د . محمد الإدريسي الحسني
ما حدث في مدينة بومباي الهندية ذات الأغلبية المسلمة ، يحيّر عقل كل لبيب ، أرواح بريئة أزهقت دون مبرر ، في عملية عبث دموي غير مسبوقة ، قام بها نفر لا شك أنهم دون وعي ، يعتريهم انحراف في العقل ، وانعدام واضح للضمير ، وفقدان لكل المشاعر الإنسانية ، مع تعطش للدماء ، ورغبة في القتل ، لدرجة تؤكد أنهم تعرضوا لتشويه أخرجهم من دائرة البشر إلى دائرة الهمجية الجاهلية المتوحشة ، والسؤال المحيّر هو : ما هي الفائدة التي جناها هؤلاء من هذا الاعتداء الهمجي ؟ !!!! ، وما الذي تحقق لهم ولعشيرتهم ولأوطانهم ولعقيدتهم منه ، فتبّا لمن يكون عبثه القتل ولا شيء غير القتل ، والأمَرُّ أنهم يدَّعون الإسلام دين السلام ، الذي جاء به من أرسله الله رحمة للعالمين .
يحتار كل لبيب في إدراك الوسيلة التي أتُّبعت لتحويل مثل هؤلاء الشباب إلى وحوش مجنونة منفلتة ، تضحي بأرواحها ، لتنتحر دون غاية ، وتعتدي دون مبرر ، وتقتل دون هدف . ولكن المتأمل المدقق في وقائع وأحداث التاريخ ، لن يغيب عن إدراكه سبب الداء ، ومكمن المصيبة ، إنها وهابية نجد الآثمة ، تلك المنطقة التي وصفها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بأنها قرن الشيطان ، ومصدر القلاقل والفتن ، فمنها كان مسيلمة الكذاب ، ومنها خرج القرامطة ، والخوارج ، وأخيرا الوهابية التي أزهقت الأرواح البريئة في الحجاز ونجران وعسير والإحساء ، لتؤسس على جماجم الأبرياء دولة شعارها السيف ، والكارثة أنها تدعي تصحيح الدين وتنقيته من الشرك . وفي سبيل أطماع آل سعود الأغراب عن جزيرة العرب ، حرّف الدين وزوّر التاريخ ، ودمّرت الآثار ، والأخطر أنهم قاموا بعد ذلك بتصدير هذا الانحراف الجاهلي الخطير ، إلى بقية أنحاء العالم الإسلامي ، مستغلين احتلالهم للحرمين الشريفين ، وحيازتهم لثروة المسلمين. وبهيمنتهم على أخطر قوتين ، القوة الروحية (مكة والمدينة) والقوة المادية (نفط الإحساء) ، تمكنوا من تخريب عقول الشباب المسلم ونشر تعاليم الجاهلية الوهابية الآثمة ، فتفشت في الجزائر ومصر وأندونيسيا وغيرها ، لتذبح الأطفال الرضع بالمئات ، وتقتل الأبرياء بعشرات الآلاف ، وتفجر الفنادق والمساجد والمعابد على ساحة تمتد من جاكرتا حتى الدار البيضاء ، ولا تفرق في ذلك بين مسلم و نصراني أو بوذي أو هندوسي ، أو من أي ملة أو دين ، سماوي أو وضعي ، محارب أو مسالم ، من أهل الذمة أو من الذين أخرجوا المسلمين من ديارهم ونكلوا بهم . لا فرق فهم لا يتعلمون إلا القتل طريقا إلى الجنة ، ولا يعرفون أي شيء عن الحياة في سبيل الله كطريق أصيل للفردوس ، لا يدركون أن السّلم قاعدة ، والقتال استثناء ، وإن جنحوا للسلم فأجنح لها ، وفي كل الأحوال ، فالقاعدة أن الله يحرم قتل النفس إلا بالحق ، وأنه من قتل نفسا واحدة دون حق كأنما قتل الناس جميعا ، فما بالك بقتل العشرات بل المئات والآلاف من المسالمين دون حق ، فما يكون هذا ؟! ، ومن يتحمل المسئولية في تسرب هذا الوباء وانتشاره ؟ ! ، والسؤال الأهم من يجب عليه دفع الثمن ؟؟؟؟!.
لا شك أن الدولة الوهابية السعودية النجدية هي المسئول الأول على كل هذه الجرائم ، وهي التي كانت سببا في تشويه الإسلام وتخريب تعاليمه، وتحريف مقاصده الإنسانية السامية ، ونشر التطرف وثقافة الإرهاب ، وهي التي حولت الباكستان تحديدا لبؤرة خطيرة لتصدير الإرهاب ، فالأموال الوهابية السعودية ودعاتهما ، هم الذين أنشئوا المدارس التي خرج منها عتاة الإرهاب في العالم أجمع ، وأسالوا عن طالبان والقاعدة إن غمّ عليكم الأمر ، فلا يوجد إرهابي إلا من أتباع الوهابية ، ولم يسمع العالم بإرهابي صوفي أو من أتباع أي مذهب من مذاهب الإسلام السنية أو الشيعية ، فالإرهاب صناعة سعودية وهابية نجدية خالصة ، وتجارة باكستانية رائجة ، ولن يتطهر أهل الإسلام من نجاسة آثامهما ، إلا بتحرير الحرمين الشريفين من هيمنة المذهب الوهابي الجاهلي ، وتطهير بيت الله الحرام للركع السجود ، ليكون مثابة للناس وأمنا ، فيه حق لكل مقر لله بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، مهما كان مذهبه أو جنسه أو جنسيته ، فلكل مسلم حق في بيت الله يتعبد ويعلم ويتعلم ، وإذا لم يفعل المسلمون هذا على أساس أنه من الواجبات الدينية ذات الأولوية ، فسيفعله غيرهم ، لأن العالم المتحضر لن يسمح باستمرار مثل هذا العبث الدموي القاتل .