من القرن المنصرم وهو الأمر الذي أغضب الملك فهد فقرر استضافة 500 ألف من القوات الأميركية على أراضي المملكة بمعارضة إسلامية لتلك الاستضافة.
ويشير أوتاواي أن الأمير بندر عمل في تلك الفترة بجانب فريق بوش الأب ومنهم جيمس بيكر وبرنت سكوكروفت وديك تشيني والجنرال كولن باول.
وفي هذا السياق يقول الكاتب: إن الأمير بندر كان جزءاً من الإدارة الأميركية فقد كان يدخل البيت الأبيض بدون إعلان مسبق، بعبارة أخرى في أي وقت، مع تمتعه بمزايا نادرة للحصول على بيانات أمنية تمتلكها وزارة الخارجية الأميركية.
وينقل الكاتب قولاً للأمير بندر يؤكد أنه كان على مقربة من صنع القرار في حرب الخليج الثانية، قائلاً: إنه أكل كثيراً من البيتزا باجتماعات متأخرة ليلاً أثناء صيف وخريف عام 1990 -1991 أكثر من أي وقت مضى.
ورغم تردُّد أوتاواي في كتابه لنعي نهاية الحياة السياسية للأمير بندر، إلى أن الأمور وما جاء في الكتاب يحمل عدداً من مؤشرات السقوط والتراجع.
فيرى الكاتب أن نجم بندر على الساحة الأميركية خفت مع وصول بيل كلينتون إلى البيت الأبيض في عام 1993.
ورغم كونه صديق عائلة بوش، حيث الكثير داخل الولايات المتحدة بناءً على تلك الصداقة كان يعتبره من أفراد عائلة بوش ويطلقون عليه من باب التدليل بندر بوش، لم ينجح في معالجة عدد من الأمور خلال فترة بوش الابن.
وتأزمت العلاقات الأميركية ـ السعودية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، بعد أن أظهرت الاستخبارات الأميركية أن منفذ
ي تلك الهجمات سعوديون.
ي تلك الهجمات سعوديون.
وظهر هذا التراجع في إخفاقه في الرد على كثيرٍ من منتقدي النظام السياسي السعودي.
وقد ترك واشنطن في عام 2005 لتولي مستشار الأمن القومي لولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز سابقاً والملك حاليّاً.
وقبل مغادرته واشنطن كان بندر يخطط لحفلة وداع ضخمة، لكنه تراجع عنها.
ولا يدخل كتاب أوتاواي في كتب السير الذاتية فقد تحدث قليلاً عن السنوات الأولي للأمير بندر، ولكنه لم يتحدث عن عائلته.
ولكن سيصدر كتابين قريبين خلال الأسابيع القادمة الأول لباتريك تيلر تحت عنوان “مشاكل العالم” والكتاب الثاني لـ “مارتين إنديك” وسيحمل عنوان “البريء في الخارج”، سيضيفان كثيراً بصورة موسعة إلى طريقة عمل بندر.
وكتاب أوتاواي في غاية الأهمية لتناوله الشخصية التي كانت وراء العلاقات الأميركية ـ السعودية التي تقلبت ما بين الشراكة الاستراتيجية أحياناً والتعقيد والصراع في أحايين أخرى.
ويُعد الكتاب في حد ذاته تميزاً وإضافة إلى المكتبة الأميركية بل والعربية في حال ترجمته إلى العربية.(تقرير واشنطن)
عنوان الكتاب: رسول الملك: الأمير بندر بن سلطان والعلاقات الأميركية المتشابكة مع المملكة العربية السعودية
The King’s Messenger: Prince Bandar bin Sultan and America’s Tangled Relationship with Saudi Arabia.
المؤلف: ديفيد أوتاواي David B.Ottaway.
تاريخ النشر: الحادي عشر من نوفمبر 2008.
دار النشر: Walker & Company.
عدد الصفحات: 336 صفحة.