مصر… هل تنفض يدها من وساطة التهدئة والحوار ((مابين السطور)) بقلم \\ سعيد موسى لم يعد هناك مجال للشك بان الوساطة المصرية, التي تنطلق من مصلحة مصرية وفلسطينية,قد باتت في مهب الريح وكل يوم يكون أسوء من سابقه في إمكانية نجاح المساعي المصرية لاحتواء الأزمتين على حد سواء, فمن ناحية وضعت مصر نفسها في خدمة طلاب التهدئة, والتي تربطها في وضح النهار اتفاقية سلام مع الكيان الإسرائيلي,في محاولة لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعندما علمت مصر أن التهدئة مطلب فلسطيني وإسرائيلي دعت فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة وبيدها مفاتيح القرار وبغياب حركة فتح , واستطلعت أرائهم ووجدت أن لديهم نفس الرغبة الإسرائيلية التي نقلها الصهيوني”عاموص جلعاد” إلى القاهرة ونجحت القاهرة برعاية مدير المخابرات المصرية السيد عمر سلمان في إخراج التهدئة إلى حيز التنفيذ وتقضي بوقف العمليات العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة دون الضفة الغربية, مقابل وقف إطلاق الصواريخ وفتح المعابر وسقف تلك التهدئة الزمني ستة أشهر توشك حاليا على الانتهاء, ونطاقها الزماني غزة في إشارة واضحة للشرط الإسرائيلي وتأجيل امتدادها للضفة الغربية كما طالبت الفصائل المجتمعة في القاهرة, ولم تلتزم إسرائيل بتلك التهدئة ولا بفتح المعابر بحجة أن هناك نشاطات فلسطينية تعتبر خرقا للتهدئة, وكانت تلك التهدئة تحمل بذور فشلها قبل ميلادها, لان وحدة الدم والنضال والقضية والهم بين الضفة والقطاع كانت الهدف الأول للكيان الإسرائيلي, فلا يعقل ولا بأي عذر من الأعذار أن ترتكب المجازر في الضفة الغربية وهنا يتغنى البعض بالتهدئة لتصبح المعادلة أكثر من عبث وخبث صهيوني أراد تكريس الانقسام بين جناحي الوطن. ومن ناحية أخرى وضعت مصر كل ثقلها السياسي وإستراتيجية علاقتها المصيرية بالقضية والشعب الفلسطيني, كي تنجز ماهو اهم من الوساطة الفلسطينية الإسرائيلية, في محاولة لإنهاء أزمة بل كارثة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني, مع علم القيادة المصرية المسبق بتعقيدات المهمة وما آل إليه الوضع الفلسطيني من تجاوز لكل الخطوط الحمراء وسقوط الحرمات وبالتالي صعوبة خط العودة, إلا أن مصر أرادت البناء على الجهود السعودية واليمنية والعربية والإسلامية, ومن منطلق امتداد الأمن القومي المصري لم تتردد مصر في ركوب الصعب واقتحام خطوط المحال, وسعت سعيا دءوب بواسطة أقطاب أمنها وخارجيتها للاتصال مع الفرقاء الفلسطينيين لأشهر عدة تتفحص الحالة والآراء والممكن والمستحيل, لم تيأس القيادة المصرية للحظة واحدة فجعلت من وساطة الحوار أولوية أمنية مصرية أسندت إلى جهاز المخابرات العامة, وأصبح السيد عمر سليمان رمزا وحمامة سلام تشخص له ولمصر قيادة وشعبا أبصار الشعب الفلسطيني المتلهف إلى مصالحة فلسطينية, للتخفيف من معاناته اليومية ولإعادة الأمور إلى نصابها حيث شماتة الصديق قبل العدو, وإنقاذا لما يمكن إنقاذه حيث مؤشرات تراجع القضية الفلسطينية من أجندات وأولويات السياسة الدولية إلى حضيض عدم الاكتراث بمبررات الانقسام والاقتتال الفلسطيني في الصراع على سلطة أوسلو المصيدة. ورغم النجاح الشكلي أو الجزئي في الوساطة بين الكيان الإسرائيلي وحركة حماس ومن خلفها فصائل المقاومة الأخرى, وقد برر البعض هذا النجاح الجزئي بسبب عدم التدخلات الخارجية العربية والإقليمية لتخريب تلك الوساطة التي هي مصلحة لطرف بعينة ومصلحة عامة في نفس الوقت فيما لو صدق العدو في تنفيذ وعوداته وتعهداته, رغم أن الباحث عن مصداقية الكيان الإسرائيلي إنما يلهث خلف السراب والتاريخ القديم الحديث شاهد, لان التهدئة لديهم ليس بمستوى من الندية التي ينظر إليها الطرف الفلسطيني, وقد مرت تلك التهدئة بمرارتها وقد شهدت عشرات الخروقات الإسرائيلية, تلك التهدئة التي توافق عليها دون تنسيق مباشر حتى الفرقاء الفلسطينيين, المهم أن الأشهر الستة التي تكاد أن تنقضي خلال الأيام القليلة القادمة كانت بمثابة جحيم على الشعب الفلسطيني في غزة حيث اشتداد هجمة الحصار وغلاء الأسعار وتضييق الخناق على مليون ونصف مليون مواطن فلسطيني غزي, وكل هذه العقوبات الجماعية كانت تتناقض مع روح التهدئة والتي قصد بها الأعداء تهلكة ومزيدا من المعاناة, مرت ستة أشهر من الجحيم ويبدوا أن الصهاينة طابت في أنظارهم قبول الفلسطينيين واستسلامهم لمصير “ذبح الخراف”, فأرادوا أن نقبل مزيدا من تلك التهلكة الجحيمية حيث الموت الجماعي البطيء, فسحقا لتهدئة لاترفع الحصار لان سلاح الحصار أكثر فتكا من دانات المدفعية وحمم الاباتشي النازية. وقد توجت مصر بمجهوداتها الجبارة في قضية الحوار بورقة عمل مصرية تم قبولها من جميع الأطراف مع بعض التحفظات من هذا وذاك, واستبشر بحذر الجميع خيرا متضرعين إلى الله أن يوفق الفرقاء على أيدي المصريين الأشقاء كي يخترقوا حالة الضياع والشتات والشرذمة الفلسطينية التي أثلجت صدر العدو القريب والبعيد, وحدد موعد لالتقاء الفرقاء كي يوقعوا وثيقة المبادئ التوافقية المصرية, ومن ثم تبدأ لجان الحوار اشتباكها الوطني لإنقاذ القضية والشعب من براثن الانقسام المدمر. إلا انه ولم يعد خافيا على احد استماتت جهات عربية وإقليمية ودولية, كي تسحب البساط من تحت أقدام القيادة المصرية, لان في حالة الانقسام الفلسطينية ورقة ومفتاح يعين تلك الجهات العربية والإقليمية والدولية على تسخير تلك الحالة الكارثية لخدمة ق
ضاياها الإستراتيجية والثمن الذي يدفعه الفلسطيني من دمه ووحدته ملايين أضعاف الثمن الذي يتوهم البعض أن تلك الجهات داعمة له بالحق في وجه أخيه الباطل كما يدعون,وأخشى أن يستفيق البعض على صدمة من تغير حاد في مواقفها بما يتماشى مع المتغيرات على مصالحها, وبالتالي يصبح حليف الأمس متنكرا لكل تعهداته هذه هي طبيعة تقلبات المصالح السياسية, ولم يعد خافي على القيادة المصرية وعلى الأطراف الفلسطينية أن أطرافا خارجية تريد إفشال الجهد المصري ومن خلفه الدعم السعودي الأردني العربي, في رسالة واضحة إلى مصر بان مفاتيح الاستقرار والحوار لم تعد في يد القيادة المصرية وحلفائها, أي بمفهوم آخر تجريد مصر من زمام المبادرة والقيادة العربية التاريخية التي امتلكتها والرسالة بذاتها موجهة إلى المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية, فوضعت من خلف حجاب العصي الغليظة في دواليب الحوار, وأخذت الأطراف الفلسطينية تكيل كل إلى الآخر المسئولية عن إفشال الحوار قبل أن يبدأ, لكن مصر حاولت حتى آخر لحظة بتجاوز العراقيل الخارجية المسعورة والتي لم تكن كهجمة في وجه التهدئة مع الكيان الإسرائيلي, ودعت مصر الفصائل الفلسطينية لحوار شامل في القاهرة مع جاهزية كاملة لرعاية مصرية طيبة تنهي صفحة الانقسام الفلسطيني الذي كان له تداعياته الخطيرة ليس فقط على الوضع الفلسطيني, بل على الوضع العربي برمته, إلا أن حركة حماس في اللحظة الأخيرة لم تتوجه لطاولة الحوار بدعوى الاعتقالات السياسية لقيادتها وعناصرها من قبل أجهزة السلطة الوطنية في رام الله , ولست هنا لتفنيد أو إثبات أو دحض أي مبررات, إلا أن الحوار ولد ميتا وكان شيئا لم يكن, وانتزعت المبادرة من يد القيادة المصرية لتشير إلى مراكز قوى عربية وإقليمية أخرى لابد من دعمها لهذا التوجه كي ينجح الحوار, وليس القضية هو ادعاء الفرقاء واختلافهم, إنما القضية اختلاف من ينصبون أنفسهم أوصياء على الشعب الفلسطيني بما يتوافق مع خدمة قضاياهم في مواجهة التهديد الأمريكي والإسرائيلي. نعم هو إفشال وليس فشل, ورغم انعقاد الاجتماع الطارئ للجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب, وثنائهم على المجهودات المصرية وبين السطور همز ولمز باتهام مصر بعدم التوازن والحياد في الوساطة وهذا شيء معلوم مسبقا, إلا أن الوزراء العرب في مقرراتهم الأخيرة كما توقعنا سلفا قرروا عدم إدانة أي طرف من الفرقاء وتحميله مسئولية تعطيل وإفشال الحوار, بل كانت قراراتهم متوازنة ومنطقية لجعل الباب مفتوحا لإعادة الحوار من جديد على الساحة المصرية وبدعم عربي لا أقول كاملا إنما أقول شبه كامل, وفي عملية الشبه هذه تكمن عصي اشد غلظا في تعطيل أي حوار قادم بل جعله مستحيلا, ويبقى السؤال محيرا , هل أنجز الاجتماع الوزاري العربي الاستثنائي الأهداف التي انعقد من اجلها؟ قد يخال للبعض الإجابة بنعم فيما لو قبلت جميع الأطراف تلك المقررات التي تليت في البيان الختامي العربي, واقصد بالأطراف ليس الفلسطينيين فحسب, بل وحتى الأطراف العربية الموقعة أو المتوافقة على تلك المقررات, ولم تتأخر الترجمة للتقاطعات العربية والتي تظهر في السلوك الفلسطيني الفلسطيني, فقبل طرف ورفض الآخر تلك المقررات بشتى المبررات والأوصاف. والسؤال هنا في ظل هذه المعطيات, وما واكبها من تصريحات قيادية مصرية وفلسطينية وتبادل الاتهامات, التي ذهبت في البعض لتجاوز حدود التصريحات الدبلوماسية واللياقة والكياسة, هل فعلا ستعيد مصر الكرة للدعوة لجولة حوار فلسطيني جديد؟ وما هي المستجدات التي تختلف عن المقدمات كي تدعو مصر إلى جولة حوار جديد معطياته الحالية فشل أو إفشال ثاني مؤكد؟ طالما اعتبر الراعي باتهام صريح من أطراف عربية وفلسطينية انه ليس نزيه وليس محايد؟؟ أم أن مصر ستنفض يدها كوسيط ليس في مسالة الحوار فقط وإنما في مسالة التهدئة كذلك؟ وتعيد ملف الحوار في قمة عربية طارئة جديدة تدعي لها بطلب من الأمين العام لجامعة الدول العربية؟ وفي هذه الحالة ماهو مصير العلاقات الشكلية والرسمية المصرية الفلسطينية مع قطاع غزة والحكومة المقالة التي تدير أوضاع القطاع؟ هل نشهد توترا يتبع التصريحات والاتهامات بين القيادة المصرية وقيادة حركة حماس في القطاع؟ والى أي مدى يكون لذلك التوتر تداعيات على مليون ونصف مليون مواطن تعتبر النافذة المصرية لهم بمثابة رئة ومتنفس وحيد إلى العالم الخارجي؟ فهل تنفض مصر يدها من مسئوليتها التاريخية صوب بوابة أمنها الشمالية, وتعلن وقف كل مساعيها لتهدئة مع الاحتلال وحوار مع الفرقاء,وفي هذه الحالة ماذا سيكون موقفها أو موقعها كذلك من مسالة الوساطة في قضية صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح الأسير الصهيوني”جلعاد شاليط”؟ وفي حال قرار مصري بوقف الوساطة الثلاث ردا على التشكيك بنزاهة وساطتها في القضايا الثلاث, من ستكون الجهة البديلة؟ وهل ستسلم مصر وحلفائها بانتزاع زمام المبادرة من يدها؟ ولا اعتقد أن مصر بسهولة ستسلم بذلك؟ وربما هناك تكون ردة فعل مصرية توقعها البعض وتجاوزها الأشقاء المصريون بدبلوماسية؟ أم أن مصر صاحبة النفس الطويل والدبلوماسية العريقة والريادة التاريخية والمصير المشترك, ستحاول وتحاول من جديد لتحمل مسئولياتها من منطلق المصلحة المصرية الفلسطينية القومية المشتركة؟؟!! [email protected]