بقلم:سري سمور-جنين-فلسطين المحتلة
ينبغي أن يقتنع الجميع بأن الغيب علمه عند الله تعالى وحده لا شريك له،وما بين طرفة عين والتفاتتها يغير الله من حال على حال،والوضع الفلسطيني بشكل خاص قلّما تصدق أو تنطبق عليه تحليلات المحللين واجتهادات السياسيين وأمنيات المتمنين إلا بشكل جزئي ومحدود،والأرشيف أمامكم فراجعوه،فخلال خمسة وثلاثين شهرا شهدت الساحة الفلسطينية أحداث وتغيرات ربما لم تكن في الحسبان ،وعليه فإن كل السيناريوهات المحتملة لما بعد يوم الثلاثاء التاسع من كانون ثاني لعام ألفين وتسعة ميلادية (9/1/2009م) تظل في خانة التوقعات والتكهنات والاحتمالات ،لأن كل شيء قابل للتبدل والتغير والانعطاف والانقلاب 180 درجة في أية لحظة فكيف بعد حوالي 48 يوما؟!
أنا لن أدخل في توصيف قانوني وجدل سياسي ،فغيري تصدى وسيتصدى لهذا الأمر من هذين المنطلقين ،إلا أن الصورة الواضحة حتى اللحظة أن حركة حماس ما لم يحدث توافق فإنها في اليوم الموعود لن تعترف بالرئيس محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية ؛هذا بغض النظر عن الإجراءات التي ستتخذها ،والتي تركت باب التوقعات حولها مفتوحا أو مواربا ،في الوقت الذي ستصر حركة فتح والرئاسة ومعها بعض الفصائل الموالية لها(فدا وحزب الشعب والنضال الشعبي) على أن ولاية الرئيس تنتهي في 25/1/2010م أي تزامنا مع انتهاء دورة المجلس التشريعي الحالي،،فيما ستحاول بعض الفصائل الأخرى(الجهاد والشعبية مثلا) التأكيد بأن الأمر سياسي وليس قانوني مع دعوات للوحدة والحوار، موقف الطرفين الرئيسيين واضح ومفروغ منه ،إلا إذا حدث توافق أو مفاجئات أو تطورات دراماتيكية…وأذكّر بأن كل شيء بيد الله وبعلمه المحيط بكل دقائق الأمور والأشياء في الكون الفسيح…
وفيما لو وصلنا إلى ذلك اليوم دون اتفاق بين الطرفين،فكيف سيكون موقف الأطراف الأخرى؛فأمريكا طرف وأوروبا طرف والدول العربية طرف وقبلهم إسرائيل،هناك من يتوقع أن تواصل الأطراف المذكورة تعاملها مع الرئيس عباس كرئيس كامل الصلاحيات ،وأن تعلن أنها تأخذ بموقفه وموقف حركة فتح فيما يتعلق باستمرار فترة ولايته القانونية ،ولكن من أين لهؤلاء بتبرير لتوقعهم ،بل أحيانا تأكيدهم الجازم؟تذكروا بأن أمريكا متجهة نحو إدارة جديدة،وفي العرف المتبع يلتفتون إلى المنطقة وفلسطين بعد عام من تولي الرئيس الجديد منصبه،وحين يلتفتون ويرسلون مبعوثيهم ومسئوليهم فإن التأكيدات هي هي لا تتبدل:«ضمان أمن إسرائيل وتفوقها…والالتزام بعملية السلام ومكافحة الإرهاب…إلخ» ولكن من قال بأنهم سيصرّون على التمسك أو قل تبني وجهة النظر القائلة بأن الرئيس عباس رئيس حتى 25/1/2010؟خاصة بأنهم لم يعلنوا حتى كتابة هذه السطور عن موقف واضح بهذا الخصوص؟!
لكن ما يهمني بل لربما يهم الجميع هنا هو الموقف الإسرائيلي،لأنه الموقف الأكثر تأثيرا-شئنا أم أبينا- مع الوضع بالحسبان أنه موقف عدو لدود يهمه فرقة وتمزق صفنا وإذلالنا جميعا بلا استثناء،متبعا سياسة فرق تسد المشهورة؛فأولمرت يوشك على الرحيل بل قد يزج به في السجن،ولنتذكر كيف خرجوا علينا بقصة فساده فجأة،وصحفهم وكتابهم وساستهم لا يكفون عن اتهام قادتهم السياسيين والعسكريين بالفساد أو العجز أو التخاذل أو الفشل في تحقيق الوعود وتطبيق الخطط،وهنا أريد أن أسأل:إذا كانوا لا يرحمون قادتهم ورجالات كيانهم،فهل سيستثنون الرئيس عباس؟أنا لا أقول بأنهم سيعتبرون ولايته منتهية بعد 9/1/2008م تحديدا،ولكنهم على الأغلب سيستغلون الموقف أيما استغلال،وسيقومون بمحاولة ابتزاز سياسي للرجل ،وستواصل صحفهم التشكيك به،وسيقوم بعض قادة أحزابهم برميه بما تيسر من الأوصاف القاسية ؛ولنضع في حسباننا أنه قبل اندلاع هذا الجدل عندنا قالوا عن الرئيس عباس بأنه رجل ضعيف أو «يريد ولكنه لا يملك القدرة على تطبيق ما يريد» وأنه غير ذي صلة إلى غيرها من التعبيرات،والتي تراجعت-مؤقتا كما يبدو- بعد الإعلان عن أنابوليس وحتى اللحظة،وأنابوليس انتهى إلى صفر فلسطينيا وعربيا،وإلى تسمين استيطاني وانفلات شرس لقطعان المستوطنين وتهويد لم يسبق له مثيل لمدينة القدس ،كما أن أنابوليس ارتبط بجورج بوش وإيهود أولمرت وكلاهما الآن يعيش فترة نهاية الخدمة،فلنستشرف رؤية قادة حكومتهم القادمة بما يجري عندنا!
علينا ألا نعوّل كثيرا على الآخرين بل على أنفسنا وقدراتنا ،وهنا لا بد من تحديد دور السلطة وصلاحياتها،فنحن بلا شك بحاجة إلى سلطة تدير لنا شئوننا المدنية من تعلي
م وصحة وإلى جهاز شرطة لضبط الأمن،ولا نحتاج إلى سلطة تخضع للابتزاز السياسي،وأن يرتبط مصير القدس وحق اللاجئين في العودة برواتب الموظفين،وتحديد دور السلطة من اختصاص منظمة التحرير،ولكن بشرط إعادة بنائها من جديد ،لأن فيها فصائل وشخصيات لا تمثل شيئا في الشارع الفلسطيني في داخل الوطن أو في الشتات،وهناك فصائل مؤثرة ومهمة ،ولها دور لا يجوز أو من غير المنطقي تجاهله، ليست منضوية تحت المنظمة؛فحركة حماس وما تمثله من ثقل ليست منضوية تحت لواء المنظمة وكذلك الجهاد الإسلامي ولا أنسى المبادرة الوطنية ومؤسسات مدنية واجتماعية فاعلة،وهنا أذكّر بكلمة وجهها الدكتور رمضان عبد الله شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي للرئيس عباس:«أقول للرئيس أبو مازن أخرج منظمة التحرير من الثلاجة!» علما بأن حركته لم تشارك وتعلن أنها غير معنية بالمشاركة في السلطة بشكلها الحالي،لكنها راغبة في دخول المنظمة،وموقف حماس معروف وتعلن عنه صباح مساء،وبناءا عليه فإنه من الضروري الشروع الفوري بإعادة بناء المنظمة وتفعيلها من أجل ضمان الحقوق لا التفريط بها؛وإذا كان هناك معوقات أو موانع وكوابح من مستوى دولي أو إقليمي أو من بعض من ستتضرر مصالحه الخاصة يرفضون هذه الخطوة الضرورية ،فلننتظر مزيدا من التدهور والانقسام والتدخل والوصاية لا محالة،ولا جدوى من انتظار هيلاري كلينتون فلطالما انتظرتم واستقبلتم كونداليزا رايس وقبلها كولن باول ولا تنسوا مادلين أولبرايت ،فلو انتظرتم هيلاري ومن بعد من بعد هيلاري فلن يوقفوا البناء في المستوطنات يوما بل ساعة واحدة،فلنراهن على شعبنا ووحدة موقفه،لا أن نستجدي الآخرين،سواء عبر الصحف أو غيرها!
لعل النظرة العامة إلى يوم 9/1/2009م بأنه يوم تكريس وتعزيز الشقاق والانقسام،ولكن ،ورغم أنني لست متفائلا بطبيعتي،أرى أن ذاك اليوم قد يكون على عكس ما يتوقع معظم من يكتب أو يتحدث…والله أعلم!
،،،،،،،،،،،
سري عبد الفتاح سمور
قرية أم الشوف المدمرة قضاء مدينة حيفا المحتلة
حاليا:جنين-فلسطين المحتلة
السبت 24 ذو القعدة 1429هـ – 22/11/2008م
بريد إلكتروني:-