بقلم نقولا ناصر*
لقد كان امرا مستغربا ومستهجنا ان يسارع المفاوض الفلسطيني الذي يقود منظمة التحرير الى مهاجمة مهرجان شعبي عربي ودولي اصدر “الاعلان العالمي للدفاع عن حق العودة الفلسطيني” بعد “الملتقى العربي الدولي لحق العودة” الذي استضافته العاصمة السورية دمشق لمدة يومين في الثالث والعشرين من الشهر الجاري بدعوة من المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي – الإسلامي والمؤتمر العام للأحزاب العربية والاتحادات العربية للناشرين والصحفيين والفنانين والحقوقيين والمحامين والكتاب والادباء والمهندسين والمعماريين والمهندسين الزراعيين والفلاحين والصيادلة والاطباء والمعلمين والنساء والطلاب والشباب والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وغيره من المتضامنين في العالم مع القضية الوطنية للاجئين الفلسطينيين .
فالمسوغات التي ساقها هذا المفاوض متهافتة ، وقد لخصها الناطق الرسمي باسم حركة فتح احمد عبد الرحمن (الإعلام المركزي ، رام الله في 25/11/2008) بالدفاع عن “القرار الوطني الفلسطيني المستقل” خشية “مصادرته” وب”التطاول على الشرعية الفلسطينية” خشية منازعتها ، وب”التدخل الوقح في الشؤون الداخلية الفلسطينية” ومنع فتح “من أداء رسالتها النضالية” ومحاولة “ابقاء حماس في النسيج الوطني الفلسطيني والعربي والدولي” وباستقبال دمشق ل”هؤلاء الانقلابيين الذين ارتدوا على الشرعية” ، الخ ، فهذه المسوغات متهافتة لانه لا يعقل ان يكون “ملتقى” شعبي يصف نفسه بانه “عربي دولي” ، لا فلسطيني ، تهديدا لاي شرعية فلسطينية ولا لاي قرار مستقل لها ، ولا يعقل ان يكون مثل هذا الملتقى مؤهلا لا لتجريد فتح من اي “رسالة نضالية” تختارها ولا لتجريد حماس مما اعترف به حتى الرئيس محمود عباس اكثر من مرة بانها جزء من نسيج الشعب الفلسطيني او من اعتراف وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ الاخير في القاهرة بشرعية المجلس التشريعي الذي وصلت الحركة الى قيادته عبر صناديق الاقتراع . اما الدول العربية المعنية باتهام “التدخل الوقح” في الشان الفلسطيني وبتمويل الملتقى “بالذهب الاسود” فانها هي المعنية ايضا بالرد على هذا الجحود بدل ان تحظى بالامتنان لحشدها العربي والدولي للتضامن مع قضية مثل العودة تقع في صلب النضال الوطني الفلسطيني وكانت دائما وسوف تظل اكبر واجل من كل الفصائل والصراعات الفصائلية .
لكن الاستغراب والاستهجان سرعان ما يزولان عند ادراك ان تكرار سوق مثل هذه المسوغات انما يستهدف التغطية على صدع في استراتيجية منظمة التحرير الفلسطينية اعمق واوسع واقدم كثيرا من الانقسام الفلسطيني الراهن ومن اي اصطراع فصائلي قاد اليه او نجم عنه .
لقد استند النضال الوطني منذ النكبة عام 1948 الى حق اللاجئين في العودة ومنذ تأطر هذا النضال في منظمة التحرير الفلسطينية ترسخ هذا الثابت الوطني بربطه بتحرير الارض كطريق للعودة عبر مقاومة الاحتلال الذي اغتصب الارض فشرد اهلها ، وقد رسخ الميثاق القومي ثم الوطني للمنظمة وقرارات مجالسها الوطنية المتعاقبة العروة الوثقى التي لا تنفصم بين التحرير والعودة والمقاومة باعتبارها الثوابت للنضال الوطني والخطوط الحمراء التي لا ينبغي لمتغيرات الحراك السياسي لاي قيادة فلسطينية ان تمسها من قريب او بعيد .
وقد تجسدت تلك العروة الوثقى بين ثوابت النضال الوطني الثلاث كثابت وطني رابع بعد ان تعمدت بدماء الشهداء في خضم المقاومة الوطنية للاحتلال واللجوء ونفي الهوية الوطنية وتحويل القضية الوطنية الى مجرد قضية لاجئين انسانية يجري الان ، بعد كل تلك التضحيات ، البحث عن حل لها انساني و”عادل ومتفق عليه” مع دولة الاحتلال نفسها ، في تجاهل كامل للثوابت ولحقيقة ان منظمة التحرير ذاتها ما كان لها ان ترى النور وما كان في وسعها ان تخوض كل المعارك التي خاضتها وما كان لها ان تدخل الوطن المحتل ولا ان تقيم اي سلطة وطنية او سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال لولا التمسك بتلك الثوابت ولو لم يكن “المخيم” في الاساس قاعدة لها ولو لم يكن اللاجئون وقودها ، بحيث اصبح وجود المنظمة بحكم هذا الامر الواقع مرتبطا ارتباطا مصيريا باللاجئين وقضيتهم ، قبل اي قضية “وضع نهائي” اخرى ، وبحيث اصبح اي انفصام بين طرفي هذه المعادلة لا يهدد الشرعية الوطنية للاجئين وقضيتهم بل يهدد شرعية المنظمة وتمثيلها لهم ، خصوصا بعد اثبت المخيم واللاجئون فيه في الانتفاضتين الاولى والثانية ان مفتاح القضية الوطنية والنضال من اجل ثوابتها وكذلك شرعية اي قيادة فلسطينية سوف يظل امانة تاريخية يحملونها حتى العودة .
لكن قيادة منظمة التحرير التي اعتمدت كاسترات
يجية بديلة حل الدولتين ك”مشروع وطني” والتفاوض كاسلوب وحيد للنضال ، ومنذ وضعت هذه الاستراتيجية البديلة موضع التنفيذ بابرام اتفاق اوسلو عام 1993 وملحقاته ، ما زالت تخوض صراعا داخليا في اطار المنظمة وخارجه لفرض القبول ببرنامجها ، خصوصا بعد ان اضطرت الى تجميد المؤسسات التمثيلية للمنظمة حد الشلل ومقاومة اي معارضة من خارج اطار المنظمة بحجة تهديده لشرعية المنظمة كممثل وحيد للشعب الفلسطيني ، وكان هذا هو الانجاز الاهم للنضال الوطني الذي ما كان له ان يتحقق اصلا لولا الالتزام الصارم بتلك الثوابت .
يجية بديلة حل الدولتين ك”مشروع وطني” والتفاوض كاسلوب وحيد للنضال ، ومنذ وضعت هذه الاستراتيجية البديلة موضع التنفيذ بابرام اتفاق اوسلو عام 1993 وملحقاته ، ما زالت تخوض صراعا داخليا في اطار المنظمة وخارجه لفرض القبول ببرنامجها ، خصوصا بعد ان اضطرت الى تجميد المؤسسات التمثيلية للمنظمة حد الشلل ومقاومة اي معارضة من خارج اطار المنظمة بحجة تهديده لشرعية المنظمة كممثل وحيد للشعب الفلسطيني ، وكان هذا هو الانجاز الاهم للنضال الوطني الذي ما كان له ان يتحقق اصلا لولا الالتزام الصارم بتلك الثوابت .
وقد احتدم هذا الصراع الداخلي على الاخص بعد ان تكشف “اعلان وثيقة الاستقلال” عام 1988 عن كونه مجرد مدخل للاعتراف بدولة المشروع الصهيوني ، وهو المشروع الذي قدم العرب بعامة وعرب فلسطين بخاصة تضحيات جسيمة ارضا وارواحا لمقاومته طوال ما يزيد على قرن من الزمان ، وبعد ان تراجعت قيادة المنظمة حتى عن القرار الاممي الوحيد الوارد نصا في اعلان الاستقلال رقم 181 لتقبل بتقليص حدود دولتها المامولة الى حدود حزيران عام 1967 بدل حدود قرار التقسيم ، ليتحول الاستقلال الموعود واعلانه الى عنوان خلب خلاصته ممارسة العودة المجتزأة و”التدريجية” (لاسباب اقتصادية) الى هذه الدولة ، وليتحول “التوطين” الذي تعلن هذه القيادة معارضتها له في الدول المضيفة للاجئين الى “توطين في دولة فلسطينية” ما زال قيامها على عشرين في المائة من الوطن التاريخي سرابا او املا تسعى وراءه في احسن الاحوال ، ليظل اطلاق اسم مقنع وطنيا على هذه العملية استحقاقا على هذه القيادة اذا كان يزعجها نقد المعارضة لها بان برنامجها يهدد بتصفية قضية اللاجئين” فلسطينيا” ، بغض النظر عن كل المسوغات المساقة والنوايا المعلنة .
ويصف المفاوض الفلسطيني نهجه ب “الواقعية السياسية” ، وهذا النهج يقود المفاوض الفلسطيني في الوقت الحاضر ، وهذا المفاوض يصف ب “العدمية” كل خصومه السياسيين الذين ما زالوا ملتزمين بالميثاق القومي او بالميثاق الوطني لمنظمة التحرير وبكل قرارات مجالسها الوطنية السابقة على المجلس الذي تبنى هذا النهج بتبنيه لحل الدولتين عام 1988 ، وبسبب التزامه بهذا النهج على وجه التحديد يعترف به عدوه ، ولا يعترف بغيره ، ممثلا شرعيا وحيدا لشعبه ، بينما هذا الشعب نفسه منقسم الان على نفسه وفي صلب انقسامه خلاف عميق حول هذه الصفة التمثيلية للمفاوض جوهره قضية اللاجئين ، وهذا انقسام اكبر واعمق كثيرا من الانقسام الذي تقزم اليوم باعتباره خلافا بين هذا المفاوض وبين حركة حماس .
ويغيب عن المراقب غير المتعمق ان حماس انما تغرف من البحر الاوسع لهذا الانقسام الاعمق في مواجهتها مع هذا المفاوض ، الذي يستغل حاليا عدم عضوية الحركة في المنظمة كنقطة ضعف لديها لتاليب المجتمع الدولي وفصائل منظمة التحرير الاخرى عليها ، دون ان ينجح لا هو ولا هذه الفصائل المؤتلفة معه في الحد من استمرار استقطاب الحركة لجماهير منظمة التحرير نفسها المفترض ان يمثلها هذا المفاوض ، وفي قلب هؤلاء جماهير اللاجئين الفلسطينيين الذين يستشعرون خطرا على قضيتهم في النهج الواقعي اياه للمفاوض الفلسطيني لم يستطع هذا المفاوض تبديده حتى الان .
*كاتب عربي من فلسطين