دعا وزير الخارجية السورية، السيد وليد المعلم، بعض الدول العربية ومصر على وجه الخصوص للوقوف على مسافة واحدة من حركتي فتح وحماس، وتمنى لو أن حماس كانت قد حضرت اجتماع القاهرة، ليتاح لها الدفاع عن نفسها وتوضيح وجهة نظرها. ولا نشك أن السيد المعلم قد قال فأحسن، فكيف يعقد اجتماع يتحدث عن خلاف بين طرفين ويغيب عنه أحدهما، فهذا مخالف للمنطق ومجانب للصواب.
أما ما نعتقد أنه خطأ فهو دعوة “المعلم” أصلحه الله، لمصر للوقوف على مسافة واحدة من فتح وحماس. وأريد في هذه العجالة أن أثبت للوزير المحنك وليد المعلم أن مصر تقف على مسافة واحدة من أطراف النزاع في المنطقة وفي العالم أيضاً.
فلينظر السيد الوزير إلى موقف مصر من حادثة أم الرشراش، حيث صرح الوزير أبو الغيط، أنه لن يقطع العلاقات مع الصهاينة من أجل فيلم لا يقدم ولا يؤخر، فهو، والحالة هذه، قد وقف فعلاً على الحياد وعلى نفس المسافة بالضبط بين المصريين في أم الرشراش وبين الصهاينة، ولم يظلم أحداً، ولم يقطع علاقاته مع الصهاينة حفاظاً على موقفه الحيادي النظيف. وفي تطور آخر في الموضوع نفسه، أكد أبو الغيط، أن الذين قتلوا في الحادثة بدم بارد، وكانوا معصوبي الأعين مقيدي الأيدي، لم يكونوا مصريين بل كانوا فلسطينيين أباً عن جد. وهذه حالة أخرى يثبت فيها أبو الغيط للسيد وزير الخارجية السورية أنه حيادي ويقف على مسافة واحدة من الفلسطينيين والصهاينة. فهو لم يغضب حكومة الصهاينة بالدفاع عن الفلسطينيين الذين ماتوا في أم الرشراش حفاظاً منه على الحيادية والوقوف على مسافة واحدة بين القاتل والمقتول.
ولعل السيد المعلم، هداه الله، نسي الموقف الحيادي للحكومة المصرية في مسألة بيع الغاز للصهاينة، فتلك الحكومة باعت الغاز، لبعض الدول العربية وللصهاينة أيضاً، ولم تثنها جرائم الاحتلال الصهيوني، عن أن تقف على مسافة واحدة بين الكيان الإرهابي وبين الدول الشقيقة.
إذا كان لي أن أنصح “المعلم” بشيء، فلعلي أنصحه أن يراجع موقف الحكومة المصرية من النزاع في لبنان، حتى يرى بأم عينيه كلتيهما كيف كانت مصر العروبة شامخة بموقفها الحيادي بين أمريكا وسورية نفسها، إذ طالبت الحكومة الحيادية وقتها سورية بالشفافية في قضية اغتيال الحريري، واتهمت ضمناً دمشق بالوقوف وراء الاغتيال، لكن كان ذلك ضمناً، ولم يكن علناً فالحيادية تعني الوقوف على مسافة واحدة بين أمريكا والصهاينة من جهة وبين سورية من جهة أخرى. ليس فحسب فلعل “المعلم” يطلع على موقف الحكومة المصرية المشرف بحياديته بين أطراف النزاع الداخلي اللبناني، فالخارجية المصرية تقف على مسافة واحدة بين المقاومة اللبنانية، وبين سمير جعجع العميل الصهيوني المعروف، وقد زار القاهرة وأكل فيها ملوخية بأرانب، وذكر بط. وهذا القول لن يدع مجالاً “للمعلم” أن يتهم مصر، وحاشا لله، بأنّها تقف مع طرف ضد الآخر، ولا علاقة لهذه الحكومة بأن يكون سمير جعجع قاتلاً وخائناً، فإن من شروط الحيادية الوقوف على نفس المسافة بين النقيضين.
هل يسمح لنا السيد وزير الخارجية السوري، أن نذكره أيضاً بالموقف الحيادي الواضح والمشرف للحكومة المصرية من احتلال الصومال، فقد وقف الرئيس المصري وخارجيته وكل موظفيه، على الحياد في تلك الحرب، وعلى مسافة واحدة بين الشعب العربي الصومالي المسلم، وبين الإثيوبيين، وتفهم الرئيس حسني مبارك تماماً الاحتلال الإثيوبي لعاصمة عربية، ومن مسافته المتماثلة بين القاتل والمقتول رأى أنه لا يستطيع أن يدين الاحتلال الإثيوبي لدولة عربية، لأن هذا مخالف لميثاق الحيادية والشرف الحكومي المصري. وأعتقد أن السيد المعلم سيتفهم انحياز مصر قليلاً لإثيويبا، فهو ليس انحياز فعلي، وإنما هي عدة أمتار فقط، لم تكن مقصودة، حيث وقفت مصر خطأ أقرب إلى إثيوبيا منها إلى الشعب الصومالي الشقيق.
أ لم ينتبه وزير الخارجية السوري، إلى أن مصر وقفت على مسافة واحدة بل ومتطابقة بين دمشق وتل أبيب، عندما اعتدى الطيران الصهيوني على الموقع النووي المزعوم في دير الزور، لدرجة أن الحكومة المصرية لم تدن الاعتداء صراحة، فهل أدلّ من هذا على موقف المسافات المتماثلة. ونسأل الخارجية السورية، أ لم تكن مصر هي ممثلة الحيادية والشفافية والرأي الآخر عند الاعتداء على البوكمال، أو لم تكن صورة عن المسافات الواحدة عندما تم الاعتداء الإرهابي على حي القزاز في دمشق. أ لم تكن تلك الحكومة رأس الحيادية وعمودها، عندما اعتدى الصهاينة على بيت حانون وقتلوا النساء والأطفال، وكيف ينسى “المعلم” موقف مصر النظيف والشفاف، عند الاعتداء على جنين واقتحام غزة وتدمير لبنان.
كيف نسي السيد وزير الخارجية السوري الموقف الحيادي النظيف للحكومة المصرية من احتلال العراق، فقد سمحت مصر لجيش القطعان الأمريكي بالمرور من قناة السويس، لضرب أطفال العراق وتدمير مقدراته. وهكذا وبمنتهى الإخلاص في الحيادية، وقفت مصر على مسافة واحدة من العراق ومن الإرهابي الأمريكي. وكيف نسي الوزير المعلم، موقف مصر من حصار غزة، فالخارجية المصرية، لم تتأثر ولم تخجل للحظة واحدة وهي ترى أطفال غزة يتضورون جوعاً، فحاصرتهم مع من حاصر تنفيذاً للحيادية، وهدد أبو الغيط بتكسير أرجل الفلسطينيين لو دخلوا مصر، فالحكومة تقف على مسافة واحدة بين أهل فلسطين وبين الكيان الصهيوني.
أو بعد كل هذا يظن “المعلم” أن مصر، منحازة، إلى الحق العربي، وحق المقاومة لا سمح الله، أرجو أن يغفر أبو الغيط للوزير السوري هذا الخطأ وألا يشتكيه للجامعة العربية، فإن العواقب ستكون وخيمة، فالجامعة بدورها حيادية وتقف على مسافة واحدة من كل الأطراف دون استثناء واسألوا إن شئتم جعجع أبو سمرة عن حفاوة الاستقبال وحرارة الترحيب.
عزاؤنا يا أبا الغيط، أنك لا تمثل ولن تمثل يوماً شعب مصر العظيم، الذي قدم للعرب وللمسلمين من قوته ومن علمه ومن دماء شبابه.
دكتوراه في الإعلام – فرنسا