«تحتاج البحرين إلى مساعدتكِ»… قال لي وزير المالية السابق في مملكة البحرين عبدالله سيف في اتصال هاتفي بُعيد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). كان من المقرر أن تستضيف هذه المملكة (تُشبَّه بسويسرا بفضل مؤسساتها المالية) «منتدى الاستثمار» في الخليج في شهر أبريل (نيسان) عام 2002. لكن تداعيات الحادي عشر من سبتمبر زعزعت احتمال حضور الأميركيين هذا المنتدى المالي الرفيع المستوى.
يجمعني بملك البحرين عدد من الأصدقاء المشتركين الذين دُعوا إلى مأدبة عشاء فاخرة كان من المفترض أن أقيمها بحضور بيل كلينتون ونيلسون مانديلا في أسبوع الحادي عشر من سبتمبر المشؤوم. ألقى هؤلاء الأصدقاء على عاتقي «مهمة مستحيلة»، إذ طلبوا مني إقناع كبار رجال الأعمال بالسفر إلى البحرين في شهر أبريل عام 2002.
صببت اهتمامي كله على آل غور والمدير التنفيذي في شركة «آبلز» ستيف فوربس وكبار الأطباء. بذلت قصارى جهدي لإقناعهم بأن البحرين آمنة وأنها أفضل مكان يقصدونه. لكن المطاف انتهى بي إلى التعامل مع مشاهير عالم التسلية والترفيه كالمعتاد. يرغب هؤلاء بشدة في الحصول على بطاقة سفر في الدرجة الأولى، فضلاً عن أفضل التسهيلات وأفخر أماكن الإقامة. كذلك حاولوا حضّي على إقناع حكومة البحرين بمنحهم بعض المال. من هؤلاء أذكر ليزا مينيلي التي اقترح زوجها المرح ديفيد غيست (زوجها السابق راهناً) أن تغني «نيويورك نيويورك» لقاء مبلغ لا يتعدى المئتي ألف دولار. تلقيت أيضاً اتصالات كثيرة من جيرماين جاكسون شقيق مايكل جاكسون، وعرض عليّ إحياء حفلة في البحرين مقابل مليون دولار. وعندما أوضح لهم مكتبي أنني لا أتقضى أي مال وأنني أقوم بذلك طوعاً بغية رأب الصدع بين الولايات المتحدة الأميركية والعالم العربي المعتدل، لم تسحب ليزا وجيرماين عرضهما. لكنهما اكتفيا بالحصول على تذاكر سفر في الدرجة الأولى وغيرها من التسهيلات الأخرى مجاناً.
أصرّ جيرماين على مساعدتي. بدا لي أن إشراكه في هذه المهمة أسهل من محاولة التخلّص منه. طلبت حكومة البحرين من منتجيّ إعداد فيلم قصير يمثّل روح البحرين المعتدلة بعد الحادي العشر من سبتمبر ويهدّئ من روع الأميركيين… ظننت أن جيرماين سيشكل أفضل راوٍ لهذا الفيلم، وكنت أجهل آنذاك ما سيؤدي إليه قراري هذا.
حفلة تاريخيّة
كان جيرماين وآل جاكسون في نيويورك في العاشر من سبتمبر عام 2001. في ذلك اليوم، شهدت تلك المدينة الحفلة التاريخية الثانية التي أعادت لمّ شمل «الإخوة جاكسون». حضرتها، ثم انضممت إليهم في مطعم Tavern on the Green حيث بقينا ساهرين حتى ساعة متأخّرة. خلدنا إلى النوم في الخامسة صباحاً. بعد بضع ساعات، تبدّل العالم. لم يصدم انهيار برجيّ مركز التجارة العالمي العالم الغربي فحسب، بل أيضاً العرب المعتدلين الذين كانوا يعتمدون طوال سنوات على التبادل المالي مع الغرب.
كان يجب أن ينبئني حدسي بالخطر الذي يشكله جيرماين جاكسون بعد أن استفاض في إخباري عن أعماله الخيرية. اكتشف المديرون التنفيذيون في شبكة American Network أن مؤسسات جيرماين مفلسة تماماً وأن علامات استفهام كثيرة تحيط بسلوكها. لكن بما أن ما نقوم به عمل طوعي، سمحت له بالمشاركة في الفيلم. في تلك الفترة، كان مايكل جاكسون لا يزال نجماً كبيراً. لذلك شعرت الحكومة البحرينية بالفرح حين علمت أن أخاه سيكون الراوي في الفيلم وأنه سيحضر المؤتمر. وهكذا طلبنا من جيرماين أن يخبر العالم أنه هو وعائلته كانوا في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر، وقد نجح والدهم جو في إخراجهم من المدينة بواسطة حافلة مع أن الرحلات الجوية كانت عُلّقت ليوم. علاوة على ذلك، أخبر جيرماين المشاهدين أنه اهتدى إلى الإسلام قبل بضع سنوات في البحرين وأن «الإسلام لا يعني العنف…».
مع هذه الرسالة السلمية من جيرماين وعائلته، أرسلت وفداً رفيع المستوى إلى البحرين لحضور منتدى الاستثمار في الخليج عام 2002. كان ناصر البلوشي (مايكل غرينسبان البحريني) الذي سافر من نيويورك ليقابلني وليضمن نجاح المشروع، بدأ يشعر بالارتياح. اطمأن بالي… وتلقيت اتصالاً غريباً من عشيقة جيرماين، التي طلبت أن ترافقه على متن الطائرة المسافرة إلى البحرين. قالت لي: «عليك أن تدفعي ثمن تذكرة السفر فحسب. لا تقلقي بشأ
ن الغرفة، سأنام معه في غرفته».
ن الغرفة، سأنام معه في غرفته».
أخبرتني تلك المرأة أنها متوجّهة إلى المطار لأنها في لندن، فسألت مكتبي أن يدفع ثمن بطاقة سفرها إلى البحرين. وعندما اقترحت أن تنضم هي وجيرماين إليّ على الغداء في الفندق، حاولت أن أحجز لهما على أول طائرة متوافرة. كذلك بدّلت خططي وتجنبت السفر إلى البحرين. قررت أن أبقى في لندن، بعيداً عن جيرماين جاكسون وعشيقته المتطلّبة.
وسرعان ما بدأت أتلقى اتصالات من كبار المسؤولين في البحرين الذين أخبروني: «عشيقة جيرماين شبه عارية. وعندما أعلمناها أنها لا تستطيع حضور مأدبة العشاء التي أقامها جلالته للشخصيات البارزة، انتابتها نوبات غضب. هذا محرج…». أما أعضاء الوفود التي نظمتها، مثل المدير التنفيذي في شركة «آبلز» ستيف فوربس، فأخبروني قصصاً أكثر إحراجاً عن جيرماين وعشيقته. ثم تلقيت اتصالاً من جيرماين الذي أخبرني أنه سيطيل إقامته في البحرين، فنعم بكرم العائلة المالكة لفترة أطول.
أنبأني حدسي أن الكارثة وشيكة، حين اصطحبني وزير المالية البحريني وأحد أعضاء العائلة المالكة إلى العشاء في لندن. فقد أخبراني أن جيرماين ترك وراءه فاتورة ضخمة جداً عندما غادر الفندق في البحرين، شملت شراء مجموعة من السلع، مثل الساعات الباهظة، التي طلب تحويل فواتيرها إلى حساب غرفته.
انهيار مالي
في نهاية عام 2003، كنت وإليزابيث موردوك ننتج برنامجاً تلفزيونياً خاصاً مع جيرماين وعائلته. راح يتفاخر أمام الجميع بعلاقاته الجيدة مع العائلة المالكة في البحرين، فوجد في مايكل، الذي واجه آنذاك الانهيار المالي وتهماً بالتحرش بالأطفال، المستمع الأمثل.
خلال محاكمة مايكل الطويلة، كان والداه يفكران في تهريبه إلى سلطنة بروناي. أما جيرماين فواصل التكلّم عن مملكة البحرين. حتى أنه سافر إلى هناك خلال محاكمة أخيه الشهيرة ومهّد السبيل أمام شراكة مستقبلية بين مايكل وابن الملك.
قبل ساعات من صدور الحكم، حضرتُ إلى نيفرلاندس لأصطحب والدَي جاكسون إلى الغداء والتصوير. كان مايكل منهكاً، فبقي مستلقياً في السرير وبدا ضعيفاً جداً. كان جو وكاثرين جاكسون قلقين حقاً من أن يُدان مايكل. كذلك سمعت تساؤلات عدة بشأن أولاده. لكن جيرماين ظل يردد الكلمة السحرية «البحرين». وفيما سجّل برنامجي الخاص على محطة CBS أعلى نسبة مشاهدين بعد ساعات قليلة من تبرئة مايكل، كان هذا الأخير في طريقه إلى البحرين، فرحبت المملكة بهذا النجم. تحدثتُ إلى عبدالله، إبن الملك، وبدا متحمساً جداً للمشاريع المشتركة التي سينتجها هو ومايكل. بدت هذه الخطة واعدة، وحدثت مواقف طريفة لم تتسرب إلى وسائل الإعلام. مثلاً، أخبرني وزير المالية البحريني أنه عندما كان خارج البلاد، تلقى اتصالاً هاتفياً ملحاً من زوجته. فقد سمعت ضجة في حديقة المنزل، وحين خرجت، وجدت مايكل جاكسون ورفاقه يتجولون في حديقتها، فقال مايكل لهذه المرأة التي ارتسمت على وجهها علامات الدهشة: «أريد شراء منزلكم».
بالإضافة إلى ذلك، لم يفِ مايكل بأي من وعوده، سواء وعده بإنتاج أغنية خيرية لضحايا التسونامي على غرار أغنية We are the world أو غيره من الوعود بتنفيذ أعمال بين البحرين ومشاهير آخرين.
ملجأ المشاهير
في تلك الفترة، تناولتُ الغداء في واشنطن مع سفير البحرين الجديد ناصر البلوشي نفسه. أراد أن يتكلم معي على انفراد. أوضح لي أن ملك البحرين ليس متحمساً بقدر ابنه لإقامة مايكل جاكسون في بلده. لكن ابنه الذي يعشق الموسيقى يرفض الإصغاء إليه. طُلب من البلوشي إرسال تقارير إلى الوطن عن نظرة الأميركيين إلى إقامة مايكل في البحرين وإلى مملكة البحرين بحد ذاتها. كانت هذه مهمة سرية للغاية. نتيجة لذلك صار مكتبي يزوّد البلوشي بالتقارير التي ترد في «نيويورك بوست» ومحطتي «إكسترا» و{إنسايد إيديشن» ومجلة «بيبول»، وحتى «ناشونال إنكوايرر»، فضلاً عن الصحف العادية التي يُفترض بالسفير قراءتها مثل «واشنطن بوست» و{نيويورك تايمز». وصف الكثير منها مملكة البحرين الصغيرة بملجأ المشاهير المثيرين للجدل. أتت كلها على ذكر تحرّش مايكل بالأطفال لأن أميركيين كثراً لم يقتنعوا ببراءته.
سُرّ البلوشي بإرسال هذه المعلومات إلى البحرين، وكان لا يزال غاضباً بسبب تصرفات جيرماين جاكسون. كذلك شعر بالاستياء لأنه ساهم في تعريف العائلة المالكة إلى آل جاكسون. بعد بضعة أشهر قال لي إن أيام مايكل في البحرين باتت معدودة لأنه بدأ يتنقل بين منازل الأصدقاء بعد خسارته مبالغ طائلة. كذلك أخبرني فرانك تايسن، الذي كان مسؤولاً عن «مشروع بلانكت» (أجرى الترتيبات اللازمة كي يحصل مايكل على ولده الثالث)، كيف حضر مايكل والمربية والأولاد إلى منزل والديه في نيو جيرسي وأقاموا هناك طوال أسابيع.
كان تايسن واحداً من الشركاء الخمسة المتآمرين الذين ذكرهم المدعي العام في سانتا باربارا، وقد شعر أن مايكل لا يعاني من نقص في المال فحسب، بل كان يحاول الاختباء أيضاً متفادياً العالم الخارجي. في تلك المرحلة، أدرك إبن ملك البحرين أن مايكل لن ينفّذ أي مشروع، فطالبه بما أخذه منه من مال.
أخبرني تايسن أخيراً أنه التقى بمايكل الواقع في ورطة قبل بضعة أشهر وحصل على موافقته للظهور في الذكرى الخامسة والعشرين لصدور ألبومه Thriller، وقَبِل كوينسي جونز وغيره بحضور هذه الحفلة.
بدا مايكل متحمساً جداً، فلن يُضطر إلى غناء أكثر من أغنية، وسيؤدي في الختام We are the world. لكن تايسن لم يكن يعرف أن برنامجاً صغيراً آخر يدور في الكواليس!
تقرر عقد هذه الأمسية الكبيرة في مدرّج «دوم» في لندن، في الحادي والثلاثين من أكتوبر (تشرين الأول) الفائت. في تلك الأثناء، كان محامو ابن ملك البحرين في لندن يعملون على رفع دعوى ضد مايكل في المحكمة العليا.
الى ذلك، أخبرني تايسن أنه تلقى اتصالاً من محامي مايكل الذين أبلغوه أن «الأخير ألغى ظهوره في الحفلة لأسباب قانونية». عندما قرأ تايسن أخبار الدعوى القضائية ضد مايكل في المحكمة العليا في لندن، ربط الأمور وأدرك ما يحدث.
إذاً، ماذا يريد إبن الملك حقاً؟ يعرف الجميع أن مايكل لا يملك المال. حتى أن دينه بات يضاهي نجاحه. التقيت عبد الله صدفة أخيراً في الفندق الذي أنزل فيه في لندن، فعاملني بلطف بالغ كالمعتاد. أخبرني أن المحاكمة تجري على قدم وساق، وأن المسألة بالنسبة إليه لا تتعلق بالمال فحسب، بل ترتبط بالمبادئ والتقيّد بالالتزامات.
وافق مايكل على التسوية مع عبد الله في آخر لحظة وتجنّب المحاكمة في محكمة لندن. أعطى هذا النجم ابن الملك أفضل ما يملكه ويجيده… أعطاه مزيداً من الوعود والالتزامات…