كتب / رداد السلامي
حين يتحدث الرئيس صالح أمام وسائل الإعلام الخارجية يتحدث بحصافة تبديه بشكل مقبول وبريء مما يحدث في اليمن ، وكأن حالة الانسداد السياسي الذي صنعه نظامه كانت بسبب المعارضة اليمنية التي طالما أرهقها بحواراته التي انقلب على اتفاقياتها بتاريخ 18 أغسطس .
يجيد الرئيس صالح فن التلوين للذات وتغيير الحقائق وقلبها لتصب في صالحه وتمرير ما يريده دون الرجوع إلى القوى السياسية بل يتجاوزها بعفوية فيها الكثير من الاستهتار والتحدي السافر ، دون إدراك لخطورة ما يمارسه وارتدادات سياساته المختلة على اليمن ووحدتها ككل .
فكثيرا ما صعر صالح خده لنداءات الإنقاذ الوطني ومبادرات الإصلاح السياسي ، وكثيرا ما راح يمارس مزاجه بعفوية تطغى على سلوكه السياسي ، لتكون محصلة تلك المزاجية قرارات عشوائية ووعود مستحيلة كان آخرها الوعد بجعل الكهرباء في اليمن تعمل بالطاقة النووية ، وكذلك أضحت الوحدة اليمنية في مأزق كبير يتنامى يوما بعد يوم وربما يصل استحالة احتواؤه .
وعكس أهداف الثورة اليمنية التي ناضل اليمنيون من أجلها وقدموا الكثير من التضحيات، يتجلى النقيض فالفوارق بين الشعب وطبقاته تزداد، والاستعمار والإمامة خلفهما الاستبداد والاستفراد ، والجهل في تنام مستمر والتخلف يحتل مساحة واسعة في اليمن ، والجيش تم استخدامه لقمع الشعب وإخراسه إذا ما نادى بإصلاح أوضاعه وتغييرها نحو الأفضل ، والفقر والمرض والجوع من أبراز سمات الوضع وفي ملامح اليمنيين يمكن لأي ناظر أن يرى مدى البؤس المنتشر الذي يلهو على وجوههم .
الدولة لم تتحقق بعد والمؤسسات شكلية يلهو فيها فساد مخيف ، وقارض لأمل أن تصبح في اليمن دولة حقيقية ، لا يديرها مزاج أو هوى ولا قبيلة أو عشيرة ، وكثيرا ما أكد صالح أنه يعرف الفاسدين وكثيرا ما اعترف بوجود الفساد لكنه لم يصنع شيئا يعمل على إيقاف تناميه بقدر ما مارس النقيض تماما فالمؤسسات أفرغها نظامه من الكفاءات وكل من يشعر أنه نظيف أو لم يتلوث بعد تبادر عصبة المصالح التي تدور حول صالح سواء كانوا وزراء أو أقارب أو مستشارون أو غيرهم بدس الشائعات ضد هذه الكفاءات ليقوم الرجل ببترها دون تروٍ وتأكد من حقيقة ما تدسه هذه العصبة، التي جعلت نظام صالح هو الأسوأ على الإطلاق مقارنة بالأنظمة العربية .
لا يعترف صالح بعجز نظامه وفشله برغم كل ما يدل على ذلك وبرغم التقارير الدولية التي تحذر من خطورة استمراره في قيادة البلاد بهذه الطريقة التي مازالت هي السائدة في إدارته لها ، كان آخر هذه التقارير هو تقرير المعهد الملكي للشؤون الدولية بلندن الذي قال أن الوضع في اليمن كل شهر يزداد قتامه .
الرجل لا يكترث لوضع اليمن الذي بات خطيرا، فيما يركز جهوده ويوظف كل مقومات البلاد من أجل إعادة إنتاجه بينما تمضي اليمن بخطى سريعة نحو انهيار وفوضى خطيرين وهو ما لا يتمناه اليمنيون لكنه فرض عنوة وما صالح إلا قدر غير جيد لهم .
بالإضافة إلى أن هناك إشكالية تتقمص صانع القرار اليمني الذي يبدو أنه يتحرك بعشوائية متقنة ولا يوجد ما يحدد توجهاته وقراراته ولذلك فمن الصعب حد تعبير أحد- المحليين السياسيين-تتبعه والحكم الحاسم إلى أين يتجه..فقراراته شخصية وليست مؤسسية وخاضعة للمزاج وردود الفعل معبرة عن حالته النفسية أو قد يتأثر بشخصيات حوله لا تتقن فن المشورة الصائبة تدفعه باتجاه سلوك سياسي غير سليم واتخاذ قرارات جعلته يتخطى بعفوية خطيرة القوى السياسية المعارضة ..فالنظام الذي يتربع عرشه مفرغا من صيغة مؤسسية يحاورها وتحاوره في اتخاذ القرارات المصيرية والهامة والقوى السياسية المعارضة هي أحد الأطراف الهامة التي يجب أن يشترك معها في مثل تلك القرارات، واستبعادها أو تخطيها والاستغناء عنها مؤشر خطير يهدد وجوده أولا، ومصير البلاد ثانيا لأن القرارات الهامة والكبرى لاتهم حزب أو نظام بعينه بقدر ما تهم شعبا برمته .