جهاد نصره
تواتر الحديث عن قضية العنف الذي يمارسه الفحول ضد النساء هذه الأيام بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وكثرت ورش التدريب الحقوقية والمؤتمرات الرسمية والأهلية حتى أنه لم يبق بلد عربي لم يشهد فعالية ما بهذا الخصوص..! وقد دفعني حديث زوجة أحد النشطاء الحقوقيين عن زوجها الناشط الحقوقي أنه ركلها على قفاها ولكمها عدة مرات حتى أدماها قبل أن يهددها بطردها إلى منزل ذويها وكان وصل لتوه إلى المنزل عائداً من ورشة حقوقية للتدريب على الرفق بالإنسان كان مدعواً إليها جرت في الأردن للتساؤل عن جدوى كل تلك الفعاليات والبيانات الشاجبة والحملات التضامنية وغير ذلك وكأن هذه المسألة يمكن معالجتها هكذا لوجه الله الذي فضَّل الذكور على النساء وفقاً لمقولات الأديان السماوية ومنظوماتها التشريعية فأعطاهم من الصلاحيات الشيء الكثير بما فيها حق الرأفة بالنساء إذا أرادوا ومساعدتهم على الخلاص من ظلمهم هم بالطبع..!؟ لقد تعززت هذه الصلاحيات وترسّخت عبر الزمن من خلال تكريسها فقهياً وتعميمها تربوياً وتسييدها سلطوياً بحيث صارت ثقافة عامة يتم وراثتها جيلاً بعد جيل الأمر الذي يعني أنها باتت اليوم معضلة لا تقوى على معالجتها بعض الأنشطة والمؤتمرات السجالية التي ترعاها المنظمات المدنية الأهلية والحكومية ذلك لأن هذه الأنشطة في الأساس نتاج عقلية الذكور الآيلين إلى مخلِّصين أبرار في زمن صار فيه شعار المساواة بين الجنسين عنواناً للتحضر والتمدن لكن من دون أن يدروا أنهم يقرون من خلال هذه الأنشطة المبتورة عن سياق تحرير المجتمع ككل من العنف الذي يمارس ضده بواقع ضعف المرأة التي تمَّ ترويضها في البيت والمدرسة والمجتمع إلى أن صارت تحتاج لمن يدافع عنها ويدبج من أجل ذلك بيانات ( ذكورية ومشتركة ) تدعو لوقف حالة العصيان الذكوري على كافة الشرائع التي كرَّمتها وأطلقتها حرة في فضاء الذكورة ( كما يرد في البيانات والمؤتمرات وورشات التثقيف والتدريب ) في حين أن الحقيقة العارية تقولها الطفلة اليمنية ـ نجود علي ـ المطلقة وهي بعمر تسع سنوات والحائزة منذ أيام على لقب (( امرأة العام )) : إن جميع أصحاب هذه الشرائع كانوا من الذكور حصراً وهم كانوا سباقين في اضطهاد المرأة منذ أن حمَّلوها وزر إبعاد آدم من الجنة…!؟
إن العنف الممارس ضد المرأة صيرورة إنسانية بطلها الفذ ذكر مصاب بداء الفحولة المزمن وما الاضطهاد الممارس ضد النساء إلا تعبيرٌ فاقعٌ عن حالة الاختناق والفشل الذكوريان بما يعني أن تحرير المرأة يستدعي في ذات الوقت تحرير الرجل من ثقافته التي تربى عليها أولاً ومن الاضطهاد الممارس عليه ثانياً وفي ذات الوقت هو تعبيرٌ صارخٌ عن حالة الاستسلام الكلي التي تلبست المرأة بفعل تربية الترويض التي تنشأ عليها فهي إذن قضية تحرير مجتمع لا يزال يرفل في قطيعيته تحريره بالجملة وليس بالمفرق..!؟
وعليه كيف للذكر أن لا يفِّرغ ما يشحن به ويتعرض له ضد الطرف الأضعف منه وهو نتاج تربية وثقافة وبيئة يتعرض فيها هو أيضاً للظلم والاضطهاد المبرمج جسدياً كان أم معنوياً وبخاصة أن موازين القوى الاجتماعية تبيح له حرية تفريغ مكبوتاته فلا الشريعة السائدة ولا القوانين النافذة التي صاغها الذكور بعد أن أزيحت المرأة عن عرشها قبل التدخلات السماوية الذكورية تحمي و تحصِّن النساء من أشكال الظلم والاضطهاد العديدة التي يتعرضن لها…!؟
وإذا كان هناك من يقول مثلاً: إن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل وأمر بالتودد لها والرحمة بها وأن الإسلام يعتبر جميع الناس ذكوراً وإناث متساوين كأسنان المشط فإن هناك من يرد مستشهداً بآية القوامة: (( الرجال قوامون على النساء )) وقد يسرد حكايات مريرة عن سلوك أقرب الناس إلى الرسول ـ محمد ـ ص وهم العشرة المبشَّرين بالجنة ومعاملتهم المشينة للمرأة من قبيل ما فعله الصحابي الجليل ـ الزبير بن عوام ـ وهو ابن عمة ـ محمد ـ صلعم بزوجته ـ أسماء بنت أبي بكر ـ وهي صحابية مثله وابنة صحابي كبير ومن ثم هي شقيقة عائشة زوج ـ محمد ـ لقد كسر الزبير يدها وهو يعركها و( يدعسها ) بعنف شديد وهشَّم أنفها بلا رحمة ولا مودة ولا من يحزنون…!؟ وبالرغم من ذلك لم يجد من يعترض على فعلته العنفية هذه وبخاصة من لدن صاحب نظرية المشط وهو كسَّر أسنان المشط هكذا بكل ضراوة فبقي واحداً من الموعودين بحوريات الجنة اللو
اتي قد يتعرضن أيضاً لما حصل مع ـ أسماء ـ على الأرض…!؟
إن لم تتحرر المرأة تلقاء جهدها أولاً فهي ستبقى رهينة الرجل الذي تتقاسم معه نفس التركة الثقافية هذه الثقافة الذكورية التي جعلت منها خصماً للداعين لتحررها باستلابها مرتين مرة بفعل قوامة الفحولة ومرة بفعل هيمنة ثقافة دينية تربوية تحيلها إلى مجرَّد كائن ولآد مهمته الأساسية تجديد ذكورة المجتمع بالحمل والإنجاب على أن تكون جائزتها جنة تحت أقدامها…!؟
يقول الذكور: إن النساء نصف المجتمع لكن هذا النصف في الكويت لا يجرؤ على انتخاب امرأة واحدة يمثله في مجلس الأمة..!؟ وقد عمل الذكور العراقيون من أصحاب القوائم الانتخابية على إيصال عدد كبير من النساء إلى الجمعية الوطنية ليتبين أنهن سيعملن على تقليص الحقوق المدنية المكتسبة للنساء العراقيات…!؟ وكشفت دراسة بحثية أردنية أن / 63 / % من نساء الأردن يتعرضن للضرب من قبل الفحول وهن مقتنعات أن الضرب حق شرعي من حقوق الرجال…!؟ أما الدكتورة ـ ست البنات خالد ـ أستاذة الأمراض النسوية في جامعة الخرطوم فإنها تدافع عن ثقافة الختان وتسميه: ختان شرعي وهي بذلك تقر بشرعية اضطهاد بنات جنسها وتبرره كما تبرر فتوى تحريم رياضة اليوغا…!؟ مجتمع تكفي فيه رسالة صوتية من جملة واحدة يوجهها الشيخ ـ مقتدى الصدر ـ لكي يهرع عشرات الآلاف من الرجال والنساء إلى الشوارع استجابة وسمعاً وطاعة..!؟ مجتمع تعادي فيه النساء داعية تحررهن الدكتورة ـ نوال السعداوي ـ ويصفونها بالمسترجلة..! مجتمعات تخلو من منظومة قانونية قضائية مدنية تعنى بقضية اضطهاد المرأة وتعنيفها..! مجتمعات من هذا النوع لا تؤدي فيه المؤتمرات و البيانات وحملات التنديد أي غرض يذكر..!؟
من نافل القول: إن كافة الأنظمة العربية التي ترعى شكلاً المؤتمرات والنشاطات المختلفة المناهضة والمنددة بالعنف الممارس ضد المرأة هي ذاتها من يرعى المؤتمرات والأنشطة المعنية بحقوق الإنسان بالرغم من سجلها الأسود في هذا المجال وهي ذات الأنظمة التي وافقت على الوثيقة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل وفيها طلب واضح وصريح بأن على هذه الأنظمة الذكورية أن تعدِّل تشريعاتها بما ينسجم مع نصوص الوثيقة غير أنها أبقت كل شيء على حاله بالرغم من تعارض قوانين الأحوال الشخصية المطبقة فيها مع ما وقعت عليه وبخاصة ما يتعلق بخضوع المرأة المطلق لأحكام بيت الطاعة الفقهية…!؟ إن الدعوة لإنصاف المرأة عبر إعلان النوايا سرعان ما ستتلاشى كالزبد على سطح بحر ثقافته أمواج نصية على شاكلة ما جاء في كتاب إحياء علوم الدين للغزالي ( للمرأة عشر عورات فإذا تزوجت ستر الزوج عورة واحدة فإذا ماتت ستر القبر العشر عورات ) و ( إن النكاح نوع رق فهي رقيقة له ).!؟ وما قاله أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ( أيها الناس لا تطيعوا للنساء أمراً ولا تأمنوهن على مال ولا تدعوهن بدون أمر فإنهن إن تركن وما يردن أفسدن الملك وعصين المالك .. وجدناهن لا دين لهن في خلواتهن ولا ورع لهن عند شهواتهن.. اللذة بهن يسيرة والحيرة بهن كبيرة فأما صوالحهن ففاجرات وأما طوالحهن فعاهرات وأما المعصومات فهن المعدومات.. فيهن ثلاث خصال من اليهود، يتظلمن وهن ظالمات ويحلفن وهن كاذبات ويتمنعن وهن راغبات. )..!؟
وهكذا إذا كان واقع حال الرجل في المجتمعات العربية يكشف عن حقيقة أنه مضطهد مرة فإن المرأة مضطهدة ثلاث مرات وهذه الحقيقة تقود إلى حلقة مركزية من حلقات الاستبداد والهيمنة في المشهد الاجتماعي العربي الراهن…!؟ وقد لا تكون هناك جدوى تذكر إذا ما تمَّ إخراج أي نشاط دعوي من خلال تفكيك هذه الحلقة وتجزئتها بفعل ضغط ما يحدث من أعمال اضطهاد مخجلة هنا وهناك فالمطلوب أكثر من ذلك بكثير وقد لا يقل عن العمل لتحرير هذه المجتمعات أولاً من نفسها قبل أن تحرر من سائسيها الذين كانوا على مرِّ الزمن العربي الإسلامي فحولاً خلفاء .. وفحولاً رؤساء…!؟
يا حيا الله…!؟