احمد النعيمي
مما يؤسف له أننا اليوم أمة من اقل الأمم وفاءً لتاريخها وأمجادها وأكثرها نكرانا لجميل رجالاتها وأفضالهم ، فأصبحنا أمة بلا تاريخ ولا حاضر أمة محتلة محرومة مغلوبة على أمرها ذليلة ً صاغرة ً لا رأي لها ولا مكانة ً ولا اعتباراً ولا تقديراً ، يتربص بها الأعداء الدوائر ، تكالبت عليها أمم الأرض جميعها من كل حدب وصوب وهي في نوم عميق وذل مقيم وقلة وفاء ونكران للجميل ..
ومن هذا الجحود والنكران دخلت أقلام الأعداء الذين كان جلّ همهم الطعن في السنة النبوية والتشكيك في صحة الأحاديث النبوية والعمل في تاريخ رجال الأمة وأمجادها تشويها وتمزيقا وتوجيه السهام المسمومة وبث الأفكار الخبيثة – محاولين القضاء على قوة الإسلام وإبعاد المسلم عن عقيدته التي هي أساس القوة والعزة – وتحقيق مآربهم من تشتيت المسلمين وتمزيقهم ودب الفرقة فيما بينهم ..
وعلى رأس هؤلاء المستشرقين بداية – وقد بينت في مقالاتي السابقة خطر الفرس والمتفرسين وتشكيكهم وخبث نواياهم – وانتهاء بالنوابغ الذين تبعوا شيوخهم من المستشرقين .. وهم المستغربين من أبناء المسلمين ممن ينتمون إلى آباء مسلمين ، ويتظاهرون بالإسلام والغيرة عليه وهم ألد أعدائه واشد ولاءً لأسيادهم المنطوين على الحقد الدفين للإسلام ، وصدق الله العظيم إذ يقول (( قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )) الكهف 103 – 104 .
ويوضح لنا هذه الحقيقة ، جان بول سارتر المفكر الفرنسي في مقدمته لكتاب ” معذبو الأرض ” لـ ” فرانز فانون ” حيث تحدث عن صناعة المستغرب ، فقال :
“ كنا نحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف والأثرياء والسادة من أفريقيا وآسيا، ونطوف بهم بعض أيام في أمستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وباريس ، فتتغير ملابسهم ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة، ويرتدون السترات والسراويل ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو والاستقبال والاستدبار ، ويتعلمون لغاتنا وأساليب رقصنا وركوب عرباتنا وكنا ندبر لبعضهم أحيانا زيجة أوربية ، نلقنهم أسلوب الحياة بأثاث جديد وطرز جديدة وغذاء أوروبي ، كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوربة بلادهم ، ثم نرسلهم إلى بلادهم ، وأي بلاد , بلاد كانت أبوابها مغلقة دائماً في وجوهنا ولم نكن نجد منفذاً إليها ، كنا بالنسبة إليها رجساً ونجساً وجناً ، كنا أعداء يخافون منا ، وكأنهم همج لم يعرفوا بشراً ، لكن منذ أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم لبلادهم ، كنا نصيح من أمستردام أو برلين أو باريس، الإخاء الإخاء البشري فيرتد رجع صوتنا من أقاصي أفريقيا أو الشرق الأوسط أو الأدنى أو الأقصى أو شمال أفريقيا ، كنا نقول ليحل المذهب الإنساني أو دين الإنسانية محل الأديان المختلفة , وكانوا يرددون أصواتنا هذه من أفواههم , وحينما نصمت كانوا يصمتون ..
ثم كنا واثقين من أن هؤلاء المفكرين لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعناه في أفواههم ، ليس هذا فحسب بل إنهم سلبوا حق الكلام من مواطنيهم ، هذا السوس الذي كنا قد صنعناه و أسميناه المفكرين كانوا عالمين بلغاتنا وكان قصارى همهم ومنتهى أملهم أن يصبحوا مثلنا ، في حين أنهم أشباهنا وليسوا مثلنا ، إنما نخروا من الداخل ثقافة أهلهم وأديانهم القومية التي تصنع الحضارات ، ومثلهم وأحاسيسهم وأفكارهم الجميلة، وأصالتهم الأخلاقية والإنسانية، وتحت أي شعار وباسم من ، باسم مقاومة الخرافات أو مكافحة الرجعية أو الوقوف ضد السلفية .. )) .
أليس هذا حال اغلب مفكرينا الذين يتهمون من يدعوا إلى الإسلام بالخرافات والرجعية ؟؟ وكل همهم أن يسلبوا فعلا حق الكلام ممن يدعوا إلى الله ويعمل صالحاً ويقول أنني من المسلمين ، وينعتوا كل من يدعو إلى تطبيق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسلفه الصالح .. بالإرهاب والتطرف ؟؟
وبعد أن اوجدوا فينا التربة الخصبة المستعدة لتقبل أي قول يصل إلينا ، وأصبحنا مهيئين لقبول هذه الأفكار وغيرها .. لم يبقى داع لأن يذهبوا بنا إلى هناك لأنهم هم بالفعل من أتى إلى هنا فقد هيئنا لهم تربة خصبة ، وأي تربة تلك ؟؟ لله درنا ..
ويوضح هذا الواقع أحد المستشرقين في كتاب ” الشرق الأدنى ، مجتمعه وثقافته ” بقوله : ” إننا في كل بلد إسلامي دخلناه نبشنا في الأرض لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذب ولائه بين الإسلام وبين تلك الحضارات ” نقلا عن كتاب واقعنا المعاصر لمحمد قطب .
وبنظرة سريعة على واقعنا الآن نجد أن لا هم لنا سوى الدعوة إلى العصبية البغيضة والانتماء إلى القومية اللعينة من جهة ، والدعوة إلى الشيوعية
الإلحادية من جهة أخرى ، أو الدعوة إلى أي أخوة كانت حتى وإن جمعنا أخوة الشيطان مع ضمن هذه الدعوات !! ، ولكن يحظر ويمنع الدعوة إلى أخوة الإيمان والدين .. فقد أصبح الدعوة إلى مثل هذه الأخوات كفيل بان تلصق بك تهمة ستبقى مقترنة بك إلا أن تموت بل وتبقى ملصقة بذريتك إلى يوم الدين ، فمن الأفضل لك أن تنادي إلى الأخوات الدنيوية كي لا تلصق بك مثل هذه التهمة .. أليس كذلك ؟؟
الإلحادية من جهة أخرى ، أو الدعوة إلى أي أخوة كانت حتى وإن جمعنا أخوة الشيطان مع ضمن هذه الدعوات !! ، ولكن يحظر ويمنع الدعوة إلى أخوة الإيمان والدين .. فقد أصبح الدعوة إلى مثل هذه الأخوات كفيل بان تلصق بك تهمة ستبقى مقترنة بك إلا أن تموت بل وتبقى ملصقة بذريتك إلى يوم الدين ، فمن الأفضل لك أن تنادي إلى الأخوات الدنيوية كي لا تلصق بك مثل هذه التهمة .. أليس كذلك ؟؟
وصرنا في مجتمعنا المسلم أفراداً وكتابا وجهلة ومثقفين وحكاماً غريبين في الفكر والوجود .. وأصبحنا نستمع ونروي قصص الرسول وصحابته والسلف الصالح ولكن من باب التندر فقط .. وكأن الإسلام ما وجد إلا ليكون في صلاة وصيام ثم يعلق القران بعدها ونتبرك به ، ونسينا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان خلقه القران وكان قرانا يمشي على الأرض .. وأصبح الحديث عن الإسلام منقصة ومسبة فترى كثيراً ممن يدعون بمفكرين يتحدثون ويكتبون ، ويأتون لنا بكل الأدلة ويسوقونها ويستدلون بها ويتشدقونها ولكنك تتمنى أن يطرق سمعك آية ً أو حديثاً أو خبراً من سلف …
والبعض الآخر من هؤلاء النوابغ وهم الأشد خطراً على الإسلام ، فإنهم ينقلون من كتب التفسير والفقه ويوردوها في غير ما أراد لها مؤلفوها ، فيعملوا على إسقاطها إسقاطاً في غير موضعها ، فيذكرونها إيهاماً لنا بان أصحابها يلتقون معهم بالفكرة والأهواء ..
وعلى الجملة فان أصحاب هذه المؤلفات والنصوص التي نسبوها إليهم لا يلتقون معهم في أرائهم ونزعاتهم ، وصدق إذا يقول فيهم وفي أمثالهم (( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) الصف 8 – 9 ، وذلك كما بينت من هذا النقل الكاذب المجتزأ للحقيقة في مقالي ” ومن اظلم ممن افترى على الله الكذب ” .. فإلى هؤلاء نذكرهم أن الله يعلم سرهم ونجواهم ((مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )) ق 18 ، (( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ )) القمر 52 – 53 ..
وأما هؤلاء الأشخاص الذين يدعون إلى الشيوعية أو القومية أو العلمانية أو أي مذهب لا يمت إلى الإسلام بصلة ، فالغريب أننا نجدهم يدعون أنفسهم إلى الإسلام .. وإذا سألت احدهم ما دليلك على قولك هذا ؟؟ فإنه ما يلبث إلا أن يشهر بوجهك هويته المكتوب فيها أنه مسلم ..
ولذلك أنا ادعوا دوائر النفوس جميعها .. أن تعمل على تصنيف كل إنسان حسب أفكاره وانتمائه وتوجهاته .. إذا كنا حقيقة نريد أن ننصف الحق !!
والأغرب من هذا أننا نراهم عند أحاديثهم .. ينفخون التافه ويهولون كل ساقط ويقزمون ويضخمون ، ويخيل إلينا وكأننا نقف أمام أبطال أمثال عمر بن الخطاب ونور الدين وصلاح الدين .. فتمتلئ نفوسنا غبطة وتنشرح صدورنا .. وتتخدر حواسنا للحيظات ، ثم وإذ بنا نصحو على واقعنا وإذ به فعلا بطلا .
ولكن بطولته لم تكن تحريراً لوطن أو منفعة ً لشعب أو رقي بمجتمع وإنما وجدناه بطلاً في أحضان النساء لا هم له إلا أن يجر المجتمع إلى الرذيلة والفساد .. ولم تـُظهر لنا الأحداث التي مرت بعالمنا الإسلامي والعربي خلال هذا القرن المنصرم سوى هؤلاء الأبطال الملوثين خلقيا وجنسيا .. والحبل على الجرار بإذن الله لكشف بقايا هؤلاء الأبطال .. وتخليد مخازيهم وعارهم وذلهم .. تاريخياً !!
ويلوح في الأفق سؤال ، ولا ادري أن كان قد خطر ببال احد منا ؟؟ لماذا نزعم أننا مسلمين ثم ندعو إلى القومية والشيوعية وغيرها ؟؟ ألم يكن الأولى بنا أن ندعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم !؟ لماذا هذا الذي يحدث من متناقضات فعلا !؟ ولماذا يصر من يدعوا إلى فكر غير فكر الإسلام أن يلصق نفسه بالإسلام ؟؟
وعلمت عندها أن كثيرا منا قد انسلخ عن عقيدتنا الإسلامية التي تقول لنا إنما المؤمنون أخوة وتركنا حبنا في الله وبغضنا لله .. وأصبح الحب عندنا على أسس دنيوية ومنافع مادية ..
ولنعلم عندها أننا قد حققنا في أنفسنا ما يصبو عدونا لتحقيقه فينا بدون تعب وجهد منه ، من حيث علمنا هذا أم لم نعلمه !! فهل فعلا سنبقى مذبذبين ..
ولمصلحة من .. تذبذبنا هذا ؟؟
الله أعلى يدا واكبرْ والحق فيما قضىوقدرْ
ليس للمرء ما تمنى وليس للمرء ما تخيرْ
هون عليك الأمور واعلم أن لهاموردا ومصدرْ
واصبر إذا ما بليت يوما فان ما قد سلمت أكثرْ
يا بؤسَ للناس مادهاهم صاروا وما ينكرون منكرْ
خذ ما صفا من جميع أمر الدنيا ودع عنك ماتكدرْ
وكل ذي سكرة فأعمى حتى إذا ما أفاق أبصرْ
إرضَ المنايا لكل طاغ وارضَالمنايا لمن تجبرْ
يا رُبَّ ذي اعظم ٍ رفات ٍ كان إذا ما مشى تبخترْ
الموتشغل لكل حي وأي شغل ٍ لمن تفكرْ
ليس للمرء ما تمنى وليس للمرء ما تخيرْ
هون عليك الأمور واعلم أن لهاموردا ومصدرْ
واصبر إذا ما بليت يوما فان ما قد سلمت أكثرْ
يا بؤسَ للناس مادهاهم صاروا وما ينكرون منكرْ
خذ ما صفا من جميع أمر الدنيا ودع عنك ماتكدرْ
وكل ذي سكرة فأعمى حتى إذا ما أفاق أبصرْ
إرضَ المنايا لكل طاغ وارضَالمنايا لمن تجبرْ
يا رُبَّ ذي اعظم ٍ رفات ٍ كان إذا ما مشى تبخترْ
الموتشغل لكل حي وأي شغل ٍ لمن تفكرْ
احمد النعيمي