محمد طمليه …الساحر الساخر
بقلم :عوني حدادين
لقد اغرقني الكاتب محمد طملية بكتاباته الساخرة منذ عام 1988 مما اضطرني لشراء جريدة
“صوت الشعب” الاردنية انذاك والتي كان يكتب بها مقالاته الساخرة..
وتعرفت عليه في احدى الجلسات وقلت له انني اشتري “صوت الشعب ” لقراءة ما تكتب فهز
رأسه .. مجاملة..
محمد طملية من الكتاب المبدعين والتأثرين على كل قوانين الطبيعة عبارته دائما كانت ملطخة
بالبؤس والتعاسة يحارب التقاليد البالية نصير الفقراء والمعدمين، مقالته التي لا تتجاوز المئة
كلمة هي قصة كاملة لحياتنا ومعاناتنا من الفقر الى الظلم ..كان كما السيف لم تغيره العواصف
والتقلبات في العالم أو اموال الدنيا وكما كان يقول قبل وفاته ساخرا: (انني كاتب جاد وملتزم
ومن اصول ماركسية مازلت وفيا لها..) ، ومحمد كان يجمع بكتاباته بين السخرية والصعلكة
والعبثية لم يسمح للشهرة او الظهور ولم يستطيع احد تقليده والكتابة بلغته الرقيقة والرشيقة
والساحرة التي تجلب كل من يقع عينه عليها .
ومحمد طملية كان كاتبا لا يهادن ولا يجامل احدا لم يتغير لم يتنازل عن مواقفه التي اعتنقها
وهو حليف المهمشين والمسحوقين .. كان واضحا جادا ومتمردا عاشا كما يحلو له دون
مجاملات.
محمد طملية كان يبهرك بالاشياء الجديدة والعظيمة انه من العظماء وكل العظماء مظلومين
ومقهورين في بلادهم ، كان يقول : لو عشت مرة اخرى سابقى كما كنت …كان يكتب ويحس
انه مغادر .. الى عالم اخر كان يكتب وكأنه يقطع من لحمه وجسمه النحيف وعمره ..
غادرت ايها العظيم .. كما غادر قبلك شاعرنا العظيم محمود درويش انها لعنة الموت التي
تلاحق العظماء وتترك الفاسدين يعيثون فسادا في الارض.. لعنة الموت تطارد الذين يفكرون
خارج السرب خارج الانحطاط الفكري والتخلف المغلف بالمظاهر المزيفة خارج الساعة..
ولأن الموت يبغض العظماء لأنهم هم المتحدين له ، ويتعاملون معه باحتقار فهم لهم الحياة
الابدية.. على الارض.
محمد طملية كان صديق الشاعر درويش لم يستفزهما الحياة بقدر ما استفزوها سويا .. ولعل
وعسى ننهض على الظالمين والفاسدين ..
كتب محمد طملية تبرعا بدون مقابل في عدة صحف فكتب في صحيفة الاصالي ونشرة
الواجهة التي اصدرها حزب الشعب الديمقراطي الاردني انذاك في الاردن.
لقد تركنا محمد وذهب الى عالم اخر هو يهز راسه ويقلب سيجارته بين يديه وهو مهموم
بعذابات الفقراء ومأساتهم، مهموم بقضايا الوطن العربي في فلسطين والعراق ، كان يقول
بسخرية: ان كل اعلام العالم ترتفع الى الاعلى الا علم فلسطين فهو يلف على الشهداء ولا
تراه الا الجنازات..
وداعا محمد لقد تركت لنا السلطان والاوغاد .. لقد جف القلم حزنا عليك فأنت المدرسة
الساخرة اللاذعة لكل اوضاعنا وهنيئا لك وانت تعتلي صهوة الشهادة والموت بشرف وقوة نم
قريرة العين لأنك ستجد من يسير على طريقك الصلبة ومبادئك التي لم تتزعزع .. بقيت
متمردا منفردا ومختلفا مشاكسا ومحتجا على حياة الظلم والفقر.. كم هو جميل ان يختار
الانسان القدر الذي يريده .. ومحمد اختار ان يكون الى جانب الفقراء وكما كرر ذلك في اكثر
مقالاته.