د. محمد احمد النابلسي
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية
قصة الراعي الكذاب معروفة لا ضرورة للتذكير بها كما لا نجد ضرورة لتقرير ان بوش الراحل هو أكثر الرعيان كذباً. وفي ما يلي لا نريد التذكير بمقالة قديمة لنا بل نهدف لوضع الامور في سياقها وتجنب ظاهرة إدعاء الحكمة بمفعول رجعي التي باتت تضجر قراءنا وتشوش رؤيتهم للأمور. ونبدأ بعرض مقالتنا المنشورة في صحيفة الكفاح العربي في 6 / 8 / 2003 بعنوان “جبين بوش على الحبهة العراقية” وفيها:
تحليل الحركات وتعابير الوجه وإيماءاته تحول الى اختصاص نفسي متفرد, وكانت المخابرات الاميركية سباقة لتوظيفه في مجالها. ولعل بعض القراء سمع عن هذا التطبيق في قنوات الاعلام الاميركي, او قرأه في مجلة نيوزويك التي اعتادت مقابلة المسؤول عن هذا الفرع. لاستطلاع رأيه وتحليله لشخصية هذا الرئيس او ذاك عبر حركاته وتعابيره. وكان صدام حسين آخر الخاضعين لهذا التحليل في نيوزويك.
لكن ماذا عن تحليل بوش في مآزقه المتصاعدة؟ طبعاً لن ننتظر نيوزويك او غيرها كي تقدم مثل هذا التحليل. فهو غير مستحب اميركياً. لكن ذلك لا يعني احتكار الاميركيين لهذا الاختصاص, كما انه لا يعني بحال ان الاختصاص يقوم على التمييز العنصري بحيث يقدم تحليلات للجميع ويستثني الاميركيين. مع ان الاميركيين يودون الحصول على مثل هذا الاحتكار كما غيره من الاحتكارات, ولكي يكون تحليل بوش واضحاً بالنسبة الى القارئ, علينا ان نستعيد ملامح بوش في ازمات محددة وهي: 1 مهرجانه الانتخابي عندما شتم الصحفي و2 مواجهته المتلفزة مع آل غور و3 صوره المباشرة بعد 11 ايلول €سبتمبر€ و4 صوره اثناء اعادة فرز اصوات فلوريدا و5 صوره في المؤتمر الصحفي بعد قمة الازور و6 صوره في المؤتمر الصحفي السابق لمقتل قصي وعدي حسين, ويمكن للقارئ تجميع هذه الصور من المجلات الصادرة في حينه, ويمكنه ان يعتمد على ذاكرته التصويرية.
في هذه المواقف تبرز تجاعيد خاصة في وجه بوش. وتعطيه هذه التجاعيد تعابير خاصة مختلفة عن تعابيره المعهودة. وهو اختلاف يلاحظه غير المتخصصين. وهم يدركون ان هذه التجاعيد هي ملامح ازمة وارهاق, لكن المتخصص يجد في هذه الفروقات دلالات بالغة الاهمية والخطورة.
في القراءة المتخصصة يجب التمييز بين صعيدين. الاول هو صعيد الانفعال وهو مشترك في كل الحالات المذكورة اعلاه. اما الصعيد الثاني فهو صعيد الحالة النفسية المتراوحة بين الغضب €الانتخابات€ والاحراج €المقابلة€ والخوف €بعد 11 أيلول€سبتمبر€ والاضطراب €الفرز€ والانتقام وفقدان الاعصاب في المؤتمر الصحفي, ولنذكر انه وصل الى حدود اعادة توجيه التهم لكل من ايران وسوريا.
على صعيد التعابير الانفعالية نقرأ في تقاطيع بوش وحركاته اندفاعاً نزوياً وغريزياً يجعله عاجزاً عن التركيز الفكري وعن اتخاذ القرار, بما يجعله ميالاً لطلب النصح من جهات متعددة. ومن ثم الاندفاع في الاتجاه الاكثر تناسباً مع ميوله الغريزية. وهي صفة تبرر خضوع مثل هذه الشخصية للايحاء واعتمادها مبدأ التبعية للاشخاص الذين يفهمون الحاجات الغريزية لهذه الشخصية. فإذا ما قرنا هذه الخصائص بالصفات المعروفة لبول وولفويتز فإننا ندرك مقدار تأثير وولفويتز على بوش ودرجة تبعية الأخير له, عن صفات وولفويتز المعلنة هو قدرته على تلميع صورة الاشخاص غير المحبوبين والمنفرين. وهي موهبة يحتاج اليها بوش بسبب عثراته وزلات لسانه المتكررة, التي تجبره غالباً على تقديم الاعتذارات المتتالية, وعليه فإننا لا نستغرب صعود نجم وولفويتز في ظل بوش, لغاية اعتماد الاخير لنظرية الاول المسماة بـ«الحرب الاستباقية» التي اصبحت تدعى بـ«مبدأ بوش». ولهذه النظرية حسنة واحدة هي قدرتها على تبسيط المراحل التاريخية المعقدة وحروب القرن الماضي لتصبح اقرب الى فهم بوش, وهو بالمناسبة يملك جمجمة لا توحي بالكثير من ذكاء صاحبها, وهذا ما يؤكده علم نفس الشكل (Morphopsychology)
. كما اكدته والدة بوش بقولها ان ووكر لم يكن لامعاً في دراسته. وهو ايضاً ما ألمح اليه كاتب خطاباته, الذي شكا من سوء تصرف بوش ببعض الالفاظ التي يكتبها له!؟
اما على صعيد الحالات النفسية الانفعالية فإننا نقرأ تعابير المتشردين والسوقة في وجه بوش عندما شتم صحفي نيويورك تايمز, ونقرأ تعابير فقدان البديهة وقدرة التخلص في مواجهته التلفزيونية. اما صوره عقب 11 ايلول €سبتمبر€ فنقرأ فيها الجبن والاحباط والرغبة في الهروب من حقائق العالم الخارجي, وهو هروب مارسه بوش خلال ازماته السابقة, حين لجأ الى ادمان الكحول والكوكايين ليعزل نفسه عن حقائق الواقع التي يعجز عن احتمالها. فيتركها الى عالم وهمي هوامي خاص به.
ونصل الى حالته النفسية بعد قمة الازور حيث بدا بملامح المغتصب الجنسي الذي نال مبتغاه بالقوة. اما حركاته خلال ذلك المؤتمر فهي تدل على السوقية وانعدام الكياسة والذوق, حيث حرك يده باتجاه رئيس الوزراء الاسباني ازنار €بطريقة فظة وغير مهذبة€ ثم تولى الاجابة بدلاً عنه. مع ان السؤال كان م
وجهاً الى ازنار. وفي هذا جرعة من السوقية التي لا تليق بالرؤساء, وهي تذكرنا بمخالفات ابنتيه وأولاد اخيه الموصوفة بالسوقية والتشرد.
وجهاً الى ازنار. وفي هذا جرعة من السوقية التي لا تليق بالرؤساء, وهي تذكرنا بمخالفات ابنتيه وأولاد اخيه الموصوفة بالسوقية والتشرد.
ونأتي الى مؤتمره الصحفي السابق لمقتل اولاد صدام حسين لنقع على شخص في حالة نفسية تقارب الانهيار. حيث هلع البحث عن مخرج من الوضعية المأزمية يتحول الى هوس توجيه العدوان في جميع الاتجاهات من دون تمييز. وهو ما فعله بتوجيهه تهمة ايواء ارهابيين لسوريا وإيران. وهو ارفقها باستنفار هيستيري استعجل عملية نوعية في العراق لتهدئة هياج الرئيس.
نحن لا نبالغ بالقول ان هذه الحالة الاخيرة تحول بوش الى شخص خطر على اصدقائه وأعدائه معاً, وهذا ما يؤكده معنا المتخصصون في المجال, فعندما تتحول العدوانية الى هوس فهي تفقد بوصلتها وقدرتها على التوجه. بحيث تصبح مرشحة لارتكاب الاخطاء المميتة, ولسنا بحاجة للتذكير بأن نوبة الهياج التي نتحدث عنها ناجمة عن تصاعد المقاومة العراقية, وتنامي احتمالات تحولها للانتظام في حرب عصابات. فإذا ما حدث ذلك فإننا نؤكد بأن بوش سيرتكب من الحماقات ما يجعل ازاحته هدفاً اميركياً استراتيجياً, خصوصاً اذا ما نجح في العودة لتعاطي الكحول مخترقاً الحظر المفروض عليه بهذا الخصوص.
بإمكانك عزيزي القارئ متابعة هذا الاحتمال بمجرد نظرك الى تجعدات جبهة بوش وتغضناتها. فكلما زادت هذه التجعدات اصبح احتمال فقدان بوش لتوازنه اكثر احتمالاً, ولنتابع سوية هذه الجبهة… (انتهت المقالة).
واليوم نضيف الى هذه المقالة التنبيه بان الراعي الكذاب بوش قد وعد مريديه العرب وعوداً كثيرة لم يفي بأي منها. وهو ما يجعلنا نتابع الدعوة لمتابعة جبين بوش لغاية 20 يناير القادم يوم رحيله. أما عن نعيق مترقبي عمل عسكري ما في المنطقة فهو مجرد نعيق تفضحه جبهة بوش فراقبوها جيداً.