حاورها : بسام الطعان
فنانة تشكيلية عراقية من مواليد مدينة الحلة 1984 ، متخرجة من أكاديمية الفنون الجميلة في بابل، عضو جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، عضو نقابة الفنانين العراقيين، شاركت في العديد من المعارض داخل العراق وخارجه، متفرغة حاليا للرسم المائي.
ـ بداية ليتك تحدثينا عن الزهراء صالح كإنسانة في لوحة الحياة؟
* ثمة اختبار مثير يطرح على شكل سؤال أزلي وذلك عن مغزى الفن وجدواه، وأنا كفنانة من بلد حرقت سمائه الحروب الدامية وألهبت أرضه وحشية الصراع والرعب لحد الهلع، ولكن الفن هو السلوى والعزاء معا، إنني ألوذ إليه كحل خلاصي يعيد لي قيمة الأشياء الجميلة في الحياة، ويهذب ذوقي فيجعلني ارتقي به لأبلغ الحد الأقصى من عاطفتي وحبي ومناجاتي لقوى الخير، أنا إنسانة عمياء بدون الفن وان الحياة برمتها محض خطاب مكرس للمحبة لكل الأشياء الحلوة في الحياة.
ـ لماذا اخترت الفن التشكيلي لتعبري من خلاله عن أفكارك؟
* ولدت وبيدي فرشاة وألوان وعلى جدران الغرف في بيتنا لوحات كثيرة لوالدي الرسام صلاح عباس ولأصدقاء كثر، اذكر منهم إسماعيل فتاج الترك وشاكر حسن آل سعيد وفاخر محمد وعاصم عبد الأمير وشداد عبد القهار وآخرين ممن هم أصدقاء والدي، وكان أبي يحلم أن أكون رسامة من الطراز الأول لأكمل مشواره في مجال الرسم الذي انعتق منه ليلوذ إلى مجال النقد الفني، ولذا فانه حملني رسالة أخلاقية وإبداعية في أن أتواصل بصدق وصراحة واحترام، ومقابل ذلك كان يجهزني بكل مستلزمات الرسم من ألوان ومذيبات وفرش وسوى ذلك, كما كان يبذل مجهودا كبيرا كي أتواصل في معرفة تاريخ الفن العام وما يتخلله من مدارس ومذاهب واتجاهات وأساليب وتقنيات وسجل انجاز تتوافق مع روح العصر، وحين اشتد عودي وأكملت دراستي في كلية الفنون الجميلة ببابل وجدت نفسي محاصرة بهلع الحياة والدوّي المفزع والموت المجاني، وكان خير مكان آمن أزاول عليه حريتي هو سطح اللوحة، هذا الوسط الذي يسمح بمرور أهوائي ورغباتي ونجواي وخفقات قلبي الصغير مع الرسم حتى وغن كان على ورقة صغيرة فانه بالنسبة لي حلبة كبيرة استطيع من خلاله بث رسالة الحب وخطاب الجمال.
ـ ماذا عن المشهد الفني التشكيلي في العراق، كيف هوالآن والى أين وصل؟
* كما هو العراق بلد الأحزان وانهار الدم فانه بلد الإبداع بلا منازع، فالثقافة العراقية والآداب والفنون ترتقي إلى المستويات المتقدمة في العالم العربي والشرق أوسطي بشهادة نقاد عالميين كبار، إلا أن هناك قطيعة بين المناهج الثقافية وبين الآخرين، فهناك سلم ثقافي صاعد وآخر نازل بسبب عماء الناس الآتي من المحن السايرة في أعماق التاريخ، فعماء الناس يأتي من تظلمهم التاريخي ومن الحرمان الأزلي، ولكن وضع الفن مختلف تماما بدلالة وجود رموز كبيرة وأسماء راكزة وتجارب قوية استطاعت أن تؤسس بشكل صحيح.
ـ هل ما جرى في العراق اثر عليك وعلى الفن التشكيلي والفنانين العراقيين ؟
* نعم أثر عليّ لأن الوضع الغير آمن لا يقدم سوى التهديد بالموت، هل تستطيع أن تتخيل أنني لا اخرج من البيت إطلاقا، وان الانترنيت هو نقطة اتصالي بالعالم؟ أنا لا اعرف حتى الآن المناطق في مدينتي ولا أسماء الشوارع واتيه لو خرجت لوحدي، واعتقد أن حياة الكثيرات من البنات مثلي ، فمنذ سنة دخولي للأكاديمية في عام 2003 والبلد يعيش في جهنم أو اشد منها، وعلى الرغم من كون أسرتي متفهمة ومتحررة بحدود بسيطة إلا أن رأسي معبأ بالمخاوف، وصدق أنني اجن حين اسمع دوي الطائرات الحربية وأتصرف بشكل غير معقول حين أسمع انفجارات الصواريخ والعبوات الناسفة والرصاص.
ـ كيف تقيمين علاقة الجمهور العراقي مع الفن التشكيلي في المرحلة الراهنة؟
* قلت لك إن الثقافة العراقية والآداب والفنون ولدت بقطيعة تامة عن الجمهور وكانت نخبوية، والفنون في العراق وإن كانت فعالياتها نشيطة فأن سجل تذوقها وتلقيها تعتمد على الجمهور والخاص.
ـ ما هو الفن التشكيلي، هل هو لوحة وفرشاة وألوان فقط؟
* في مؤلفه الموسوم ( النقد الفني دراسات جمالية ) تساءل ستولنتيز جيروم: هل الفن علم أم عمل أم إصلاح أم معتقد أم ماذا؟ إنني أبوح لك فأقول: إن الفن كل هذه الأشياء وغيرها، فاللوحة هي مساحة لبث الحرية ، والفرشاة والألوان وسائط لنقل الشعور المرهف، ولكن يبقى شيء آخر يقبع بين السطور والكلمات ذلك المسكوت عنه وهو قيمة الموضوع من الداخل لا من الخارج، فكيف السبيل لبلوغه؟ إن إلية الرسم عندي هي إجابة عن هذا السؤال المريب، فكما قلت لك إن هواجسنا وخواطرنا واندفاعاتنا الإنسانية المهددة تذهب في لحظة بمهب الريح، هذا هو الواقع المؤلم وحين أضع خطا أو لونا فاني أضع شيئا من سيرورتي وعطفي ومحبتي وقد تموج الواني المائية بدموعي، وقد أرسم بالفرشاة بل برموشي.
ـ ماذا على الفنان التشكيلي أن يفعل حتى يطور نفسه وأسلوبه؟
* حين سئل باخ عن الطريق لتذوق الموسيقا أجاب: كثرة السماع. وأنا إذا أردت أن أطور نفسي ما عليّ سوى الرسم باستمرار، كما احرص على الاطلاع من خلال القراءة وزيارة المعارض مع والدي طبعا، والتعرف إلى الفنانين وجها لوجه والاشتراك في الانترنيت وتصفح المواقع الفنية العراقية والعربية والعالمية، فالمواصلة تتيح الفهم وتنمي القدرات التخيلية
ـ لنذهب إلى صناعة اللوحة ـ إبداعيا ـ كيف تبدأ اللوحة ، كيف تمارسين العمل الفني كانجاز، آو حدثينا عن حياة اللوحة إن صح التعبير؟
* بدءا أنا أهيأ نفسي للرسم من خلال إجراء حوار بيني وبين الموضوعات التي أريد التطرق إليها، كما اجري حوارات مماثلة مع الألوان وأدوات التنفيض وسطح اللوحة، فإذا تم الحوار بايجابية فمعنى ذلك أنني استطيع رسم لوحة جديدة، وأن لي طقوسا بسيطة في الرسم منها أتفحص نفسي، وهل أن رأسي يؤلمني وهل أن فكري صاف وهل أن معدتي مضطربة، نعم أتفحص ذاتي، وهل أنني مشتتة الأفكار، كل ذلك أضعه نصب عينيّ لكي أرسم لوحتي الجديدة.
ـ ماذا تعني اللوحة بالنسبة لك؟
* اللوحة تختلف حين أرسمها، أو حين أفكر بها، فهي حلي وخلاصي وهي أفكاري المبثوثة أو المتجلية، وأن وظيفتي في الرسم تتجلى في كونها استظهارا لملكاتي الهاجعة ورغباتي الدفينة، لكن خصوصية بحثي في الرسم تعني لحظة تحنيط الزمن مقابل الانفعال والشعور الصادق، فلوحاتي محض اجتراحات من زمني وشعوري ووجودي الآدمي.
ـ ما أهمية اللون في اللوحة؟
* إن اللون إذا كان ازرقً أو احمرً أو اسودً فأنه تأثير فيزياوي على ملكات البصر، لكن اللون له تأثيره البالغ حين يكون منظما وله حسن مجاورة مع الألوان الأخرى، فالألوان تشبه النغمات أو تشبه أحرف القصيدة الشعرية فبانتظامها واتساقها تأخذ جدواها ومعناها العميق.
ـ هل لديك ميول إلى ألوان معينة، ومفضلة دون أخرى؟
* يقول بيكاسو: حين دخلت حقلا اخضرً رسمت تجريدة بلون اخضر. ويقول ماتيس: رسمت برتقالة بلون ازرق في احد مواضيع الحياة الصامتة. وأنا أقول : إن كل الألوان أصدقائي ولكن من الممكن مبادلتها واحتمالها على أنحاء شتى، فإذا كان الفن يمثل انعكاسا منطقيا لصورة الحياة وشكل البيئة فأنني ارسم على النقيض مما أرى أو أسمع، فإذا كانت السماء ملبدة بدخان التفجيرات والحرائق فأنني ارسمها صافية نقية كالمرآة، إنني لا أريد مشاكستها ووضع المغايرات عليها ولكنني ارسم حليمي الطفولي.
ـ ما المدرسة التي تصنفين نفسك فيها، أو تفضلينها على غيره من المدارس الفنية؟
* أنا رسامة واقعية أتدانى من التعبيرية رغبة مني في إثراء المضامين برؤية تتيح الفهم وتتدانى من الآخرين.
ـ هل العنوان يعتبر مهما للوحة؟
* إن اللوحة تمل بين ألوانها وإشكالها وخطوطها ومضامينها ضروريا من العناوين فلا يعني العنوان المحدد شيء لذلك أنا لا اعتبر العنوان مهما بقدر أهمية الموضوع المطروح.