أسامة عبد الرحيم*
نقلت القنوات التلفزيونية العربية والأجنبية مأساة الطفل الفلسطيني المصاب بالشلل الرباعي ماهر العسلي، الذي حرمه الحصار المفروض على غزة من الحصول على الأوكسجين الصناعي اللازم لبقائه على قيد الحياة.
العجيب أن الطفل ماهر لم يكن في الكونغو حتى تتنصل الدوائر القومجية والثورية العربية من الاهتمام به كما اهتمت بحياة السلاحف البحرية ورصدت لها أكثر من 50 مليون دولار لحمايتها من الانقراض.
الأمر اللافت للنظر، هو تعمد القنوات التلفزيونية الحكومية تغطية الحصار “المرّ” المفروض على غزة في بعد سياسي يحصر المشكلة في الهجوم على حركة “حماس” سياسياً ، باعتبارها المتورطة في استمرار إغلاق أقفال المعبر بعد ضياع النسخة المصرية من المفتاح..!
مأساة الطفل الفلسطيني ماهر العسلي دليل إدانة دامغ أمام محكمة السماء قبل أن يمثل مجرميها أمام محاكم الأرض، حيث أنه من الضروري بموجب القوانين الدولية- التي لا نصيب لنا منها سوى العقوبات- مثول رؤساء الدول العربية مجتمعة أمام محكمة مجرمي الحرب لمسئوليتهم الكاملة عن الوضع المأساوي الذي يتعرض له القطاع المحاصر من قبل الاحتلال الصهيوني.
فوضع الدول العربية بات أشبه بصبيان الجزار الذين يمنعون فرار الذبائح من المسلخ الصهيوني في غزة، صمتهم المريب تتخلله تهديدات محمومة بكسر رجل أي شيخ أو امرأة أو حتى طفل يوسوس له الأمل في عبور المعبر المغلق بأوامر شقيقة عربية كبري.
تبلورت هذه التهديدات عملياً حيث أغرقت نصف أنفاق الأمل التي يتسلل منها الغذاء والدواء إلى المحاصرين في غزة بالغاز القاتل، والنصف الآخر جاري تفجيره بأيادي عربية وخبرة أمريكية، فيما يعد حالة نادرة في التاريخ البشري لسياسة إبادة جماعية ضد شعب بأكمله، حدثت مرة للهنود الحمر على يد المستعمرين الأوروبيين وتحدث في غزة للمرة الثانية.
الصمت العربي لم تعد تواري سوءاته احتجاجه بالمجتمع الدولي، لأن هذا المجتمع هو الذي سير انتفاضة السفن –وليس الأشقاء- لكسر الحصار القاتل، في حين منع الأشقاء قوافلهم واكتفوا بالدعم “الحنجوري” وتحميل المحاصرين أنفسهم مسئولية الحصار..!!
وعلى منوال “إذ لم تستح فاصنع ما شئت” منعت الشقيقة الكبري وصول قوافل الإغاثة إلى غزة بالرغم من قرار المحكمة الإدارية الملزم للحكومة بإفساح الطريق وإزالة المتاريس أمام القوافل لتتواصل مع من لا حول لهم ولا قوة داخل القطاع، يقابل هذا المنع التزام عميق بتوصيل الغاز إلى الاحتلال في ظاهرة غريبة من “الحمق الحاتمي” لا تجد من يفسرها.
حصار صبيان الجزار الصهيوني أسفر عن مقتل 261 فلسطيني نصفهم من الأطفال، و بات يضغط بعنف على أعناق الفلسطينيين ليستأصل أنفاس المقاومة من صدورهم، ليقبلوا نهاية المطاف بخيار البقاء مقابل الأرض والعرض، وهو ذات الخيار الإستراتيجي الذي قبله الثوريون والقومجيون العرب وبات يشاركهم مضاجعهم، حتى انه لم يعد في جعبتهم إلا قطع الهواء عن غزة.
الضحية الفلسطينية الطفل ماهر العسيلي يحتفل بعيد ميلاده الثالث عشر بمنح عائلته المحاصرة بسمته الأخيرة قبل الرحيل، وحيث أنه مصاب بشلل رباعي فلن يستطيع اقتحام المعابر، وكفى الأشقاء العرب مؤنة كسر قدمه لو فعل.
وهو على أي حال لن يستطيع التسلل عبر الأنفاق التي تسرب إليها الغاز “العربي” القاتل، حيث أنه يعاني من فشل كامل في جهازه التنفسي ما يضطره إلى الاعتماد في شكل دائم على جهاز التنفس الاصطناعي، فضلاً عن أنه لن يستطيع التحول إلى سلحفاة بحرية جديرة بالشفقة العربية لتشمله الحماية من الانقراض..!
ــــــــــــــــــ
كاتب وصحفي مصري