فليسقط معبر رفح الاّن الاّن وليس غداًَ.
بقلم محمد رياض
أرجوا أن لا تصل السذاجة السياسية ببعضنا إلى حد تصور أن “إسرائيل” تحاصر قطاع غزة وتمنع عنه الطعام والدواء وتغرقه في الظلام كإجراء عقابي لقيام بعض الفصائل الفلسطينية بإطلاق بعض الصواريخ على بعض المستوطنات الصهيونية، لا… المسألة لها أبعاد أخرى شيطانية والأنظمة الحاكمة في الدول العربية المجاورة “المعتدلة” مشتركة في المؤامرة بفاعلية كبيرة جداًَ.
النظام المصري يحاصر غزة من الشرق كما يحاصرها الكيان الصهيوني من الغرب وهو بذلك يشترك بقواته عسكرياًَ في حصار شعب عربي تحت الإحتلال، وهو أي النظام المصري قادر على كسر هذا الحصار حتى تحت غطاء ما يسمى بالشرعية الدولية، فحتى الأمم المتحدة تطالب مصر ومنذ إقفال القطاع بالسماح لشحناتها من الأغذية والأدوية بالوصول إلى القطاع عبر معبر رفح. أي أن النظام المصري بموقفه المتعنت هذا (في منطق دعاة الشرعية الدولية والقانون الدولي) يتحدى الشرعية الدولية ويخرق القانون الدولي.
أما الأنظمة العربية “المعتدلة” التي لم يتسنى لها لها تقديم المساهمة العسكرية المباشرة للكيان الصهيوني كما فعل النظام المصري، فتحاول مد يد العون لإسرائيل بما تيسر لها من ادوات إعلامية تتفنن في التغطية عن معاناة الفلسطينين المحاصرين هناك بل وتعمل على تهميش القضية وتقديمها للمشاهد العربي على أنها أزمة عابرة ترجع في أصلها إلى عدم إلتزام فصائل المقاومة بالتهدئة، وهكذا ترمى الكرة في ملعب المقاومة، عودوا للتهدئة لتعود “إسرائيل” لفتح أبواب الجنان والخبز والسكر والسولار!!
غير أن ما يلوح في الأفق القريب غير هذا. ”إسرائيل” تبشر بقرب نهاية حماس، وتصريحات قادتها العسكريين واضحة بهذا الصدد، والهدف تهيئة الجمهور عندهم لعملية برية-جوية واسعة في القطاع تقضي على حماس مرة واحدة وإلى الأبد، وما الحصار إلا مقدمة مطلوبة للإنقضاض على فريسة جائعة ومنهكة القوى، وعلى قوى مقاومة قد تجد أنفسها معزولة جماهيرياًَ .
وعلينا نحن أهل الخارج أن لا نستهين بالجوع الذي لم نجربه، فالمرء قد يصبر على جوعه ويتمسك ببندقيته ولكنه لن يصبر على جوع أطفاله، وأبناء صهيون يعون ذلك جيداًَ، ولذا نراهم يترقبون إنتظاراًَ للإنفجار الجماهيري الداخلي في وجه حماس بالإساس، ولكنهم لن ينتظروا طويلاًَ، فعامل الوقت ليس في صالحهم، ولذلك سيمضون قدماًَ في خطتهم العسكرية إن طال صبر الجماهير الغزية على الجوع.
ولهذا فإن على قوى المقاومة ان تعي جيداًَ أنه ليس أمامها من خيار غير تفريغ هذا الإحتقان الشعبي عبر توجيهه نحو تلك البوابة الملعونة في رفح. وقد كتب العبد الفقير إلى الله مقالاًَ منذ عام بعيد يوم العبور العظيم إلى رفح المصرية بعنوان (وسقط أول الجداران ولكن إحذروا القادم من الأيام) يحذر فيه المقاومة من تمكين القوات المصرية من إعادة بناء الجدار الحدودي مع رفح، لأنها بذلك تكون كمن يبني جدار زنزانته بنفسه ثم يعطي المفتاح لسجانه!. ولكن كان ما كان. أما الاّن فالفرصة بفضل الله قد لاحت ثانية خروجاًَ على عادة أن الفرص تلوح مرة واحدة فقط.
ولكن هذه المرة يجب أن يكون الترتيب مختلفاًَ تماماًَ، فالإكتفاء بإجتياح المعبر لن يفيد إلا لحين، لأن النظام المصري سيغلقه كما فعل أول مرة، ويستمر الحصار وما تلبث المؤونة ان تنفذ مجدداًَ، ولذلك لا بد هذه المرة من إحكام السيطرة (الشعبية) على مدينتي العريش ورفح المصريتين وذلك بتسيير الجماهير إليهما من كل صوب وحدب وإبقاء أعداد هائلة من المدنين الغزيين فيهما لفترة طويلة، وبذلك يعجز أمن النظام المصري بما عنده من قوة محدودة في سيناء لا تتجاوز التسعمائة جندي عن إخلاء المدينتين من الجماهير والتوجه بعدها نحو المعبر لقفله، وليضطر عندها إلى اللجوء للتفاهم مع قوى المقاومة لإستعادة المدينتين، وعندها يمكن لقوى المقاومة مقايضة الإخلاء بإزالة كل أثر للجدار الحدودي ولبوابة رفح عن وجه الأرض وبفتح الحدود بشكل دائم بين غزة ومصر.
وإن حدث هذا فإن المقاومة بذلك تكون قد ضربت خمسين عصفوراًَ بتفجير ثغرة واحدة في الجدار، فحصار غزة سيفشل وإحتقان الجماهير الجائعة سيوجه نحو إحداث تغير دائم في خريطة المنطقة السياسية، وسيتعزز موقف المقاومة داخلياًَ وخارجياًَ، وسوف تلغى خطة الإجتياح الإسرائيلي أو تفشل بفضل حصول المقاومة على عمق جغرافي مصري جديد.
وليس عند المقاومة من خيار غير ذلك على أي حال، فالحرب قادمة لا محالة والهدف معلن وواضح وهو إجتثاث وجودها من الإساس، أما التعويل على إستنفار الجياع للقتال حين يقع الجد فقد يكون ضرباًَ من المحال.