أثار عرض فيلم يتعرض لمحرقة اليهود جدلاً واسعاً بين النقاد والجمهور على حد السواء، لدى عرضه بمهرجان السينما الأوروبية المقام حاليا بتونس، خاصة وأنه يتزامن مع تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ أسابيع.
ويتناول فيلم “سر” للفرنسي كلود ميلر، والذي عرض بمهرجان السينما الأوروبية، أوضاع اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، من خلال عائلة يهودية مقيمة في فرنسا، ويقف عند ضحايا المحرقة على أيدي النازي في ألمانيا.
وقاطع عدد من الجمهور عرض الفيلم، وخرجوا مستائين لما وصفوه بـ”خيبة أمل” في تظاهرة بعراقة أيام السينما الأوروبية بتونس، والتي تقام منذ 15 عاما بالعاصمة، وعدة مدن أخرى في البلاد.
كما انتقدت صحف محلية، بشدة، عرض هذا الفيلم للمخرج الفرنسي اليهودي الأصل والذي يؤدي فيه المغني الشهير باتريك بروييل دور البطولة. وقال كاتب بصحيفة “الصباح” اليومية إنه كان من الواجب على الطرف التونسي المساهم في تنظيم المهرجان أن يكون على اطلاع على مضمون الأفلام المعروضة في المهرجان، وألا يترك الأمر بأيدي الطرف الأوروبي وحده وأن لا يكون مثل “الأطرش في الزفة”.
علماً بأنه تم تكليف التونسي إبراهيم اللطيف، وهو مخرج سينمائي ورئيس جمعية الفيلم القصير والوثائقي، بالمشاركة في تنظيم الحدث مع المفوضية الأوروبية.
وقال كاتب المقال بجريدة “الصباح” محسن الزغلامي “إن الحصار الظالم الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة.. هو حدث لا بد من أن يلقي بظلاله على أي حدث فكري وثقافي يقام هنا أو هناك”.
وانتقدت صحيفة الوطن الناطقة بلسان حزب الاتحاد الوحدوي الديمقراطي المعارض عرض الفيلم “فيما يبلغ حصار غزة أخطر مستوياته حيث النور الكهربائي مقطوع على السكان والمؤسسات الصحية والأطفال والشيوخ يصارعون الموت بسبب غياب الأدوية وتعطل الآلات”. وقالت”لسنا ندري إن كانت المسألة مجرد صدفة أم أنها مقصودة وتمت برمجتها.. لكن ما حصل يدفع للتساؤل”.
وقال الصحفي نور الدين المباركي “في هذا الوقت الذي تعالت فيه الأصوات لفك حصار غزة.. يتم افتتاح الدورة 15 لمهرجان السينما الأوروبية بفيلم يتناول الأوضاع المأسوية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية”. وتساءل بسخرية هل من حق المفوضية الأوروبية أن تأتي إلى بلادنا “وتبرمج ما تريد حتى وإن كان ذلك يتعارض مع قيمنا وخصوصياتنا؟”.
لكن الناقد السينمائي خميس الخياطي قلل من أهمية الانتقادات الموجهة للمنظمين، معتبراً أنه “لا يجب أن يتم توظيف الأمر على مثل هذا الشكل”. وقال الخياطي، لوكالة رويترز، الجمعة 28-11-2008، إن “وجود فيلم مثل هذا لا علاقة له بما يحدث في غزة.. وهو أيضا ليس ضد تحرير فلسطين”. وأضاف أنه يعتقد أن المحرقة حدث تاريخي صحيح، “وعرض هذا الفيلم للمخرج اليهودي ميلر لا يعني أننا لا نساند الفلسطينيين، إنما يجب أن يبقى عملا سينمائيا في إطاره”.
وانتقد الخياطي ما سماه “خلطا غير مبرر”، وقال “الناس لم يعد لديهم معايير”.
وسبق أن أثير جدل واسع في تونس، بسبب مشاركة ممثلين عرب، من تونس ومصر والمغرب، في فيلم عن حياة صدام حسين بطله إسرائيلي.