جهاد نصره
لم يبق من يتغنى بعبوديته المطلقة غير هذه الشعوب التي يسمونها عربية إسلامية، فهي بعد أخذٍ ورد تعلمت كيف تفوز إن هي أتقنت هذا الفن فأدمنت العبودية منذ بدأت نعومة أظافرها في مدرسة الطاعة التي أسسها ـ محمد ـ صلعم…!؟ لقد ربط ـ محمد ـ ص بعبقريته المتوقدة طاعته بطاعة الله (( أطيعوا الله ورسوله )) من سورة آل عمران و(( من يطع الرسول فقد أطاع الله )) و(( من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما ))..! ولو أن الأمر كان توقف عند هذا الحد لكان ممكناً لهذه الشعوب أن تخرج جيلاً بعد جيل من دهاليز هذه المدرسة بعد وفاة مؤسسها ـ محمد ـ ص …!؟ لكن، الرسول صلعم، كان قد وسَّع مجال الطاعة الحيوي لمدرسته فأضاف إلى عمادتها السادة ( أولي الأمر ) فصار من الإيمان طاعتهم أيضاً (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا أولي الأمر منكم )) وبهذه الآية الحاسمة اكتملت منظومة التربية التعبدية الترويضية وصار بإمكان سادة القوم فيما بعد تأثيم وتكفير كل من يجاهر برأي مختلف ورد عند مالك والشافعي والبيهقي عن عبد الرحمن القارئ قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر . ؟ فقال: نعم رجل كفر بعد إسلامه قال: فما فعلتم به قال: قربناه فضربنا عنقه…!؟
لقد تعلم المسلمون وهم قيد التربية والتعليم في مدرسة الطاعة علوماً كثيرة مثل علم السواك وعلم الكسوف والخسوف وعلم المساجد وعلم المطر وعلم الطهارة وعلم الجهات وعلم الإمامة وعلم الوضوء وعلم الجان غير أن الأساس الذي ثبتَّ أعمدة هذه المدرسة قام على ركنين جوهريين هما القضاء والقدر.. وفن السجود..! تثبيت الإيمان بالقضاء والقدر كان كفيلاً في إزاحة عقول التلاميذ النجباء جانباً أما السجود ففيه مخالفة صريحة متعمدة لعدو الله ـ إبليس ـ في أول معصية له ودرس بليغ لتدريبٌ التلاميذ على الانخفاض و الانكسار فبقدر ما ينخفض التلميذ تترسَّخ عبوديته ويقترب من الله فيصبح في مرمى نظره..! عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا الدعاء…! لقد مثَّلت عملية السجود والانكسار أول عبادة أمر الله بها عباده ليصيروا عبيداً صالحين حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الوليد بن هشام قال: لقيت ـ ثوبان ـ مولى رسول الله فقلت: دلني على عمل ينفعني أو يدخلني الجنة..! فسكت عني ملياً ثم التفت إلي فقال: عليك بالسجود فاني سمعت رسول الله يقول: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله درجة وحطَّ عنه بها خطيئة…! ومن يومها وإلى اليوم يخرّ العبيد راكعين كل يوم عشرات المرات..!؟
ثم يأتي اليوم من يتثاقف فيتساءل بتعجب عن السِّر في هذا الاستعصاء الذي يواجه قضايا الحرية والديمقراطية في المجتمعات العربية الإسلامية ويحار في الأمر إذ كيف يبقى سؤال الحرية معلقاً من دون جواب طيلة القرون الخمسة عشر المنصرمة خسر فيها عددٌ كبيرٌ من المشاغبين حياتهم في خضم محاولاتهم المتعاقبة لكسر هذه الحلقة..!؟ ولو كان المتسائل الحيران تذكر أنه من يوم أن امتلأت خزائن بيت مال المسلمين في القرن الثالث الهجري من أموال البلدان المفتوحة كما هي اليوم في بعض الدول الإسلامية صار السؤال جريمة تستوجب العقاب الفوري لانتهت حيرته ولكان فهم كيف استثمر الأنبياء المعاصرون إدمان شعوبهم للعبودية التي يتوارثوها بالفطرة..! لقد غفل الزعماء المعاصرون عن فهم السرِّ في هذا الانتظام العبودي النادر فأعمت بصيرتهم وهم بدلاً من أن يفتحوا الأبواب ليصير العبيد عبيداً معاصرين أوصدوها على ذواتهم راضين مرضيين وذلك بعد أن اقتسموهم بعيد الاستقلالات وزربوهم في محمياتهم التي أسموها دول لكل دولة علم ونشيد وجحافل من العسس لكن عند جميعها مدرسة الطاعة ذاتها…!؟
لقد تكفَّلت مدرسة الطاعة المتوارثة إياها بتأهيل العبيد جيلاً بعد جيل وتثبيت السلاطين عائلة بعد أخرى وصار الجاه والسلطان طريق أولي الأمر إلى الجنة أما العبد السائل فقد ظلَّ زنديقاً ومرتداً تساؤله جريمة تستوجب المحاكمة الشرعية أو العقاب الفوري فالمتخرج من هذه المدرسة تربى على أن لا يسأل وحين ازداد عدد السائلين امتلأت الأمصار بالمصحات العقلية والسجون من أجل استيعاب هؤلاء التلاميذ الراسبين الذين لم يحفظوا الدرس من حكاية إبليس اللعين…!؟