د . محمد الإدريسي الحسني
من عاش في أي جزء من القرن العشرين ولم يسمع بالمهاتما غاندي ؟؟! ، (معنى الاسم باللغة السنسكريتية الروح العظمى). ذلك الأب الملهم للقارة الهندية . لقد تذكرت ملحمته المذهلة المستمدة من الملاحم الهندية في سياسة اللا عنف . وأنا أتابع العنف الذي بات سائدا في عالمنا المعاصر . ذلك العملاق الذي انهى بمغزله ومعزته شمس الإمبراطورية البريطانية التي لم تتعود الغروب قبل أن يزهق باطلها بحقه .
لقد نالت الهند استقلالها في 1947- 1948 ، تلك القارة التي اعتبرها البريطانيون تاج الراج ، أو تاج الإمبراطورية البريطانية الدولة التي كانت عظمى امتدت سلطتها وسلطانها من سواحل الصين حتى جزر الباسيفيك . انه صعود وسقوط الإمبراطوريات ، وهكذا حال كل شئ .
ها نحن الآن ، نعتز بسرد قصة حياة ذلك العملاق الجميل ، نتحدث عن مغزله ، الذي أصبح رمزا رفع راية الهند عاليا ، وأوحى لأمته ما يجب عليها فعله لتخرج من محنتها ، حتى استجابت وقامت بتصنيع صوفها وقطنها ، الأمر الذي كان سببا في توقف مصانع الغزل والنسيج في بريطانيا عن الحركة .
تلك الحياة الملحمية التي انتهت على يد هندوسي متعصب ، اغتال المهاتما وهو صائم ، حزنا على الهند ، التي اجتاحتها الحروب الدينية بين الهندوس والمسلمين ، وانتهت بالتهجير والتقسيم ، أولا بين الهند والباكستان ، ثم الباكستان المسلمة انفصلت عنها بنغلاديش فانشطرت نصفين . تجزئة تبعتها أخرى.
مسلمي باكستان انفصلوا بأسم الدين والمذهبية ، ورغم ذلك التقسيم فقد حافظت الهند على وحدتها ، في موزاييك رائع ، ضم مختلف الملل والنحل ، مليار هندي من الهندوس والمسلمين (بمختلف مذاهبهم) ، والبوذيين والباسيين والفرس والسيخ وغيرهم . لدرجة يصعب تعداد مذاهبهم أو لغاتهم أو أعراقهم على العادين .
تلك الوحدة الرائعة في تعددية اثنيه ودينية وعرقية ومذهبية. قال عنها المهاتما غاندي (قد أكون كوجراتيا (هو من منطقة كوجرات) وتكون مدراسيا ، وأكون هندوسيا وتكون مسلما ، ولكن دعونا نغرق في وحدتنا) . تلك الوحدة المتعددة الأطياف كقوس قزح يضيء سماء الهند وينعكس على ارضها الملونة بكل أطياف الأمل والتنوع الجميل المبدع .
تذكرت المهاتما الجليل وأنا أتابع بألم أحداث بومباي العبثية الأسبوع المنصرم ، من أين نأتي بمهاتما مسلم ومسيحي ويهودي وبوذي وهندوسي ولا دين له ، مجردا من المطامع الدنيوية ، كنلسون مانديلا تلميذ المهاتما غاندي الروحي ، ذلك الجميل الآخر الذي طوى صفحة الفصل العنصري البغيض في جنوب أفريقيا ، وهشم البانتوستانات ، وفتح سجلا جديدا ، ليثبت إلى أبناء العرق الأبيض من البوير وغيرهم ، بأن العرق الأسود متفوق في التسامح ، ولا يحتاج إلى عناء الرجل الأبيض لينقذه من تخلفه !!. ذلك العرق المضطهد الذي تفوق في رسالة الغفران الإنسانية ، وفي كتاب معمر القذافي الأخضر الذي تنبأ للسود بسيادة قريبة في العالم بدأت ملامحها تبرز ، مع إشراقة (أوباما) في سماء الكون الأمريكي الذي كان حتى الأمس القريب أكثر المجتمعات البشرية عنصرية.
متى يلتفت هذا العالم الهمجي لمثل هؤلاء العظام ، متى يدرك البشر أن الحضارات قامت على أكتاف رسل القيم الإنسانية السامية ، متى يخرج البشر من نفق التعصب والتزمت ، والتعامل مع رسالات الله الذي من أسمائه السلام بجاهلية جاهلة ومتخلفة ، لا تزرع إلا الشر والألم ، ولا تروج إلا لدعوة الشيطان وحقده حتى وإن توارت خلف أستار الدين ، فما علاقة الدين بزهق أرواح بريئة في مدينة بومباي ، وما الذي استفاده الإسلام وأهله مما حدث ، وعلى أي نص قرآني تستند تصرفاتهم الهمجية أو تقتدي بأي سنة محمدية على صاحبها الصلاة والتسليم .
ألم يحن الأوان بعد ، لتدرك الأمة الإسلامية أن سبب تخلفها الأساس ، ناتج عن مدعي فقه ومروجي حقد وخدم سلاطين ، تمكنوا من السيطرة على القوة الروحية بأسر أهم المقدسات ( مكة والدينة والقدس) ، والقوة المالية بحيازة الثروات وأهمها ثروة النفط ، وعاثوا في الأرض فسادا ، فحرفوا الدين ، وخربوا العقول ، وسعروا الشهوات ، وأفسدوا الحرث والنسل ، ألم يأنى للذين استضعفوا أن ينهضوا ليحرروا مقدساتهم من هيمنة بني سلول وبني صهيون ، وهم لا يحتاجون لأكثر من قلم وقرطاس ومغزل ومعزة ، تدعمها إرادة وصفاء روحي وعشق للمحبة والسلام .