يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني وشهور لحصاره وتجويعه!
لم لا نتضامن مع أنفسنا أولاً؟
بقلم : زياد ابوشاويش
نبدأ بتحية عطرة لشهداء الحق الفلسطيني في كل أرجاء المعمورة، وللدول والحكومات والمؤسسات والمنتديات ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان ممن بدأت حملتها السنوية للتضامن مع الشعب الفلسطيني قبل أن يحين موعده المعروف في التاسع والعشرين من شهر تشرين ثاني نوفمبر، ونخص أؤلئك الذين عمموا على وزارات التربية والتعليم في بلدانهم لتذكير الطلاب والتلاميذ بأن هناك شعب مظلوم يستحق النصرة والتأييد، ونحيي الأشقاء الذين يقدمون بشجاعة ودون منة مساندتهم لفلسطين ولشعبها المكافح ولحقه في العودة والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس. لقد اتخذت الأمم المتحدة قرارها باعتبار هذا اليوم للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني في ذات التاريخ الذي يصادف ذكرى تقسيم فلسطين الجائر إقراراً من المجتمع الدولي بأن هذا القرار كان مجحفاً بحق شعبنا وأنه ألحق به ظلماً فادحاً تتحمل مسؤوليته كل الدول التي صنعت دولة اسرائيل ومن اعترفت وصمتت على جريمة إنشائها، ومن هنا جاء القرار الصادر عام 1977 في محاولة لتصويب الأمر باتجاه حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه، ورغم كل التأييد الدولي لذلك وبأغلبية كبيرة للغاية إلا أن ما أقرته الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة من حقوق للشعب الفلسطيني بقي حبراً على ورق بفضل مساعدة الإمبريالية العالمية والدول الغربية لاسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الرقم القياسي في استخدام حق النقض (الفيتو) لصالح دولة الكيان الصهيوني ولتعطيل أي قرار يقدم للفلسطينيين بعض حقوقهم السليبة.
يجيء هذا اليوم والمفارقة الكبرى تفقأ عين كل الداعمين لاسرائيل والصامتين على جرائمها وحصارها الهمجي لغزة يتواصل، وتقطيع أوصال الضفة وحواجزها لا تنتهي، ناهيك عن الجدار والاستيطان واقتلاع الأشجار وتدمير كل فرص السلام التي منحها ويمنحها العرب والفلسطينيون لها، هذه المفارقة التي تتمثل في الحال المؤلم والمهين وشديد القسوة مما يعيشه الشعب الفلسطيني في ذات الأوقات التي يفترض أن يهب كل العالم لنصرته وتقديم العون له لممارسة حقه في الحياة التي تجعلها مستحيلة إغلاقات المحتلين الصهاينة وحصارهم واعتداءاتهم اليومية على الشعب الفلسطيني.
إن صمت المجتمع الدولي وخصوصاً أؤلئك الذين يتشدقون ليل نهار بالحرص على الديمقراطية وحقوق الانسان يمثل وصمة عار في جبين الانسانية وحكوماتهم المتطامنة مع اسرائيل وجرائمها.
يقولون أن الساكت عن الحق شيطان أخرس فأين هو الحق اليوم وفي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وسلطات الاحتلال الاسرائيلي تدير الظهر ولا تكترث لكل نداءات الاستغاثة والادانة الصادرة عن كل المحافل الدولية بما فيها لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة؟، ومن هنا يتساءل المرء أين الحضارة والمدنية وحرية الرأي والاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ستهل علينا ذكراه السنوية بعد أيام؟ أين ما راكمته البشرية من ثقافة وفهم ورهافة حس في كل ما تفعله إسرائيل ؟ وهل الأمر سيكون على هذه الشاكلة لو كان المخالفون من دولة أخرى كالسودان مثلاً أو سوريا، أو حتى مصر والسعودية؟ وإذا كانت المعايير المزدوجة هي الصفة الغالبة على سلوك وسياسات بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تجاه القضية الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية فهل تصل المسألة إلى حد الصمت المخجل عن جريمة إبادة جماعية تمارسها إسرائيل في قطاع غزة ضد شعبنا وبقرارات علنية من وزارة الحرب الصهيونية؟.
وإذا كان العالم قد أقر يوماً للتضامن مع الفلسطينيين في محاولة لتعويضهم عما لحق بهم من ظلم فهل يعني ذلك إطلاق يد اسرائيل في بقية السنة لتبطش بهم وتستغل تفوقها العسكري بهذه الطريقة الوحشية؟ ونمد المنطق على استقامته فنتساءل هل يمكن لدولة إسرائيل أن تفعل هذا لولا تخاذل الحكومات العربية أمام عدوانها السافر وجرائمها البشعة؟ وهل أجدى التطبيع والتدليع والحوار مع هذه الدولة المارقة في تخفيف قبضتها عن عنق شعبنا؟. اليوم العالمي للتضامن مع شعبنا سيمر كباقي الأيام ولن يح
صل فيه على أكثر مما حصل عليه في الأعوام السابقة لكنه سيظل تحت العسف والجور الإسرائيلي طوال الأيام التالية وبقية السنة، وفي العام القادم أيضاً طالما بقيت ردود الفعل على جرائمه بهذه الكيفية، وطالما بقيت الحالة العبثية التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية،المنقسمة على نفسها والعاجزة عن لملمة صفوفها وتوحيد كلمتها، وليس لقيادة هذه الحركة بكل تلاوينها أن تلوم الآخرين وهي تجرد شعبها من أهم أسلحته وأمضاها: وحدتها الوطنية وتماسك صفوفها لتكون قادرة بالفعل على صد العدوان عن شعبها وحفظ كرامته، ولممارسة المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح الذي لا تفهم اسرائيل سوى لغته ولا تتنازل إلا بتصعيده وشعورها جراءه بالألم والنار.
أليس من الواجب أن نتضامن مع أنفسنا لنرفع عنا الظلم والعسف؟، وكيف نتضامن مع أنفسنا؟
إن تقديم النموذج في التسامح بيننا أمر في غاية الأهمية ويمثل الشكل الأهم لتضامننا مع أنفسنا ومع قضيتنا وشعبنا، وهذه دعوة للجميع في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وخصوصاً حركتي فتح وحماس ولابد أن يتوقف هذا النزف الكبير من جسد وروح شعبنا عبر المواجهة المشتركة لجرائم إسرائيل وعدوانها، وهذه مسؤولية كل الذين يسمعونا قصائدهم اليومية في الحرص على مستقبل القضية والشعب، نتمنى عليهم تحويل بعض كلماتهم إلى فعل يجعلنا نصدقهم.
الظلم لا يستمر إلى ما لا نهاية ولم يحدثنا التاريخ عن مأساة شعب بقيت بدون حل إلى الأبد وما بني على باطل سينتهي حكماً وستنتصر قيم الحق والعدل والانسانية ذات يوم لفلسطين ولشعبها الصابر وما يسجله هذا الشعب اليوم من مآثر الصمود والتضحية والحفاظ على الكرامة الوطنية يؤسس لقلب المعادلة الظالمة ولتصبح كل أيام السنة للتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في وطنه كاملاً من البحر إلى النهر .