برهان الخطيب
الوضع في العراق بعد خمس سنين إحتلال أسوأ، قياسا على الأمن والخدمات والإقتصاد وضمان مستقبله، قيادة الإحتلال تكسر ديناميكيته، كان يمكن حفظها وتوظيفها دعامة في حرب ضد تخلف حسب فهمها نفسه، بالخطأ وتكراره أَضرَّت وأُضِرّت، في حلم تداركه مقترح إتفاقية لتمديد بقاء الإحتلال، الفرق بين توقيعها وعدم توقيعها = القضيب نفسه. أوضح هذا لاحقا. سؤال التوقيع أو عدمه مطروح خطأ عن وضع خطأ، لاحقا أي جواب يأتي خطأ.
لا توقيع الإتفاقية ولا عدم توقيعها يساعد على حل المشكلة، المشكلة كانت وما زالت سياسية، لا عسكرية. لما يصر الإحتلال ومعيته على الحل العسكري بغزوات وندوات لباسها مدني مدعيا التسييس لمصالحة صدأت يغذي الظرف لزيادة العنف والتطرف في المنطقة، خاصة مع إزدياد خطر إنفصال وإستكلاب حمقى وتبديد ثروات عامة. تدريجيا يتغربل الوضع العراقي، المشاكل الصغيرة تسقط من غربال الزمن، تبقى المشكلة الكبيرة: مَن يحكم البلد حقا؟ عموم البلد الأقحاح أم الصفوة ناهبته؟ في اللحظة التأريخية القادمة، بل منذ الآن، لا ترتصف طائفة ضد أخرى، ولا شيوعيون ضد بعثيين، متدينون ضد متساهلين بتدينهم، حزب ضد حزب آخر، بل مَن مع إغتراب البلد عامة، ومَن مع إستعادته لعامته والسير إلى أمام.
في كل طائفة وحزب وقومية يوجد مَن يؤيد بقاء الإحتلال، خيانة أو تعويلا على حل لا يأتي منه (غير الفالح حتى الآن لا يفلح لاحقا) كما يوجد كل آخر، مِن كل الطوائف والأحزاب والقوميات، خاصة من القواعد، يرى في رحيل المحتل بداية حل أو ظرف مساعد على إيجاد حل ممهد لإستقرار، حل عراقي عربي ديمقراطي يتآلف في ظله المختلفون. تغير التسميات لا يغير الواقع، إلاّ إذا أريد تغيير الواقع بإغتصابه. تتحلل التركيبات (السياسية) لظرف ما قبل الإحتلال، تتبلور تركيبات جديدة قديمة، في تكوينات فكرية بداية، موجودة الآن طبعا، مرتبطة فطريا بثقافة البلد ومصلحتها في إستقراره ووحدته، رافضة ديمومة وضع أصبح غير معقول ولا يطاق، منها ما هو جاهز للحركة الآن، الإستهانة به أو الإعتماد على القوة لتصفيته، إعتقال هذا وذاك، ليس حلا ولا جزء من حل، بل يعمق المشكلة ويوسعها. العراق لن يكون شبيها بكولومبيا أو غيرها في حالة توتر دائم، إلاّ إذا إستمر العناد والمراهنة على القوة من جانب وأهملوا الإفراج عن جميع المعتقلين المناهضين للإحتلال وإعادتهم إلى وظائفهم وإلغاء الإجتثاث أصل الفتنة وإعادة كتابة الدستور ضمانة لوحدة البلد وإستقراره.
انقلب الأتحاد السوفياتي وتغير النظام الإقتصادي الذي أفقر المواطن السوفيتي لكنهم لم يجتثوا الشيوعيين، وقلبوا نظام البعث العراقي وبقي نظامهم الإقتصادي متعدد الأشكال الذي رفه العراقي والبعض غيره في السبعينات حتى تحكمت عنجهية، لكنهم عمدوا لإجتثاث البعث الوطني وتصفيته بطرق غير قانونية كغيرهم قديما وحديثا التفافا حتى على شركاء كالمالكي، وزير الوزراء، ألا يعني ذلك تخريب الوطن لمآرب غير بناء الديمقراطية؟ محزنة هذه الشكوك. تشكيل جبهة إنقاذ على أسس وطنية ما زال ممكنا.
تصور المشكلة داخلية بحت غير وارد، معلوم لها ذيول ممتدة إلى إيران وأفغانستان وباكستان ولبنان ولبن إربيل وعيران، لكن غير معلوم تماما على العراقيين قصها، إذا أرادوا سلامة مؤخرتهم أو ما بقي منها على ساحة دولية بلا حَكم.
في صغري كان عندنا قفص طيور جنة وغيرها كبير على سطح بيتنا، تصورته جنينة، اتضح مصدرا لمشاكل عديدة، كانت أمي تصيح وهي ترى الطيور تعيث فسادا بذروقها وريشها وطيرانها المزعج: هذا إحتلال ! ثم جاءت طيور هتشكوك الدموية في 63 واستعدت صيحتها، أكدها إحتلال حقيقي شبه نبؤة في 03.
حينه ركنت القفص على طرف التيغة (السياج) ومن الجانب الآخر سنده قضيب، كلما غيرت مكانه لموازنة القفص مال وسقط وحدثت قلابالق، حتى أصبحت مشكلة القفص القضيب، والعكس صحيح، الطيور المخرِّبة كدنا ننساها، حين درست الروسية تذكرت ذلك، اليوم أيضا، الإتفاقية قضيب، إذا وقعت الإتفاقية أو لم توقع المشكلة باقية، القضيب نفسه.
بالعراقي الفصيح: خوجا علي ملا علي.. التوقيع وعدم التوقيع.
في التخلص من قفص إحتلال بداية حل مشكلة، إبعاد لطيور دموية عابثة عن أرضنا وسمائنا.
وعلى الأفق نذير جولة .. بل صولة.. كبيرة لها.