بالاضافة الى ما تعانيه الشعوب العربية من فقر وعوز وحاجة، ويرزح نحو نصف سكان البلاد العربية تحت خطوط الفقر، وتنامي معدلات البطالة .. مما دفع شباب العرب لركوب سفن الموت في محاولة للهرب من بلدانهم الى دول الغرب “الكافر”، فلربما يكون اكثر عطفا وحنانا عليهم من تراب وطنهم الغالي..!!، وفي ذات الوقت الذي ترتفع فيه نسب العنوسة بين الشباب والشابات لعدم مقدرتهم على توفير مسكن متواضع يأويهم ، وفيما تزداد الرشوة والمحسوبية والواسطة والفساد المالي والاداري في كل بلاد العرب، بسبب الفقر والتخلف الاقتصادي ، ها هو البنك الدولي يبشر شعوب العرب بمزيد من الفقر والعوز والحاجة والبطالة، والضعف والتردي والهوان.
جوستن لين – نائب رئيس البنك الدولي وكبير اقصادييه قال في كلمته خلال المؤتمر الدولي لتمويل التنمية المنعقد بالدوحة إن الدول النامية واجهت مشكلات رئيسية خلال العام الماضي، وتوقع أن يكتوي الفقراء في هذه الدول بصورة أشد من غيرهم بسبب الأزمة المالية العالمية.
واضاف “ان انخفاض معدل النمو في الدول النامية بنسبة 1% يعنى قذف 20 مليون شخص إلى هوة الفقر، مشيرا الى ان الأزمة المالية العالمية وأزمة الغذاء القت بأكثر من مائة مليون شخص في العالم إلى هذه الهوة، وتوقع ايضا انخفاض تدفقات رأس المال الخاص إلى الدول النامية من تريليون دولار في العام الماضي إلى نصف هذا الرقم في 2009.
وهذه التوقعات المرعبة تضع بلادنا العربية وكلها ولله الحمد من الدول النامية او “النايمة” امام مرحلة صعبة جدا، فمن المعروف ان معظم دولنا العربية تعيش على المساعدات، ومن خلال هذه المساعدات تدفع الحكومات رواتب موظفيها وجيوشها وشرطتها ومخابراتها، وهؤلاء الموظفون على اختلاف درجاتهم يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع، بل انه يشكلون ميزان التوازن الامن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. واذا حصلت أي هزة في اوساط طبقة الموظفين فان البلاد ستفتقر عنصرا رئيسيا من عناصر الاستقرار في كل الميادين.
الامر الذي ينذر بمخاطر شديدة ، تفرض على الحكومات العربية ودون اسثناء ان تجد حلولا ناجعة وان تخذ خطوات استباقية لتفادي هزات سياسية واقتصادية واجتماعية. واول هذه الخطوات ان تضع برامج تلغي من حساباتها الاستمرار بالاعتماد على المساعدات الدولية، وذلك لسبب بسيط وهو ان الدول الغنية وبالرغم من الفتات الذي تلقيه لبعض حكوماتنا العربية، الا انها وعلى ضوء الازمة المالية التي عصفت باقتصاداتها لن تتمكن من الايفاء بالتزاماتها السابقة، ومن المؤكد ان يتم تقليص مساعداتها لدولنا ولكافة الدول الفقيرة مثل دولنا.
واخطر ما يترتب على الازمات المالية، وضعف الناتج القومي للدول، وانخفاض المساعدات الخارجية ، تلك الاخطار الاجتماعية التي تصيب المجتمع ، حيث تزداد معدلات الجريمة والانحراف الاخلاقي والاجتماعي فيزداد عدد اللصوص والعاهرات والنصابين والمجرمين من كل الانواع، اضافة الى ازدياد التسرب من المدارس، وزيادة اعداد اطفال الشوارع، وازدياد تمركز الثروة بايدي القلة من الناس، مما يوسع من الفروقات الطبقية، ويزيد من الاحتقانات والكراهية والشعور بالغبن وكلها عوامل تؤدي الى عدم الاستقرار بل الى الكوارث.
وهذا يتعارض مع كل الطموحات والاهداف التي تسعى اليها الامة والقوى المخلصة فيها، وفي مقدمتها تحقيق معدلات معقولة من التنمية والنمو الاقتصادي، حتى تتمكن امتنا من النهوض من الكبوة التي ترزح في اغلالها منذ عقود طويلة.
والحقيقة ان ما نطالب به ليست اماني عصية على التحقق، لان التخلف والضعف الاقتصادي الذي تعيشه بلادنا احد اسبابه الرئيسية هو ضعف الادارة الاقتصادية .. وبشكل عام ضعف الادارة السياسية، فموارد بلادنا هائلة، وامكانياتها الاقتصادية كبيرة جدا، تمكنها من ان تصبح قوة اساسية كبرى لو احسنت الادارة السياسية استثمار مقدرات بلادنا ، واولها وضع الخطط والبرامج للتنمية البشرية، وتعزيز اواصر التعاون الاقتصادي والسياسي بين دول العالم العربي، وخلق اليات للتكامل الاقتصادي، والاقتناع بان الدولة المنفردة مهما كانت ثرية ولديها ارصدة مالية فان ذلك لا يعني انها تمتلك قدرة او قوة اقتصادية، فبدون عناصر الاقتصاد الحقيقي والاستثمار الرأسمالي الحقيقي لا يمكن خلق اقتصادات قوية.
فيا شعوب العرب امام ما ينتظركم من اهوال واوضاع مرعبة لعدد كبير منكم، عليكم ان تتحملوا مسؤوليتكم، فبدون العمل وباخلاص شديد، واحترام قيم العمل والتفاني في تنفيذ ما يسند اليكم من مهام، فانكم ستواجهون اوضاعا صعبة.<
/div>
وللشباب والشابات في جامعات العرب عليكم ان تدركوا ان حصولكم على الشهادة لا يمنحكم افضلية، فبدون احترامكم للتعليم، والاجتهاد في الحصول على العلم وليس على الشهادة، فانكم سوف تنضمون لطوابير البطالة والعاطلين عن العمل، او العمل في مهن وضيعة، هذا في احسن الحالات.
وبدون هذه الازمات وقبل حدوثها يمكنكم ان تشاهدوا بأم اعينكم كيف ان شابة حاصلة على بكالوريس تجارة تعمل عاملة في محل لبيع الملابس، فيما المهندس يعمل في محطة بنزين، وخريج لغة عربية يعمل في مطعم لبيع الفلافل او الطعمية كما يسميها اخوانا المصريين. بينما مئات الالاف من الخريجين عاطلون عن العمل.
ان من تصور وشمت وهلل وفرح بالازمة المالية العالمية ظنا منه انها تمس فقط بلاد الكفار والامبريالية المتوحشة نسي او تناسى او انه كان جاهلا اصلا بعمق الترابط بين الاقتصادات العالمية، وبان العالم اصبح قرية واحدة، وانه اذا تعطل عامل في مصنع للسيارات في ديترويت جاع عشرة عمال مقابله دول العالم الثالث، وان دورة راس المال اذا توقفت عن الجريان بسرعة في وول ستريت فانها تجف تماما في القاهرة وبيروت وبويونس ايريس ومانيلا.
ونه اذا توقف مواطن امريكي عن الوفاء بالتزاماته المالية نظير الرهن العقاري فان ابراج دبي ستختفي، وتنحسر ما سميت بموجهة الازدهار العقاري في عواصم العرب مما يلقي بملايين العمالة اليومية على الارصفة، في عواصم العرب. فشركة نخيل مثلا وهي اكبر الشركات العقارية في دبي استغنت اليوم عن خمسة الاف موظف من العاملين لديها.
وان الاهمال والرشوة والمحسوبية وشراء الشهادات الجامعية وتخلف التعليم الجامعي سيدفع المؤسسات التجارية على انواعها لاستيراد العمالة من الهند والباكستان وغيرها، واينما توفرت الخبرات.
ان ما قاله المسؤول في البنك الدولي هو انذار وتحذير للشعوب العربية قبل حكامها.. فالشعوب التي لا تحرص على انتاج ما تحتاج اليه ستدفع الثمن غاليا عند كل ازمة، وعند كل هزة اقتصادية، وعند كل مشكلة يواجهها العالم.
والله يستر
ابراهيم علاء الدين