بالتزامن مع الكشف عن تعيينات فريق الأمن القومي والسياسة الخارجية في إدارته الجديدة، رسم الرئيس الاميركي المنتخب باراك اوباما الملامح العريضة لسياسته المقبلة، اذ عد ان المهمة الجديدة لوزير الدفاع روبرت غيتس ستتمثل بانهاء الحرب في العراق كما تعهد بالنجاح ضد القاعدة وطالبان. وقال انه يريد القضاء على تهديد الارهاب عبر تقديم الاستثمار اللازم من ((أجل تعزيز جيشنا وزيادة قواتنا البرية من أجل هزيمة التهديدات في القرن الحادي والعشرين)). وشدد اوباما على ان سياسة ادارته ستعمل على منع إيران نووية. وكما كان متوقعا اعلن اوباما تعيين منافسته السابقة هيلاري كلينتون في منصب وزيرة الخارجية وتعيين الجنرال المتقاعد جيمس جونز ،القائــــــد السابق لحلف ”الناتو”، مستشارا للامن القومي. فيما عينت حاكمة ولاية اريزونا جانيت نابوليتانو وزيرة للامن الداخلي وظل الجنرال روبرت جيتس، محتفظا بمنصبه كوزير للدفاع. ولكل من هذه الشخصيات موارد غنية في مجال الأمن القومي، فضلاً عن تمتع كل منهم بأولويات تغيير جوهري في مجال خبرته وعمله. وبذلك، يكون اوباما قد احاط نفسه بشخصيات أكثر تشددا منه في السياسة الخارجية.
وحسب رؤية الإدارة الجديدة، من المتوقع أن يصحب هذا التغيير تشكيل فرق عمل دبلوماسي وإنساني كبيرة، بحيث تتمكن من الانخراط في تنفيذ مشروعات طموحة على نطاق العالم كله، يكون هدفها الرئيس درء النزاعات وإعادة بناء الدول الفاشلة. غير أنه لم يتضح بعد ما إذا كان تمويل هذه المشروعات سوف ينتقل من وزارة الدفاع إلى وزراة الخارجية، لاسيما وقد أعرب أوباما عن اعتزامه زيادة عدد الجنود القتاليين. وعلى حد قول ”دنيس ماكدونو”، أحد كبار مستشاري أوباما للسياسات الخارجية: إن التغيير الذي سوف يحدثه أعضاء الفريق الجديد، يتوقع له أن يكون تجربة عظيمة وفريدة في مجال السياسات الخارجية الأميركية، على غرار ما كان يدعو له أوباما منذ وقت مبكر من حملته الانتخابية الرئاسية في صيف العام الماضي. وهي ليست مجرد تجربة، بل هي حل عملي براجماتي لمعضلة طالما اعترفنا بها منذ وقت بعيد. وخلال الحملة الانتخابية، كان السيناتور باراك أوباما قد استثمر وقتاً مهماً في اللقاء بالمتقاعدين العسكريين وكذلك الضباط الشباب الذين أدوا الخدمة العسكرية في كل من العراق وأفغانستان، بهدف الاستماع إليهم وتعلم دروس التجارب التي خاضوها.
وفي رأي مستشاري أوباما أن مثل هذا الدمج بين الأدوات بات على قدر كبير من الأهمية لضمان استدامة الأمن القومي الأميركي في عالم القرن العشرين. وذكر مستشارو أوباما أنهم شرعوا سلفاً في رد اتهام ”الجمهوريين” و”اليمينيين” لأوباما بأنه استثمر حملته الانتخابية اعتماداً على العمل الاجتماعي والقضايا الداخلية وحدها، مصحوباً باتهامهم إياه بنقص خبرته في مجال الأمن القومي والسياسات الخارجية. ويتوقع فريق مستشاري أوباما خوض معركة داخل الحزب ”الديمقراطي” نفسه بشأن ما إذا كان سيتم تخصيص مليارات الدولارات التي كان قد وعد بها أوباما في أثناء حملته الانتخابية لإعادة بناء أفغانستان، كي تستثمر داخلياً في إنشاء المزيد من الوظائف في سوق العمل الأميركية أم لا؟
ومن المتوقع أن يحصل أوباما على الدعم السياسي الأكبر من وزير دفاعه روبرت جيتس. ذلك أنه يستند إلى خبرة عسكرية لا يطالها الشك، بحكم كونه من قدامى محاربي الحرب الباردة، إلى جانب عمله السابق بصفته مديراً لوكالة المخابرات المركزية. وكان ”جيتس” نفسه قد صرح في لقاء صحفي له قبل مدة وجيزة قائلاً إنه كان يصعب عليه جداً تخيل استمراره في منصبه الحالي، في ما لو كان الفوز في انتخابات تشرين الثاني المنصرم من نصيب ”الديمقراطيين”. ولكن المفاجأة التي أحدثها أوباما، هي عكس هذا التوقع تماماً بإبقائه للجنرال ”جيتس” في منصبه. وقبل عام مضى، صدرت عدة تصريحات من جيتس -غضت الطرف عنها إدارة بوش على مضض- عبر فيها عن قناعته بمحدودية القوة العسكرية في نوع جديد من الحروب لم يعد يكفي فيها العمل العسكري وحده. وضمن هذه الانتقادات كان السيناتور أوباما قد استعان بالإحصاءات التي أشار إليها جيتس في أثناء حملته الانتخابية بقوله: تعاني بلادنا نقصاً حاداً في عدد الدبلوماسيين والعاملين في مجال الخدمة الخارجية، قياساً إلى قدراتها العسكرية. كما انتقد ”جيتس” تقاعس أميركا مؤخراً عن الدفع بقوتها الناعمة وقدرتها على التواصل والتفاهم مع بقية دول العالم وشعوبه، ملاحظاً أن قوة أميركا ”الناعمة” واصلت ممارسة دورها وحافظت على أهميتها طوال سنوات الحرب الباردة. وشملت انتقادات أدلى بها مؤخراً خلال لقاءات صحفية أجريت معه، مآخذ عديدة على كل من إدارتي كلينتون وبوش، قائلاً إن أميركا بدت في هاتين الإدارتين، وكأنها قد نسيت كل الدروس التي تعلمتها في حرب فيتنام.
أما الجنرال ”جونز” مستشار أوباما للأمن القومي، فقد مضى بهذا النقد إلى مدى أبعد بوصفه لاستراتيجية إدارة بوش في أفغانستان بالفشل، في إطار دراسة أمنية أجريت حول الوضع هناك. ومن جانبه تعهد أوباما بتكثيف الجهود الحربية في أفغانستان إثر انسحاب القوات من العراق. لكن ولدى صدور التقرير النهائي للدراسة المذكورة، جاء فيها تصريح للجنرال ”جو نز” قال فيه: لا شك أن حلف الناتو لن يفوز بحربه في أفغانستان.
وهذا تصريح يتناقض تناقضــــاً حــــاداً مـــع ما يقوله مسؤولو البيت الأبيض عن الحرب الأفغانية. ولم يكتف الجنرال ”جونز” بمجرد نفيه لاحتمال فوز الحلــــف بالحرب الأفغانية، بل مضى إلى شرح الأسباب التي دعته إلى هذا الاعتقاد بقوله: فبعد مضي ما يقارب السبع سنوات على الحرب، فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في بناء استراتيجية يُعول عليها وقادرة على تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار وغيرها من المساعدات الاقتصادية الأخرى في المناطق والمحافظــــات التي تم دحـــر مقاتلي حركة ”طالبان” منها. ونتيــــجة لذلك الفشل، تحول كل انتصار عسكري يحرزه الناتو، إلى انتصار مؤقت سرعان ما تعقبه عودة عناصر ”طالبان” إلى ذات المناطق، ما أن تنسحب منها قوات الحلف.
وفي هذا الصدد، قال أوباما في مؤتمر صحفي “سنضمن أيضا أن تكون لدينا الإستراتيجية والموارد للنجاح ضد القاعدة وطالبان.. ومن أجل السير قدما في هذا الإتجاه سنواصل تقديم الاستثمار اللازم من أجل تعزيز جيشنا وزيادة قواتنا البرية من أجل هزيمة التهديدات في القرن الحادي والعشرين.
ومن جهة أخرى، قال الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما يوم الاثنين إنه يعتقد بأن القوات الأميركية المقاتلة عليها أن تغادر العراق خلال 16 شهرا من توليه لمنصبه ولكنه سيستمع لنصيحة قادة الجيش. وأضاف بأنه يعتقد أن مدة 16 شهرا هي إطار زمني سليم كما قال مرارا.. وأنه سيستمع لتوصيات قادته.
وتابع أن الاتفاق الأمني الجديد بين العراق والولايات المتحدة وضع الولايات المتحدة على “طريق سلس” نحو الانسحاب من العراق. وأشار إلى أن القوات الأميركية الباقية قد تحتاج للبقاء في العراق أكثر من القوات المقاتلة. كما تعهد أوباما بمواصلة الاستثمار في تعزيز الجيش وزيادة القوات البرية وضمان النجاح في مواجهة القاعدة وطالبان.