تصدر في بيروت خلال الأيام القادمة، أول صحيفة في العالم العربي تخوض في قضايا الجنس ومسائل الجسد الحساسة، دون خطوط حمراء، مخترقة المشاكل المسكوت عنها، والتي تعد من المحرمات في الثقافة الاجتماعية وحتى لدى نخب الرأي العام. ونفت رئيسة تحرير الصحيفة التي اختارت “جسد” إسما يشير صراحة لمضمونها الثقافي، الشاعرة والصحافية اللبنانية جمانة حداد، أن يكون الهدف من إطلاق المجلة “الاستفزاز المجاني”، أو “التسويق التجاري” لكل ما ينتهك “التابو”.
ويتوقع أن تثير المجلة، التي تترقب الأوساط الثقافية العربية صدور عددها الأول خلال ديسمبر 2008، جدلا هائلا، كونها المجلة الأولى عربيا المتخصصة في فلسفة الجسد وثقافته ولغته.
وقالت حداد لـ “العربية.نت” إن الوقت والتراكم سيتوليان معالجة المشكلة الأساسية التي تواجه هذه المجلة، و”هي مشكلة تتعلق بسوء الفهم حيال مشروعها ومفهومها، وحيال تناولها، عن طريق أدوات ثقافية راقية”.
وأكدت أن “الوقت والتراكم وجدية الأعداد المتتالية” ستتكفل بحل تلك المشكلة وبإجلاء سوء الفهم الذي قد يثيره مشروعها. “طبعا هنالك مشكلة التوزيع أيضا، لكني سأفعل ما في وسعي لكي تخترق المجلة أي جدار رقابي قد يقف أمامها”.
وتعدّ “جسد” المجلة الأولى من نوعها في العالم العربي، وهي بحسب إعلان المجلة على موقعها الالكتروني، “مشروع ثقافي وفكري وأدبي وعلميّ وفني جدّي، تطلّب الكثير من التفكير والتمحيص قبل أن يتبلور ويتكوّن”.
إعلان “الجسد”
الوقت والتراكم سيتوليان معالجة المشكلة الأساسية التي تواجه هذه المجلة، وهي مشكلة تتعلق بسوء الفهم حيال مشروعها ومفهومها، وحيال تناولها، عن طريق أدوات ثقافية راقية
جمانة حداد
واتهمت حداد عبر إعلان مجلتها “جسد” بعض المثقفين العرب بالشيزوفرينيا (انفصام الشخصية) والخبث وبممارسة “الدعارة الفكرية”، قائلة في طيات الإعلان “هكذا غالبيتنا: تريد الشيء وتبصق عليه”.
وأوضحت أنها لا تعتقد بأن هذا الانتقاد في “غير محله”، مستطردة،”غالباً ما يكون الحديث عن الجسد والعري جيد ومحبوب ما دام الآخر هو الذي يكتبه ويقوله. نشيّد مسافةً سميكة تفصلنا عن المسائل الحساسة، فلا نلامسها ملامسة مباشرة، ولا نقترب منها، ولا نخاطبها إلاّ بطريقة ملتوية. لأجل ذلك لا اعتقد أني كنت مغالية في انتقادي هذا. كفانا مقاربة لأجسادنا وحيواتنا بهذه الطريقة الدونية أو الملتبسة، بهذا الإحساس بالخجل والعار، كما لو أننا نرتكب جريمة”.
وحول إمكانية فسح المجلة في العالم العربي قالت حداد إنها تحمل آمالا كبيرة على هذا المستوى: “لقد سمحت لنفسي بحمل توقعات طموحة على هذا الصعيد، لأني مقتنعة بأن حياتنا العربية مضروبة في الصميم، وبأنها ناقصة ومدمرة وثمة عقود وأجيال من تراكمات النفاق والقهر والقمع حيال الجسد وحيال سواه من المحرم و المسكوت عنه في مجتمعاتنا العربية. لذلك من الأكيد أن الثقافة العربية باتت مستعدة لاستقبال مشروع من هذا النوع”.
قضايا الجنس العربي
ويتوقع أن يتصدر العدد الأول عناوين مختلفة، كمثال “الفيتيشية مفتاحاً للشهوة، تأملات كانيبالية، أنا مثليّ إذاً أنا غير موجود، في مديح العادة السرية، رغبة الفوتوغرافيا وفوتوغرافيا الرغبة، سوبر ماركت الأجساد المحنّطة، الجسد بين الاستقلال الذاتي وسطوة الإعلان، نظرتُ إلى جسدي وخجلت..”.
وعلقت حداد عما إذا كانت هذه العناوين “صادمة” للمجتمعات العربية، معتبرة أن “الصدم شر لا بد منه، لكنه يقع في خانة الأضرار الجانبية وليس هدف المجلة في ذاته. هدفنا ليس أ
ن نفتعل الصدمة بل أن نصنعها، في دورها الإيجابي المغيّر والمحرّك لوحول الركود والجمود. صدمة كهذه مشروعة وصحية، بسبب منطقها ورؤيتها وتصورها”.
ن نفتعل الصدمة بل أن نصنعها، في دورها الإيجابي المغيّر والمحرّك لوحول الركود والجمود. صدمة كهذه مشروعة وصحية، بسبب منطقها ورؤيتها وتصورها”.
واستطردت: لن أذهب بتفاؤلي حد القول إن الحديث العلني عن مثل هذه الأمور سيكون في زمن قريب من بديهيات ثقافتنا العربية، لكني آمل على الأقل أن يصبح على مرّ الوقت أمرا طبيعيا ومقبولا لدى غالبية القراء والمتلقين، لأن المجلة تتناول موضوعات وكتابات وفنون وظواهر موجودة في حياتنا وثقافتنا وحميمياتنا، وأنا لست استجلبها من ثقافات أخرى. غالبيتنا تخشى المواجهة المباشرة، لذلك أتوق إلى أن تساهم المجلة في جعل مقاربتنا للجسد أكثر عفوية وعمقاً ووعياً”.
اتهامات بسرقة الفكرة
وحول الاتهامات التي طالتها من كون فكرة المجلة مسروقة من أحد المحررين الذي عملوا تحت إدارتها في جريدة النهار اللبنانية والتي نشرت في مجلة “الغاوون”، قالت حداد إن تلك الاتهامات جزء من “حملات إعلامية رخيصة وقذرة”، ناجمة عن أسباب عديدة منها الحقد والحسد، “أحياناً يكون الاحتكام إلى القضاء ضرورياً لضمان حقوقنا، أي، في هذه الحال حقوق مجلتي “جسد”، التي تصدر عن شركة “الجُمانة” للنشر والترجمة والاستشارات الأدبية، بترخيص قانوني وشرعي من وزارة الإعلام ونقابة الصحافة في لبنان.
وأضافت: “على أي حال، الجريدة إياها نشرت بيان التوضيح والتصحيح الذي صاغه محامي شركتي، كما ينص القانون، وهذا يشكّل في ذاته تراجعاً عن الافتراءات. لكننا نحتفظ بحق المداعاة، كما يذكر بياننا، في أي وقت، إذا ما شعرنا بأن ثمة حاجة إلى ذلك”.
وكشفت حداد تلقيها نصوصا كثيرة من أدباء يرغبون في الكتابة في المجلة بأسماء مستعارة، إلا أنها أبدت رفضا قاطعا حيال ذلك، لأن “رهاني الكبير كان قرار نشر المقالات والبحوث بأسماء كتابها الحقيقيين. من السهل جمع نصوص جريئة يختبئ أصحابها وراء حصن الاسم الوهمي، لكن الانجاز الحقيقي هو تحمّل الكاتب والفنان مسؤولية جرأته الأدبية والفنية، وهذا هو رهان مجلة “جسد”. وكان لي شرف مشاركة مجموعة كبيرة من الأدباء في العدد الأول، يقارب عددهم الخمسين”.
وتعتمد “جسد” في تحريرها على فريق متنوع ومختلف تأتي غالبيتهم من العالم العربي. ومن المخطط أن تنتقل المجلة الفصلية الصادرة عن شركة “الجمانة للنشر والترجمة والاستشارات الأدبية”، إلى الصدور الشهري مستقبلا. كما تتكون المجلة التي تقع في 160 صفحة، من أقسام متنوعة، من الملفات والشهادات والريبورتاجات، السينمائية والأدبية.
وأشارت حداد إلى أن أرقام الاشتراكات “مشجعة جدا”، خاصة من السعودية ومن مختلف البلدان العربية، وأوضحت، “سعيتُ جاهدة إلى تحديد سعر مادي معقول للمجلة، حيث أن هدف المجلة ليس الربح بل الاستمرارية، ولكي تعيل نفسها بنفسها حتى تظل في منأى عن أي ضغوط وتنازلات قد يفرضها أحيانا الوضع المادي الصعب، فهذا المشروع قائم على الحرية، وأي تسويات ومساومات على هذه الحرية يمكن أن تلحق به ضررا مهلكا”.
وتعمل الشاعرة جمانة حداد، التي نالت جائزة الصحافة العربية عام 2006م، مسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة النهار اللبنانية، ومديرةً إداريةً للجائزة العالمية للرواية العربية (أو الـ”بوكر” العربية)، كما أصدرت مجموعات شعرية عدّة نالت صدى نقدياً واسعاً في لبنان والعالم العربي، وتُرجم بعضها إلى لغات أجنبية.