ديموقراطية تفصيل ….
د. كمال متولي
لا أتصور أن مجتمعا ناضجا يفصّل دستوره وهو أبو القوانين لاتصك أذناي تصريحات سياسية علي نحو نفضحه فيه غرائزه فيخلد حكامه ويوحد قواه السياسية تحت راية واحدة كما لو كان الناس متفقين وقالهم يقول أنه خلقهم مختلفين؛ من هنا يدافعون عن عبثهم بارادة الشعب بتصريحات سياسية تصك أذناي تصريحات تقول إن الشعب المصري غير معد للممارسة الديموقراطية بعد! وأن الشعب يتعين منحه الديموقراطية في جرعات يستوعبها ليتحملها في مواقع فاعلة تقول إن الشعب المصري غير معد للممارسة الديموقراطية بعد! وأن الشعب يتعين منحه الديموقراطية في جرعات يستوعبها ليتحملها!… رموا الشعب بكل نقيض لحاله وهم المفوضون أمره منه. حاورت نفسي في أمره وما يقولونه عنه, فخلصت الي أن شعبا جاوزت حضارته الخمسة آلاف سنة, وأن حضارته هي بوتقة حضارات العالم جميعا عدا الحضارة الاسترالية لا يمكن أن يكون بحاجة الي تعليم أو تلقين أو تدريب خاصة وأن مادة التدريب جزء من حياته اليومية فهو مساهم مشارك بالرأي في شئونه وشئون غيره اليومية وما الديموقراطية الا مشاركة بالرأي لتشارك بالفعل منتمية.
تذكرت زيارة مبكرة لصالون قص الشعر, كان وصولي قبل وصول صاحبه وبجواره مخزن لقدر الفول المدمس. استعان الأسطي علي الحلاق بصاحبه عند وصوله لفتح باب الصالون… فاذ به يلحظ تغييرا في الواجهة تم يوم اجازته الاسبوعية فيقول لجاره “ألا قولي يا سعد ايه البياض ده؟” فيرد “ياسيدي الحي طلب منا دور نظافة” فيكون رد الرجل البسيط الذي كان نصيبه من العلم فك الخط والتوقيع باسمه ” بس يا سعد نظافة البيت تبدأ من أول السلم من فوق!” شارك بالرأي وبحكمة قد يفتقدها من يري منحه الديموقراطية علي جرعات… وهل حق الكلام يمنح؟ أم أنه من حقوق الانسان الأساسية التي خلق بها ومن أجلها؟
وعادت بي الذاكرة الي سعد باشا زغلول وعنده أحد باكوات عصره زائرا ليروي للباشا رؤياه فيقول” أنه رأي نفسه فوق سنام جمل يسير به وقدمت اليه رسالة فاستلمها ونظر خلفه ليري طابورا من الحمير ” فيسأل الباشا أحد جلسائه عن التفسير فيرد” بسيطة يا باشا صاحبنا سيتبوأ مقعدا في البرلمان في الانتخابات وأنه سيتسلم خطاب تكليف بالوزارة … أما من خلفه من الحمير فهم الذين أتوا به الي البرلمان بعد انتخابهم له !! “
هذا العصر الذي وصف فيه بعض الناخبين بالحمير أسقط عبد الفتاح باشا يحي رئيس مجلس الوزراء والذي تمت الانتخابات في ولايته ومعه وزير الداخلية المنتمي اليه ليفوز مرعي أفندي!! (والد سيد ومرعي وعمر مرعي). وفي ظل حكم الملك فؤاد. أي نزاهة هذه وأي عنوان تفخر به مصر وشعبها في حرية التعبير وحرية الاختيار وسلطة قائمة علي العدل لا علي القهر؛ انتظرت حكم الشعب ورحبت به دون طعن في النتائج واعادتها لإيصال من عليه العين والنية! … شعب قادر علي حسن التمييز وحسن الاختيار ثم يقولون أنه شعب بحاجة الي جرعات من الديموقراطية لتكون ظلا وارفا عليه…. وكان الذي تملكه السلطة إذا أتت الانتخابات علي غير هواها هو حل البرلمان .. كما كان للحاشية شأن, شأنها شأن بلاط الملوك علي مر التاريخ من دسائس ومؤامرات يساعد عليها فترات الحكم الطويلة التي لا يتغير فيها الحاكم الا بوفاته ما لم ينقلب عليه طامع آخر في الوثوب علي السلطة وينجح في ذلك مسويا حساباته مع من كان قبله هو وحاشيته.
الحق يقال أن عصر ما بعد يوليو 1952 شهد انتخابات علي درجة عالية من النزاهة ابان تكليف ممدوح سالم رئاسة مجلس الوزراء, ومع هذه النزاهة لم تشهد مصر مشاركة حقيقية في الحكم حتي علي النحو الذي استشار فيه فرعون قومه عندما أتاه موسي وهارون أو عندما أسقطت رسالة سليمان علي ملكة سبأ.
قد يدفع البعض بأخذ الرأي علي الأمور المصيرية مثل الدستور من خلال استفتاء, أو مشروع صكوك الملكية العامة من خلال النقابات … وكلتا المسألتين بحاجة الي متلقين ومشاركين علي درجة عالية من الاستعداد المهني لتلقيها وفهمها واتخاذ القرار الأنسب لمستقبلهم ومستقبل وطنهم… فهل تم الاعداد لذلك؟ ربما يكون الأمر مختلفا تماما لو أن هناك أحزاب سياسية تتمتع بحق التعبير والاجتماع دون ضوابط أمنية معيقة ومن خلال هذه الأحزاب يتولي المؤهلون عمل الدراسات الفنية اللازمة وشرحه للمنطوين تحت راية هذا الحزب فتكون أصواتهم معبرا صحيحا ودقيقا عن رأيهم وليس أداة تصور قناعة بما لا يصح أو بما لاينفع الوطن أو يكون مسلكا فاعلا لضمان المشاركة الايجابية المثمرة وضمان الانتماء لهذا الوطن وبدونهما لن تتلاشي أو حتي تضيق الفجوة بيننا وبين غيرنا من الأمم.
من الطبيعي أن يكون استئثار حزب بالدولة أكثر من عقدين من الزمان فضلا عما سبقه من تنظيم سياسي منفرد بالدولة الي أن تك
ون هناك حماعة من الناس لاتحدث الا نفسها ولا تعيش الا مع ذاتها ووصل بها الأمر الي مهاجمة كل صوت معارض بأنه معارضة موسمية وأنها تعيد البلاد أربعين سنة للوراء منكرين أن واقع الحال ينطق بأنها تراجعت الي ما قبل عصر محمد علي أي حوالي 250 سنة بينما كانت اليابان تتطلع الي ما كانت عليه مصر في عهده! وشتان بينهما اليوم رغم ما تعرضت له اليابان الي هزيمة منكرة واحتلال مقيد مع عدم وجود أي موارد طبيعية فيها.
ون هناك حماعة من الناس لاتحدث الا نفسها ولا تعيش الا مع ذاتها ووصل بها الأمر الي مهاجمة كل صوت معارض بأنه معارضة موسمية وأنها تعيد البلاد أربعين سنة للوراء منكرين أن واقع الحال ينطق بأنها تراجعت الي ما قبل عصر محمد علي أي حوالي 250 سنة بينما كانت اليابان تتطلع الي ما كانت عليه مصر في عهده! وشتان بينهما اليوم رغم ما تعرضت له اليابان الي هزيمة منكرة واحتلال مقيد مع عدم وجود أي موارد طبيعية فيها.
في ظل رعب مصطنع من عدو مخترع تنامي دور الأمن فأصبحت كل الأمور رهن موافقته, الطالب المتفوق ليس له مكان في هيئة التدريس ما لم يسمح الأمن بذلك, التعيينات في في كثير من الهيئات وأهمها القضائية لا يتم الا بموافقة أمنية! ومن عجب أنه تحت هذه المظلة تنامي عدد الفضائح في الرشي واهدار المال العام والتربح وصور أخري كثيرة من الفساد. فعرك الأمن السياسي للأمن الاجتماعي لا يؤهل الناس بفسحة من الوقت لابراز شخصياتهم كنعصر مضاف فاعل في بناء الوطن.
لقد ظلموا الشعب المصري ورموه بعدم الاستعداد ليحرموه من الممارسات الديموقراطية وينفردوا بالسلطة مستأثريت بها ملك عضود لا يبغون عنه حولا, وهم لو كسروا القيود التي فرضوها علي حرية التعبير, ما لم يكن تعبيرا يمس قيم المجتمع المتراكمة وقيمه فقط… لتفتحت جميع الزهور ولتضاعفت مساحات المشاركة والعطاء ولانطلقت مصر عابرة الفجوة الحالية بينها وبين دول العالم بدرجاتها الثلاث, ولنعم من في السلطة بقيادة امة منتجة متعاونه ناهضة مشرّفة.