ضحى عبد الرحمن
تحدث الكثير من الكتاب الافاضل عن الاتفاقية الأمنية بين حكومة الاحتلال وإدارة الاحتلال واشاروا الى مساوئها الواضحة أو تلك المفخخة. والتي لا نعتقد ان المفاوض العراقي الغارق حتى أذنيه في العسل الامريكي يتمكن من فك الغازها أو ربما فهمها او معرفة تداعياتها ولكنه يتجاهلها لأسباب معروفة, وبدأت الاضواء تتسلط فقط على المزايا التي تضمنتها لا سيما الانسحاب الابتدائي أو النهائي ولا اعرف أي ميزة تلك سيما ان وجود هذه القوات وفقا لقرارات الامم المتحدة مرهون بموافقة الحكومة العراقية وهذا ما كنا نسمعه من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبقية الجوق الحاكم خلال طوافهم في البيت الابيض مستجدين المام بوش لأبقاء قواته في العراق حتى يفرغ الوطن من شعبه وثروته ليعودوا بعدها الى البلدان الاجنبية والعربية التي لفظتهم بافواهنا ليمارسوا فيها الاستثمارات المليونية ويقلبوا الصفحات السوداء التي كانوا فيها يتسكعون امام المخابرات العربية والاجنبية للحصول على المعونات وليتسنى لهم نسيان ألايام الخوالي ايام الوقوف طوابير في الحسينيات في طهران ودمشق للحصول على صحن من الحساء الحار.
ولسنا بصدد مناقشة الثغرات القانونية والتي يمكن لكل صاحب لب رشيد وقليل من الفطنة و الوطنية ان يكشفها ويلعن تلك الساعة التي توافد فيها الغزاة على بلدنا الجريح, ما نحن بصدده المواقف المتباينة من الاتفاقية بين الكتل السياسية من جهة والمراجع الدينية والنخب الثقافيةمن جهة أخرى. فمن الغرائب ان توافق الحكومة العراقية ممثلة بهيئة الوزراء على الاتفاقية بكل وزرائها بأستثناء وزيرة واحدة هي نوال السامرائي وزيرة شئون المرأة التي اثبتت بجدارة أنها الرجل الوحيد في حكومة المالكيمذكرتنا بالمنولوجست المرحوم عزيز علي” الزلم لبست عبي” أي عباءة. فطرح الاتفاقية على مجلس الوزراء لغرض التصويت هي حالة فريدة في البروتوكول فهذه أول مرة في تأريخ المعاهدات الدولية نسمع فيها طرح المعاهدة على مجلس الوزراء, سيما ان الدستور الفيلدماني نفسه تضمن فقرة تقضي بأن عقد الاتفاقيات هي من صلاحية المجلس النيابي كما ان النظام الداخلي للمجلس نفسه في الفقرة(120) نص على أن تصديق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ينظم بقانون خاص تتم الموافقة عليه بالأغلبية بعدها تشكل لجنة لهذا الغرض وهذا ما لم يحصل لحد هذه اللحظة بسبب مناقشة قوانين أخرى استراتيجية اهم من الاتفاقية مثل توزيع الجوازات الدبلوماسية على النواب وافراد عوائلهم الذين يعيشون في الخارج مدى الحياة ولا نعرف ما علاقة افراد أسرهم بالجوازات الدبلوماسية وهم لا يعيشون في العراق اصلا ولكنهم ينعمون بخيراته عبر الريموت كونترول ومتجنسين بجنسيات أجنبية, إضافة الى القرار الاستراتيجي الخطير بتخصيص رواتب مليونية للنواب لغاية إنقصاف اعمارهم وقبل تشريفهم دخول الدرك الاسفل من الجحيم بعد أن أغرقوا العراقيين بالخيرات والنعم وجعلوا من الوطن مجرد أطلال أمام أنظار العالم, إضافة الى قرار أمني أكثر خطورة بتوزيع سيارات مصفحة عليهم ليسيروا بتحدي امام الشعب الذي انتخبهم ديمقراطيا! وربما ستكون الوانها بنفسجية بلون البلوى التي ابتلينا بها.
لا شك ان ممثلين الشعب الذي انتخبتهم الاصابع البنفسجية البلهاء هم صورة كما يفترض من الشعب العراقي أو ما يسمى نسخة طبق الأصل, ولكن الحقيقة تتكشف يوم بعد آخر بأنهم ليسوا سوى عناصر مأجورة لمخابرات أجنبية تعيث فسادا في العراق ولا يربط البعض منهم بالوطنسوى وثيقة جنسية مشكوك بامرها هي الأخرى. بالرغم من المحاولات المستميتة لعدم تسريب أخبار البرلمان الى خارجه لكن مع هذا فأن بعض الحوادث تتسرب من خلال جدرانه المتداعية لتفضح ما يجري داخله وهذا التسرب ليس ديمقراطيا كما يظن البعض ولكنه يتسرب بسبب الأختلافات الايدلوجية والدينية والمذهبية والقومية وتباين الاجندات الاجنبية إضافة الى عوامل الشقاق والحسد والغيرة والمكائد والدسائس بين النواب انفسهم, وكانت المناقشة الأخيرة في البرلمان علمية للغاية وعميقة في تحليلها بحيث تحول الصراع بين النواب من صراع بالافكار الى صراع باللأيدي والركلات لكن البعض منهم رجع الى اصوله العريقة في الأخلاق والتربية التي تلقاها على افضل الرعاع والسفلاء والارذال في الحاراتفحولوها الى صراع بالاحذية ويبدو ان السادة النواب لكونهم يمارسون هذا النوع من الديمقراطية بأستمرار خلال جلساتهم لذلك تراهم يلبسون احذية قبغلي(بدون قيطان) لتسهيل عملية نزعها وإعادتها بشكل شفاف بعد صدور قائمة المنتصرين بحرب الاحذية. ويبدو ان خاتمة الجلسة كانت بإعادة الاحذية للنواب بإشراف مباشر من رئيس المجلس مؤكدا على ضرورة احترام نوابه لزملائهم من خلال إعادة الأحذية وفق قاعدة ” دعه يمر دعه يسترجع حذائه” , ولم يكشف بعد فيما إذا كان المشهداني قد أنهى الجلسة بضرب المنضدة بمطرقته أو فردة من حذائه!وهل استرجع كافة النواب احذيتهم أو تعرض بعضهم الى عملية علس وهو من المفاهيم الديمقراطية المستحدثة منذ الغزو!
div>
تشير الرواية المتسربة بان وزير الخارجية هوش يار زي باره قد أفعم النواب بما جاد به فمه من انواع السباب والشتائم تتناسب مع منصبة كأب للدبلوماسية العراقية, وهو بلا منازع يعتبر مؤسس” دبلوماسية القنادر” معيدا أمجاد الرئيس الروسي السابق خروشوف في الامم المتحدة عندما ضرب المنضدة بحذائه, وقد أثبت الهوش يار بأن البيشمركة من حمايته لا توقفهم حصانة البرلمان ولا قدسية قبته ولا المناصب السيادية بل حتى كرامة النواب فقد هجموا على النواب الصدريين بكل ضراوة مستخدمين أخمص بنادقهم لتأديبهم فالبيش مركة لا يحترمون سوى قادتهم ولا يغزر بهم (17) مليار دولارأمتصوها بفهلوة من خزينة الدولة ! ولا نعرف هل سيطالب اعضاء الائتلاف الحاكم بمحاكمة البر زاني او الهوش ياري واقصاهم من مناصبهم كما طالبوا بإقالة المشهداني عندما تعرض بعض حراسة الى أحد النواب أو أن ما يصح على المسئولين العرب لا يصح على المسئولين الاكراد؟
ليقف كل منا مع نفسه دقيقة واحدة في زمن ضاع فيه الزمن وفقد قدسيته واحترامه في لج الفوضى الخلاقة كما يحلو للبعض تسميتها وفق الرؤية الامريكية غير الخلاقة يستجلي فيها ما جرى سيما اننا على ابواب مرحلة حرجة ربما تكون حاسمة هذه المرة ! فهل كان انتخاب هذه الحفنة من النواب المتضاربين بالاحذية – رغم كل ما صاحبالعملية الانتخابة من تزوير باعتراف كبار المسئولين من المفوضية العليا - اختيارا موفقا ؟ ألم تكن تلك جريمة مع سبق الاصرار المرجعي والترصد الاحتلالي ؟ ومن يتحمل مسئولية هذه الجريمة الكبرى؟ الاحتلال أو المراجع السياسية والدينية؟ أم الشعب نفسه؟
من المؤكد إنها جريمة مشتركة تتحمل كل الجهات التي ساهمت فيها نسبة من المسئولية مع تباين النسب . لنترك صفحات الماضي القريب الملبد بالغيوم السوداء ونستفيد من العثرات الماضية لتلافي المطبات القادمة وما اكثرها, فالمؤمن كما قالوا لا يلدغ من جحر واحد مرتين, والعاقل لا يغمس اصبعه في نفس الحبر مرتين لانه سيكون ليس احمقا فحسب وانما مجرما بحق الوطن والشعب وهذه أم الجرائم في العرف الوطنيوالدولي.
ضحى عبد الرحمن
كاتبة عراقية