بقلم- عطا مناع
أيام تفصلنا عن ما يسمى بمحاكمة الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات، المحاكمة من حيث الجوهر إسرائيلية، ولكن جوهرها يعكس مرحلة تردي فلسطيني فقد الذاكرة وارتضى لنفسه أن يكون ظلا للآخر تحت شعار ما باليد حيلة، صحيح أن الاحتلال الإسرائيلي له اليد الطولا والفعل الأقوى في رسم الخارطة الناهضة للفعل المقاوم في فلسطين، ولكن لا بأس من الاعتراف أن الخواء هو لسان حال الفكر المقاوم في فلسطين، هذا الفكر الذي بات اوهن من بيت العنكبوت لانسياقه وراء الوعود السرابية للدايتونية الجديدة التي فعلت فعلها في الساحة المقاومة وبأيدي فلسطينية بذرية السلطة الواحدة.
قد ينطق الحاكم العسكري الإسرائيلي بالحكم على الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هذا الحكم قد يكون نهاية طبيعية للمهزلة الإسرائيلية في التعامل مع قضية وطنية فريدة من حيث أسبابها ونتائجها وتفاعلاتها، فاحمد سعدات الذي لم يعترف أصلا للمهزلة الإسرائيلية التي كانت تتويج لمؤامرة بدأت باحتجازه في المقاطعة برام اللة تحت شعار حمايته لينقل إلى سجن أريحا الفلسطيني شكلا والأمريكي البريطاني مضمونا وبعد ذلك للزنزانة الإسرائيلية.
لقد شكل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ظاهرة هزت الفكر المقاوم في فلسطين عندما قال بعد اغتيال الأمين العام السابق للجبهة الشهيد أبو علي مصطفى الرأس بالرأس، وكانت النتيجة الطبيعية لهذا الشعار الإطاحة براس وزير السياحة الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي، تلك الممارسة كانت اكبر من المسموح به حتى فلسطينيا، فمجرى الأحداث وخاصة ما جرى في سجن أريحا والصمود الذي سطره سعدات ورفاقه عندما دكت المدفعية الاحتلالية الإسرائيلية أسوار سجن أريحا بتاريخ 14-3-2006 أعطتنا إشارات واضحة وصريحة للتحالف الغير مقدس تجاه المنهج الوطني المناهض لاوسلو وما يرسم للشعب الفلسطيني من خطط للانقضاض على المقاومة التي باتت من وجهة نظر المتحالفين مع الولايات المتحدة الأمريكية خارجة عن القانون.
في اعتقادي أن الطبقة السياسية الفلسطينية ستمر سريعا عن محاكمة سعدات الذي سار بعكس تيارها المنسجم مع الاتفاقيات السياسية والأمنية والصفقات التي”حررت” من سجون الاحتلال شخصيات لها وزنها، وبعد إصدار”الحكم”على الأمين العام للجبهة الشعبية سنسدل الستار على جريمة أخرى ترتكب بحق قادتنا، وقد يتحفنا البعض بوجبة من الاستنكارات ويخرج علينا البعض الأخر بمؤتمر صحفي لا لون ولا طعم له، فنحن عاجزون كما ذكرت سالفا عن الفعل لأننا وصلنا للقاع، ونحن نتسلح بالصمت السلبي والموافقة الضمنية على ذبح المقامة وقادتها وما حدث للقائد الفلسطيني مروان ألبرغوثي إلا دليل واضح على عجزنا وانحطاطنا السياسي والنضالي.
بتاريخ 25-11-2008 سيحضرون الأمين العام للجبهة الشعبية للمحكمة المهزلة، سيقلبون أوراقهم وقد يعلنوا حكمهم وهم على قناعة داخلية أنهم لا يستطيعون مواجهة منطق الشعب الفلسطيني وقادته الحقيقيين الذي يمتلكون البوصلة والشرعية وقوة الفعل والحكم في زمن التردي السياسي الفلسطيني، وفي اعتقادي سينطق القاضي العسكري الإسرائيلي بحكمة الجاهز رغم إعلان سعدات انه لا يعترف بشرعية المحكمة ولا بدولة الاحتلال التي يفترض أن تحاكم على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.
من يحاكم من، ومن يجب أن يكون قفص الاتهام، سعدات وغيرة من قادة النضال الوطني الفلسطيني يمارسون واجبهم وحقهم في الدفاع عن شعبهم ويكافحون من اجل الاستقلال وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، الجلاد لا يمكن أن يكون قاضيا، ومن الناحية السياسية فقد صدر الحكم على دولة الاحتلال على لسان سعدات عندما أكد انه لا يعترف بالمحاكمة المهزلة، لذلك فمحاكمة سعدات هي محاكمة لكل فلسطيني يرفض الاحتلال ويقاومه ولو بأضعف الأيمان، وهي جزء من مؤامرات بدأت أوراقها تتكشف على ارض الواقع، مؤامرة القضاء على ثقافة المقاومة والتنسيق مع الإسرائيلي لسحقها ليس في الميدان فقط وإنما في العقول، ويتضح ذلك من التوافق والانسجام الغير مسبوق مع الإسرائيلي في التعاطي مع المقاومة الفلسطينية.
تأتي محاكمة سعدات وغزة تغرق في الظلام والضفة الغربية تنهشها الحملات الأمنية والحوار الفلسطيني الداخلي بأعلى مستويات ألازمة والسجون الإسرائيلية تحولت لمقابر للأحياء والجوع ينهش بالفلسطينيين والعرب صامتين واليسار والفلسطيني يستأنس بالنوم على الشجرة لقناعته بان الذين يفوزون هم النوم ، أوضاع تعكس حقبة فلسطينية وعربية غير مسبوقة ومشوهة، لذلك لا غرابة من أن يحاكم سعدات والبرغوثي دون فعل فلسطيني مناهض، ومن قبلهم الرئيس عرفات الذي اغتيل وكان الصمت المشبوه لسان الحال الفلسطيني.