روت سعودية معاناتها لما يقارب العام في الولايات المتحدة بعد اعتقال زوجها القطري، وتركها لوحدها بصحبة ابنائها الخمسة، بالاضافة الى محاولة ابتزازها من قبل الشرطة الفيدرالية عبر سحب جواز سفرها السعودي للضغط عليها كي تشهد ضد زوجها. وروت زوجة علي المري ، في رسالة الى صحيفة “العرب” القطرية، تفاصيل مأساتها بعد اعتقال المري منذ 7 سنوات، ووصفت فيها معاناتها وأطفالها.
كما وضحت في رسالتها محاولة الشرطة الفيدرالية الالتفاف على القوانين الأمريكية التي تكفل لها الحق في عدم الشهادة ضد زوجها، وتدخل امير سعودي لمساعدتها للعودة الى المملكة، بعد ان قضت عدة اشهر وهي وحيدة في واشنطن.
وكانت وزارة الدفاع الامريكية قد راجعت اشرطة فيديو سجلت فيها التحقيقات مع عدد من المعتقلين في الولايات المتحدة، حيث ظهر في احدها المري وهو يعامل بقسوة من قبل محققين في الشرطة الفيدرالية.
وفيما يلي نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
عليه أتوكل، وبه أستعين
هو حسبنا ونعم الوكيل
اسمحوا لي أن أكتب لكم قصتي التي طالما كتمتها في ذاكرتي، غير أني لن أنساها مدى الحياة، وكيف لي أن أنساها، وقد عانيتها في غربتي، وعشت خلالها في ألم نفسي وجسدي لا يمكن أن يوصف إلا بوصف واحد، وهو أنها كانت مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.
تبدأ أحداث قصتي عندما منّ الله على زوجي ببعثة إلى بلاد الحرية والديمقراطية (أميركا)! حيث ابتعث زوجي لإكمال درجة الماجستير.
صحبت زوجي – بعد تردد كبير في مفارقة الأهل والأحباب- إلى مكان دراسته لأكون شاهدة على أكبر مذبحة في التاريخ للقيم والمبادئ والحريات المزعومة.
ومن العجيب – الذي أتى لنا بعد ذلك بالأعاجيب- أن سفرنا كان في مطلع شهر سبتمبر قبل أحداث التفجير بأيام.
ذهبنا وأبناءنا الخمسة: عبد الهادي ويبلغ من العمر ثماني سنوات، وهاجر ومريم التوأم اللتان تبلغان ست سنوات، وخولة التي تبلغ خمس سنوات، وعبدالرحمن الذي كان رضيعاً عمره سبعة أشهر.
نزلنا مدينة شيكاغو حيث استرحنا في فندق حتى الصباح لنذهب بعدها إلى المدينة التي سيدرس فيها علي وتدعى «بيوريا» وتبعد عن شيكاغو قرابة ثلاث ساعات، وفي الطريق سمعنا الخبر الذي هز العالم كله، وهو خبر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم نكترث به كثيراً. سجل علي في الجامعة، وقام باستئجار سكن مناسب لأسرتنا، وبدأت حياتنا – ولله الحمد – تستقر شيئاً فشيئاً، ومكثنا على ذلك ثلاثة أشهر كاملة حتى كان اليوم الموعود..
ففي ليلة الأربعاء 26 من رمضان عام 1422هـ الموافق للحادي عشر من ديسمبر سنة 2001م أتى اثنان من البوليس الفيدرالي وأخذوا زوجي من الساعة الرابعة عصراً – حيث كان صائماً- إلى الساعة العاشرة ليلاً، ثم أطلقوا سراحه بعد ذلك على أن يأتوا إليه في اليوم التالي ليأخذوه إلى مكان آخر.
لا أستطيع أن أصف لكم ليلتنا تلك!!
أما زوجي فقد فوض أمره إلى الله تعالى، إنه لم يقترف جرماً يخشى منه، ولم يؤذ أحداً يخاف مساءلته، لكن هكذا أراد الجلادون المتشدقون بالحرية الحارسون للفضيلة!
وأما أنا فقد كنت أقل ثباتاً من زوجي، بتُّ ليلتي كلها أفكر ماذا سنفعل بدونه في الأيام التي كنت أظن أنها ستكون قليلة، فماذا لو كنت أعلم أنها ستمتد إلى الآن؟!
يا رب صبراًُ صبراً.. إليك المشتكى والملتجأ، أنت مولانا ليس لنا مولى سواك.
لا أعرف أحداً في هذه البلاد، ولا أعرف الإنجليزية حتى أتواصل مع الناس، فماذا أفعل؟!
جاؤوا – ولم يخلفوا ميعادهم- أخذوه والأبناء يتساءلون إلى أين سيذهب أبونا؟ وأنا أجيب بدموعي لا بلساني: إلى الجامعة.. سيعود قريباً إن شاء الله..
أوصاني زوجي أن أعود إلى بلدي، فقد أخبروه أن التحقيقات ربما تطول إلى مدة غير معلومة، فكان الرأي أن أعود والأبناء إلى موطننا.
وبعد يومين، وبينما أنا أستعد لمغادرة البلاد إلى غير رجعة، فوجئت بطرق شديد على الأبواب أرعبني وأرعب أبنائي الأبرياء – حتى الطفولة لم يرعوا لها بالاً- قالوا: نحن مأمورون بتفتيش المنزل.
فتشوا كل شيء حتى القهوة، والهيل، والزعفران، لم تسلم هذه الأشياء منهم، لقد كان تفتيشاً تخريبياً بامتياز، وكأنهم يتعمدون إفساد كل شيء.
عبدالرحمن الصغير كان يعاني من أزمة في صدره، وكنت أعالجه بأدوية الفنتولين بجهاز خاص لتوسيع الشعب الهوائية، وإذا بأحدهم يسألني عن هذه الأدوية، فأجبت أنها خاصة بصغيري المريض، قالوا: نحتاج منها عينة لنقوم بتحليلها، سبحان الله ما هذا الخوف الشديد!
في الحقيقة أخذوا كل شيء مهم وغير مهم، حتى الأوراق التي كانت على المكتب، وأرقام التليفونات الخاصة بأهلي وبالسفارة القطرية، وأنا أحاول معهم أن يتركوها لأني بحاجة إليها فلم يلتفتوا إلى مطلبي المتواضع هذا، حتى بطاقة مدفوعة الثمن لم تسلم منهم ومن ظلمهم!
وبعد أن قاموا بتفتيش – أعني تخريب- كل شيء قالوا: نريد منك بعض الأجوبة البسيطة عن بعض الأسئلة البسيطة.
رفضت قائلة: إن ديننا يحرم على المرأة أن تجلس مع أجانب غير محارم لها.
قالوا: نريد أن تساعدينا حتى نساعد زوجك ونساعدك في الرجوع إلى وطنك.
أجبتهم عن كل شيء، ليس عندي ما أخفيه، فحياة زوجي نموذج سامٍ من نماذج القيم والمبادئ والمثل العليا التي لا يعرفونها ولا يحلمون يوماً أن يصلوا إليها.
بعدها طلبوا مني جواز سفري السعودي زاعمين أنهم يريدون تسهيل سفري، وعندما ما وقع في أيديهم أفصحوا عن نيتهم الخبيثة، وتلفيقاتهم الماكرة، وقالوا: نريد منك أن تذهبي معنا بعد يومين إلى (نيويورك) لتشهدي ضد زوجك!!
هيهات هيهات لن تنالوا ما تريدون، ولن يذهب كيدكم ومكركم إلا إلى وبال. أي شهادة تلك التي تريدون؟!
إذا ذهبت إلى نيويورك لن أقول إلا الحقيقة، ولن أقول إلا أنكم مجرمون خبثاء لفقتم لزوجي ما هو منه بريء.
استمر التفتيش ومن بعده التحقيق أربع ساعات كاملة، تركوني بعدها وقد أخذوا جواز سفري كنوع من الضغط عليَّ لأقوم بما يريدون من الشهادة ضد زوجي البريء.
لا بد مما ليس منه بد، سأتصل بأهلي لأخبرهم. فعلت، وليتني فعلت ذلك حين أخذوا زوجي، لكن قدر الله وما شاء فعل.
أخبرتهم بالحقيقة كاملة، فما كان من والدي – وكان على صلة وصداقة بأحد الأمراء في السعودية – إلا أن اتصل به وأخبره بالأمر كاملاً.
ما كانت السعودية لتضيع ابنتها، وما يُنتظر من وطني ذلك، بل قامت بالواجب وزيادة، وأنا على يقين وقناعة تامة أنني لو كنت اتصلت أو استغثت بوطني الثاني ووطن زوجي (قطر) لوجدت الدعم والاهتمام الكاملين مثلما وجدتهما من وطني وأهلي.
تغيرت الأمور الآن، وبدأت أشعر أنني لست وحدي، قامت السفارة بالتنسيق مع المحاميات حيث أخبرتني محاميتي أن لا أذهب إلى الشهادة وطمأنتني تماماً على وضعي القانوني، ثم كان من إخواننا وجيراننا المسلمين أن قاموا بما عليهم من واجب وزيادة – خاصة إمام المسجد الذي كان بجانب بيتنا- حيث تبرعوا لي بسيدة أميركية مسلمة ترعى شؤوني وتقوم بمتطلباتي، إلى أن طلبت مني السفارة أن أنتقل إلى واشنطن – قريباً من السفارة- لأكون تحت أعينهم ورعايتهم.
وهكذا تركت مدينة «بيوريا» بولاية إلينوي إلى واشنطن لأنتقل من ولاية إلى ولاية – ولأول مرة في حياتي بدون زوجي- أنا وأبنائي الخمسة، ولا يعلم معاناتنا النفسية والبدنية إلا الله تعالى.
كان في استقبالنا بواشنطن لدى وصولنا موظف من قبل السفارة حيث أوصلنا إلى شقتنا الجديدة التي قامت السفارة باستئجارها لنا ليبدأ فصل جديد من حياة جديدة في بلد غريب مجبرة على الإقامة بها حتى أسترد جواز سفري وأعود إلى وطني ريثما يفرج عن زوجي، وكأني محبوسة وزوجي في سجنين مختلفين، هو في سجنه الضيق الصغير يعاني ما يعاني، وأنا في سجني الكبير الذي لا يقل ضيقا عن سجنه، وقضيت ليلي ونهاري أدعو لأسرتنا جميعاً أن يفك الله أسرها من هذا السجن البغيض.
جلست ثلاثة أشهر وحدي كاملة وحدي بصحبة أبنائي الخمسة حتى اقترحت علي السفارة أن أحضر أحد إخواني ليجلس معي ويؤنس وحشتي ويقوم على شؤوني وأبنائي.
وفعلاً، قامت السفارة بإحضار أخي محمد الذي تغيرت الحياة كثيراً حينما أتى إلينا، وأزاح عن كاهلي حملاً ثقيلاً كاد يقضي علي لولا حفظ الله ورعايته.
أحسست باطمئنان كبير منذ أن أتى أخي وأقام معنا، وبدأت أنام، وكنت قبلاً لا أهنأ بالنوم، بل كنت إذا نمت قمت في الليل مفزوعة خائفة من كل شيء يحيط بي، غالباً ما كنت أرى في منامي أنهم جاؤوا وكلبشوني بالسلاسل وأخذوني إلى حيث لا أعلم.
ما كنت أظن أنني سأمكث بدون علي في أميركا عاماً كاملاً مشتتة الذهن شاردة البال تتدهور صحتي النفسية والبدنية إلى هذا الحد.
مكثت وأخي محمد تسعة أشهر كاملة، وفي كل يوم ننتظر أن يعيدوا لنا جواز السفر لأتمكن من العودة إلى الوطن لكن البوليس الفيدرالي مصِّرٌ على ما أراد ومحاميتي مصرة على أن لا أمثل أمام القضاء حتى أتى يوم الفرج، ففرجُ الله – مهما ضاقت- قريب، وإنَّ مع العسر يسراً.
وفي الخامس من رمضان الموافق العاشر من شهر نوفمبر سنة ألفين واثنين منّ الله علينا بعودة جواز سفري إلي، وكأني ولدت من جديد، ولا أستطيع أن أصف هذه اللحظة التي خررت فيها ساجدة شاكرة لله تعلى على ما أنعم علينا من فرج، إنها فرحة كبيرة لكنها ناقصة بحق، كيف لا وزوجي لا يزال تحت أسر هؤلاء الظالمين الذين يعتقلون الأبرياء لمجرد الظنون والشكوك والتخمينات!
أيُّ قانون هذا الذي عليه يستندون، وأي حرية تلك التي بها يتغنون ويتشدقون، يا رب كما فرجت عنا بوصول جوازي فرج عنا بفك قيد زوجي المظلوم.
وقبل أن أختم رسالتي هناك نقطتان أردت إبرازهما:
النقطة الأولى: أن الحكومة الأميركية أخافت المسلمين والعرب هناك من كل شيء حتى إن بعض الأخوات كن يترددن عليّ فإذا سمعت إحداهن بقصتي وقصة زوجي انقطعت عن زيارتي وتركت الاتصال بيّ.
النقطة الثانية – وهي الأهم- أني قرأت في الجريدة أن الحكومة الأميركية صعقت حينما فوجئت بخبر سفري من واشنطن قبل أن يحاكموني!
وقد طلبت منهم السفارة السعودية إن أرادوا التحقيق معي فلهم ذلك على أن يكون هذا الأمر في بلدي في السعودية، غير أن مسؤولاً حكومياً بواشنطن قال: إن استجوابي بالرياض لن يكون على نفس الدرجة من الفاعلية كما لو استُجوِبت في واشنطن وأمام هيئة المحلفين الكبرى.
وفي الرسالة التي كشفت عنها السفارة السعودية – مؤخراً- قال مسؤول سعودي لوزير الخارجية كولن باول: إن زوجة المعتقل عليّ لن تدلي بشهادة ضد زوجها، وإنها تتمسك بحق الزوجة في عدم الشهادة ضد زوجها، وغير ذلك من الحقوق التي تمليها العلاقة الزوجية، والموجودة في كل الأعراف والدول.
وختاماً.. أدعو الله أن يعجل فك أسر زوجي الذي لا يفارقني لحظة واحدة، فالأولاد لا يزالون يسألون عن أبيهم صباح مساء والرد واحد: إنه يدرس في الجامعة وسيأتي قريباً إن شاء الله.
حتى عبد الرحمن الصغير لا يزال يتساءل لماذا الأولاد جميعا لهم آباء إلا أنا، وأنا أجيب وقلبي يتفطر عطفاً وحزناً عليه: سيعود أبوك قريباً سامياً مرفوع الرأس.
وأخيراً لا أنسى شكر دولة قطر على اهتمامها الكبير بقضية زوجي، وأتمنى من الله أن أعود قريباً إلى بلدي قطر لأستقبل زوجي علي، وعسى أن يكون ذلك قريباً إن شاء الله.
زوجة الأسير المظلوم
علي المري