(حوار الأديان) النصرانية جمعت كل الوثنيات القديمة؟! (الحلقة الخامسة)
مصطفى إنشاصي
النصرانية دين وثني أشد وثنية وتعقيداَ من اليهودية، فإن كان اليهود لهم عقيدة واحدة هي عقيدة “يهوه”، فإن النصارى حقا جهلة وضالين ومضلين كما وصفهم الله تعالى في كتابة الكريم في سورة الفاتحة، وذلك لأنهم يجمعون إلى جانب عقيدة التثليث الوثنية التي أدخلها الحاخام اليهودي بولس على عقيدة المسيح، عقيدة “يهوه” اليهودية، الذي ليس إلههم “المسيح بحسب عقيدتهم الفاسدة” ولا إله لجميع البشر المؤمنين به وغير المؤمنين، كما هو المسيح بحسب عقيدة النصارى، ولكنه إله اليهود وحدهم. أي أن النصارى يجمعون بين متناقضين، ويؤمنون بإلهين مختلفين، كل منهما لا يعترف بالآخر، ويتحالفون مع أتباع “يهوه”، اليهود، الذين لا يعترفون بمسيحهم لا نبي ولا إله، بل وهم بحسب عقيدتهم الباطلة، قاتلوا إلههم وصالبوه، وسبب كل معاناة البشرية، وذلك عداءً وحقداً على الإسلام والمسلمين، ومن هنا تأتي خطورة هذه الحوارات.
وقد أصبح معلوماً أن بولس اليهودي (شاول) الذي نقل رسالة المسيح عليه السلام أحد حاخامات اليهود الذين تظاهروا باعتناق النصرانية، وفي الحقيقة أنه عمل على تخريبها من الداخل، وذلك بما نقله إليها من أفكار وفلسفات هدامة كانت شائعة في ذلك العصر، مما أبعدها عن روح التعاليم السماوية التي دعا إليها المسيح عليه السلام. ومن قبله بطرس الذي ذكره المسيح باسمه ولا تزال هناك إشارات في الإنجيل تشير إلى دور بطرس في تهويد النصرانية. قد جاء في إنجيل متى 6/23 (فالتفت –السيد المسيح- وقال لبطرس :اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس).
عقيدة التثليث
وبولس هو الذي أدخل فكرة التثليث والقول بإلوهية المسيح وأنه قام من الأموات وصعد ليجلس عن يمين أبيه. كما ابتكر خرافة العشاء الرباني وغفران الذنوب مستمدًا ذلك من الفلسفات الإغريقية والوثنية، ونادى بإلوهية الروح القدس، ودعا إلى عدم ضرورة الختان، واخترع قصة الفداء، وهو الذي نقل المسيحية من كونها دينًا خاصًا ببني إسرائيل وجعلها دينيًا عالميًا، لقد كتب أربعة عشر سفرًا تعليميًا من أصل إحدى وعشرين رسالة تشكل مجموعة الرسائل التي تعد مصدرًا تشريعيًا في النصرانية.
وقد ظلَّت فكرة إلوهية المسيح محلَّ خلافٍ بين النصارى، حتى عُقِد مجمع نِيقيَّة سنة 325 ميلاديَّة، بعد ما رأى قسطنطين -وهو أوَّل إمبراطورٍ يعتنق النصرانية- أنَّ أساقفة النصارى مختلفون اختلافاً كبيراً في مسألة طبيعة المسيح، هل هو رسولٌ أم إله أم ابن إله؟. وقد حضر هذا المجمع 2048 أسقفا، وكانوا مختلفين اختلافاً شديداً حول طبيعة المسيح، والعجيب أنَّه لم يقل بإلوهية المسيح سوى 318 أسقفا، وهو عددٌ ضئيلٌ إذا ما قورن بالعدد الكلِّيّ، ولكنَّ قسطنطين اعتنق هذا الرأي وفرضه، وكان الذي لا يقول به بعد ذلك يتعرَّض لاضطِّهاداتٍ شديدةٍ تصل إلى الأمر بإحراقه.
وعقيدة التثليث عند النصارى تعني أن الإله واحد في أقانيم ثلاثة: الأب، والابن، والروح القدس، والمسيح هو “الابن”. فبهذا يظهر أمامهم ثلاثة آلهة تبرز برؤوسها، والثلاثة معاً الله، والله يتفرق فيكون ثلاثة ويجتمع فيكون إلهاً، أين العقل الذي يحتمل ذلك؟ ويرون أن التثليث لا يعالج بمنطق العقل، ولكن بالإيمان والوجدان، وهذا هروب من النصارى من بداية الطريق. لأنه يستحيل تصوره لدى العقل.
ونستطيع القول بأن النصرانية قد أخذت من معظم الديانات والمعتقدات التي كانت موجودة قبلها مما أفقدها شكلها وجوهرها الأساسي الذي جاء به عيسى عليه السلام من لدن رب العالمين. وقد كانت فكرة التثليث التي أقرها مجمع نيقية 325م انعكاسًا للأفلوطينية الحديثة التي جلبت معظم أفكارها من الفلسفة الشرقية، لقد كان لأفلوطين المتوفي سنة 270م أثر بارز على معتقداتها، فأفلوطين هذا تتلمذ في الإسكندرية، ثم رحل إلى فارس والهند، وعاد بعدها وفي جعبته مزيج من ألوان الثقافات، فمن ذلك قوله بأن العالم في تدبيره وتحركه يخضع لثلاثة أمور:
1- المنشئ الأزلي الأول.
2- العقل المنبثق عنه.
3- الروح التي هي مصدر تتشعب منه الأرواح جميعًا.
وهو يضع بذلك أساسًا للتثليث إذ إن المنشئ هو الله، والعقل هو الابن، والروح هو الروح القدس.
النصرانية هي كما قال عنها الباحثون إنها مزيج من ديانات عديدة قديمة، وأنها الآن شيء يخالف كل المخالفة ما كان عليه سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام. يقول درابر الأمريكي في كتابه “الدين والعلم”: “ودخلت الوثنية والشرك بتأثير المنافقين الذين تقلدوا وظائف خطيرة، ومناصب عالية في الدولة الرومانية بتظاهرهم بالنصرانية، ولم يكونوا يحفلون بأمر الدين، ولم يخلصوا له يوماً من الأيام .. وكذلك كان قسطنطين .. فقد قضى عمره في الظلم والفجور، ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية غلا قليلاً في آخر عمره (337). إن الجماعة النصرانية، وإن كانت قد بلغت من القوة بحيث ولت قسطنطين الملك، ولكنها لم تتمكن من قطع دابر الوثنية وتقتلع جرثومتها. وكان نتيجة كفاحها أن اختلطت مبادئها، ونشأ من ذلك دين جديد، تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء .. حتى إن النصارى الراسخين أيضاً لم ينكروا عليه (قسطنطين) هذه الخطة”.
ويقول فشر المؤرخ الإنجليزي: “إن حكمة الكنيسة المسيحية هدت آبائها الأولين إلى قبول ما لم يستطيعوا له منعاً من العادات والتقاليد والمعتقدات (!!) بدليل استقبال الكنيسة لمبدأ تعدد الآلهة الراسخ بين شعوب البحر الأبيض المتوسط، وتطويع ذلك المبدأ لما تقتضيه عقائدها”. ويقول برنتن: “إن المسيحية الظافرة في مجمع نيقية ـ وهي العقيدة الرسمية في أعظم إمبراطورية في العالم ـ مخالفة كل المخالفة لمسيحية المسيحيين في الجليل (أي المسيحية الأولى كما جاء في كلامه بعد ذلك) ولو أن المرء اعتبر العهد الجديد التعبير النهائي عن العقيدة المسيحية لخرج من ذلك قطعاً لا بأن مسيحية القرن الرابع تختلف عن المسيحية الأولى فحسب، بل بأم مسيحية القرن الرابع لم تكن مسيحية بتاتاً.
ومن يتابع المسيحية يعرف بأنها مجموعة من الطقوس والتقاليد الدينية القديمة، فأصولها التي قامت عليه هي الأصول التي كانت في الديانات الوثنية، وأدخلها بولس للمسيحية فاخرج بها (مسيحية جديدة) وعارض (المسيحيون اليهود) بولس وأنكروا كل ما جاء به، ولكن بعد زوال هذه الفرقة انتشرت أفكاره بين الأمم الأجنبية فوافقت دعوته وثنيتهم وأقبلوا عليها وخرافات بولس هي التي شككت الباحثين المحدثين في حياة المسيح، لأنهم وجدوها صورة من الآلهة الوثنية القديمة بعل ومثرا وأدونيس وإيزيس وأوزوريس وحوريس وكرشما إله الهندوس …… إلخ كلها آلهة متشابهة وكلها كانت آلهة زراعة وخصب، وخلعت صفاتها على المسيح. ومن أوجه التشابه:
– الهندوسية فيها تثليث وأقانيم وصلب للتكفير عن الخطيئة وزهد ورهبنة وتخلص من المال للدخول في ملكوت السماوات، والإله لديهم له ثلاثة أسماء فهو (فشنو) أي الحافظ وسيفاً (المهلك) وبراهما (الموجد). وكل ذلك انتقل إلى النصرانية بعد تحريفها.
– البوذية التي سبقت النصرانية بخمسة قرون انتقلت بعض معتقداتها وأفكارها إلى النصرانية
– عقيدة البابليين القديمة خالطت النصرانية إذ إن هناك محاكمة لبعل إله الشمس تماثل وتطابق محاكمة المسيح عليه السلام.
– عقيدة البابليين القديمة خالطت النصرانية إذ إن هناك محاكمة لبعل إله الشمس تماثل وتطابق محاكمة المسيح عليه السلام.
ـ ديانة مثرا الفارسية: ازدهرت في فارس في القرن السادس ق م، ثم نزحت إلى روما، وصعدت في أوروبا فوصلت مدناً شمالية في إنجلترا، ومن التشابه بين مثرا، ويسوع.
ـ كل منهما كان وسيطاً بين الله والبشــر.
ـ ولد مثرا في كهف وولد عيسى في مزود البقر.
ـ ولد كل منهما في الخامس والعشرين من ديسمبر.
ـ كل منهما كان له اثنا عشر حواريا”.
ـ كل منهما مات ليخلص البشر من خطاياهم.
ـ كل منهما دفن وعاد للحياة بعد دفنه.
ـ كل منهما صعد إلى السماء أمام تلاميذه.
ـ كل منهما كان يدعى منقذا” ومخلصاً، ومن أوصافه أنه كان كالحمل الوديع.
ـ كل منهما كان له أتباع يعمدون باسمه وقام عشاء مقدس في ذكراه.
هذا وجاء في كتاب “حياة المسيح في الكشوف والتاريخ” للمرحوم العقاد: أن عبادة مثرا هذه انتقلت إلى الدولة الرومانية وامتزجت بعبادة إيزوريس المصرية ومنهما جاءت عبادة ديمتر، وهى في جملتها هي الديانة المصرية التي حوربت وقد صوروها في صورة أم تحتضن طفلها الرضيع دلالة على “الحنان والبراءة”. والصورة هي هي صورة إيزيس وحوريس، ثم هي هي أيضا صورة مريم العذراء التي تحتضن المسيح . وهذا مما يؤيد ما سبق.
ثانياً: ديانة بعل: ديانة بابلية وقد انتقلت مع موجة الفتوحات البابلية إلى شمال الهلال الخصيب، وظل (الكنعانيون) يدينون بها، وفي كثير من الأحيان كان اليهود يتركون ديانتهم ويعبدون بعلاً، ونهاية هذا الإله تكاد تكون هي الصورة التي صورت بها نهاية المسيح ، وكل منهما:
ـ أسر قبل محاكمته
ـ حوكم علنا
ـ أعتدي عليه بعد محاكمته
ـ نفذ الحكم عليه في أعلى الجبل
ـ كان معه مذنب أخر محكوم عليه
ـ ولما أراد الحاكم العفو عنه طالب الشعب بإعدامه هو والعفو عن المجرم
ـ بعد تنفيذ الحكم عليه ظهر الظلام وعم اضطراب الناس وعلا الرعد وزلزلت الأرض
ـ كل منهما أقيم حرس على قبره
ـ كل منهما قام من القبر وصعد إلى السماء
ومعظم هذه الأشياء مما دس على المسيحية بعد زمن طويل من نهاية المسيح ، وجاء المتأخرون فوجودا آباءهم عليها فاقتدوا بهم من غير علم ولا تفكير !!!!!! وهذا ما جعل الدراسيين المحدثين ينكرون المسيح نفسه ويعتبرونه واحداً من هذه الآلهة الوثنية الخرافيــة.
وقد لعبت المجمعات الدينية النصرانية التي كانت تعقد بين الحين والحين لسن القرارات وإصدار الفتاوى، فهي هيئة تشريعية تحل وتحرم، الدور الأكبر في تثبيت تلك العقائد الوثنية عقيدة نصرانية، ومن أهم هذه المجامع:
1- مجمع نيقية 325م: قالوا فيه بأن المسيح إله فقط.
2-مجمع القسطنطينية الأول 381م: قرروا فيه بأن الروح القدس إله.
3- مجمع أفسس الأول 431م: قالوا فيه بأن للمسيح طبيعتين لاهوتية وناسوتية.
4- مجمع خلقيدونية 451م: قالوا فيه بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين.
5- مجمع رومه 1869م: قرروا فيه بأن البابا معصوم.
– تتابعت المجامع، وما تزال إلى يومنا هذا، ومن أواخرها مجمع روما 1869م والمجمع الإقليمي في جاكرتا 1967م الذي عقد لتوقيع ميثاق بين كل الطوائف للتحالف على مواجهة المسلمين بكلمة واحدة في الاجتماعات والمحافل الدولية.
– عندما دخل الرومان في الديانة النصرانية نقلوا معهم إليها أبحاثهم الفلسفية وثقافتهم ال
وثنية ومزجوها بالمسيحية التي صارت خليطًا من كل ذلك.
وثنية ومزجوها بالمسيحية التي صارت خليطًا من كل ذلك.
تلك الوثنية التي هم عليها والتي أبعدتهم عن الأصول السماوية للرسالات التي أنزلها الله تعالى على رسلهم، هي التي منعتهم من الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لذلك أمر الله تعالى رسول الكريم أن يُنهي ذلك الجدل الذي طال مع وفود النصارى، وهم يزعمون أنهم أتباع وموسى عيسى عليهما السلام، وأنهم موحدون كما يزعمون الآن، بقوله تعالى: (قل يا أهل الكتابِ تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذُ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللهِ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران:٦٤. والكلمة السواء هي (كلمة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله).