د. فايز أبو شمالة
على الأقل، هذا ما تتمناه الدول العربية، وما يطمح إليه قادتها بعد أن تأكد لهم: أن لا طاقة لهم بإسرائيل، وأن لا رغبة لهم بالقتال، فلم يبق لهم إلا مناشدة الرأي العام، واختراق الوجدان اليهودي في إسرائيل، لعل وعسى يقتنع بمبادرة السلام العربية، التي لا يعني تسويقها في الصحف العبرية اعترافاً عربياً بدولة إسرائيل، وإنما إقرار عربي بقدرة هذه الدولة على إملاء شروطها، وفرض إرادتها على المنطقة، فجاء التوجه العربي إلى الوجدان اليهودي بهدف الإغراء، والإقناع، ومن ثم التأثير على مسار الانتخابات البرلمانية فيها.
فهل يستجيب الوجدان اليهودي للمناشدة العربية، أم أن للعقل اليهودي تفاعلاته التاريخية التي قد ترتد بشكل مغاير، وتميل للتطرف، كلما جنح العرب إلى السلام، مثلما حصل مع وثيقة التفاهم التي تبناها سري نسيبة، وعامي أيلون، سنة 2002، وما رافقها من حملة إعلامية في الصحف، لم يبق الواقع منها أثراً؟.
الشكر للمتغيرات الإقليمية، ولتصاعد المقاومة الفلسطينية التي نفضت الغبار المتراكم على مبادرة السلام العربية منذ سنة 2002، وأجبرت العقل اليهودي على التفاعل مع الوجدان، ومراجعة الخيارات، والبدائل التي أضحت محكومة بالمواجهة العسكرية غير مضمونة النتائج للدولة العبرية، أو التجاوب مع مبادرة السلام العربية، ومن يحسب أن المناشدة عبر الصحف، والترقق بنداء السلام سيخدش الوعي في إسرائيل فقد ضل الطريق، وابتعد عن فهم المزاج العام للدولة العبرية، وكيفية اتخاذ القرار، عندما عمدت إلى انتخابات برلمانية سنة 1999، فاز فيها “أهود براك” زعيم حزب العمل، لتفادي اختلاف حكومة “بنيامين نتانياهو” زعيم حزب الليكود مع إدارة الرئيس الأمريكي “بل كلنتون” ونجحت إسرائيل في مواكبة المتغيرات، لدى صعود نجم “جورج بوش” الابن نهاية سنة 2000، إذ سمح “أهود براك” رئيس الوزراء، لزعيم المعارضة في حينه “أرئيل شارون” بزيارة المسجد الأقصى 8-12-2000، تحت حراسة ثلاثة ألاف جندي إسرائيلي، رغم تحذير كل وسائل الإعلام، والخبراء بأن هذه الزيارة ستفجر انتفاضة فلسطينية، وهذا ما حصل، لتجري الانتخابات الإسرائيلية بعد ثلاثة أشهر تحت شعار؛ مواجهة، وتصفية الانتفاضة الفلسطينية، ويفوز “شارون” برئاسة الوزراء مستثمراً وجود حكومة أمريكية محافظة برئاسة ” بوش” لتمرير الخطط الإستراتيجية للدولة العبرية، ويجيب على السؤال المحير في ذلك الوقت، لماذا رشح حزب العمل “أهود براك” لمنافسة ” شارون” زعيم حزب الليكود رغم استطلاعات الرأي التي أكدت أن ترشيح “شمعون بيرس” على رأس حزب العمل كان كفيلاً بأن يهزم “شارون”؟.
فكيف ستستقبل إسرائيل اليوم الرئيس الأمريكي “أوباما” ؟ هل ستقدم زعيم الليكود “نتانياهو” رئيساً للحكومة، أم ستدفع باتجاه زعيمة حزب كاديما “تسفي لفني”؟ وهل إسرائيل معنية بالتنسيق، أم بالتصادم مع الرئيس الأمريكي الجديد، كما ألمح الكاتب “أمير أورن” في صحيفة هآرتس: بأن تسلم “بنيامين نتانياهو” القيادة في مواجهة الرئيس الأمريكي يعني التصادم المعلوم مقدما؟. وهذا ما نبه إليه “ألوف بن”: بأن علاقة “نتان ياهو” ستكون سيئة مع “أوباما” وفيها احتكاك كما كانت علاقاته سيئة بالرئيس كلينتون قبل عقد من الزمن.
حدثان يؤشران على الرغبة الإسرائيلية في التنسيق، وليس المواجهة؛ الأول: كان قرار إسرائيل الحزبي ـ إفشال ـ أو تأجيل تشكيل الحكومة برئاسة “تسفي ليفني” وذلك إلى حين ظهور النتائج النهائية للانتخابات الأمريكية، ومن ثم تجرى الانتخابات الإسرائيلية على هدي نتائج الانتخابات الأمريكية. والثاني: التلميح بالموافقة الإسرائيلية المشروطة على المبادرة العربية، والتي تجيء كمقدمة للتعامل، وتنسيق المواقف بين الإدارة الأمريكية الجديدة، وبين الحكومة الإسرائيلية القادمة.
ما سبق يخالف استطلاعات الرأي التي تعطي حتى الآن لحزب الليكود 37 مقعداً، بينما تعطي لحزب كاديما 25 مقعداً، وتستبعد حزب العمل إلى 7 مقاعد فقط، فكيف ستؤثر مصلحة إسرائيل العليا على الناخب الإسرائيلي؟ كيف تستبعد “بينامين نتانياهو” وقد انظم إليه كل من “بني بيجن” وسلفان شالوم” و”بوجي يعلون” وآفي إيتام” و”ميري رجف” وعضو الكنيست “يحيئيل حزان، ولاعب كرة السلة ” طال برودي” في تكتل قوي تؤكد استطلاعات الرأي حصوله على الأغلبية؟

0; أحسب أن الساحة السياسية الإسرائيلية ستشهد تطورات خارجة عن المألوف الحزبي في المرحلة القادمة، تهدف إلى رفع أسهم تكتل الأحزاب الأقرب للتعاون مع السياسة الأمريكية، والتي تنسجم مع معطيات الساحة الدولية، لذا ستحرص القوى اليهودية في المرحلة القادمة على إيجاد تكتل حزبي سياسي جديد قادر على الفوز، وقد تكون إزاحة “أهود أولمرت” عن الواجهة السياسية مؤشراً، وانشقاق “يسرائيل حسون” الرجل الثاني في حزب “إسرائيل بيتنا” وانضمامه إلى حزب “كاديما”، وكذلك انضمام “نحمان شاي” الناطق باسم الجيش الإسرائيلي سابقاً، جزءاً من هذا التوجه، ومن المحتمل أن تجري ترتيبات ما في مرحلة لاحقه للجمع بين حزب كاديما، وحزب العمل في تكتل مقبول على المجتمع الدولي، وقادر على المناورة السياسية في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة.
0; أحسب أن الساحة السياسية الإسرائيلية ستشهد تطورات خارجة عن المألوف الحزبي في المرحلة القادمة، تهدف إلى رفع أسهم تكتل الأحزاب الأقرب للتعاون مع السياسة الأمريكية، والتي تنسجم مع معطيات الساحة الدولية، لذا ستحرص القوى اليهودية في المرحلة القادمة على إيجاد تكتل حزبي سياسي جديد قادر على الفوز، وقد تكون إزاحة “أهود أولمرت” عن الواجهة السياسية مؤشراً، وانشقاق “يسرائيل حسون” الرجل الثاني في حزب “إسرائيل بيتنا” وانضمامه إلى حزب “كاديما”، وكذلك انضمام “نحمان شاي” الناطق باسم الجيش الإسرائيلي سابقاً، جزءاً من هذا التوجه، ومن المحتمل أن تجري ترتيبات ما في مرحلة لاحقه للجمع بين حزب كاديما، وحزب العمل في تكتل مقبول على المجتمع الدولي، وقادر على المناورة السياسية في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة.
في حالة حدوث ما نقدره، وتقدمت الأحزاب المؤيدة ـ إعلامياً ـ للمبادرة العربية، فإن ذلك لا يعني أن إسرائيل في طريقها إلى السلام، بل على العكس من ذلك، فالدولة العبرية تحسن فن المناورة، وتنحني بذكاء للمتغيرات، لقد عقبت “تسفي لفني” على ما نشر في صحيفة “يديعوت أحرونون” بأن “أولمرت” بعث رسالة إلى الرئيس السوري عبر وزير الدفاع التركي، يبلغه فيها رغبته استئناف المحادثات غير المباشرة بين الجانبين، عقبت “لفني” قائلة: ينبغي الفحص، فإذا كان الحديث يدور عن صيانة جارية للمفاوضات، فلا بأس، أم إذا كان الحديث يدور عن فرض حقائق على الأرض، ففي هذه الحالة فهو غير مقبول.
إن تحليل البنية الحزبية الإسرائيلية، وتقدير التركيبة الحكومية القادمة، لا يأتي من باب التنجيم، وإنما من باب التقدير للتحالفات الأقدر على تمثيل مصالح الدولة العبرية من وجهة نظر أصحابها، وما شهر فبراير 2009، موعد الانتخابات الإسرائيلية ببعيد، ليبقى على حكام العرب، والفلسطينيين أصحاب فكرة نشر مبادرة السلام في الصحف العبرية، التنبه إلى أن المجتمع الإسرائيلي سيناور سياسياً تفادياً لظهوره بمظهر الرافض لمبادرات السلام.